يا ريت!!
من أشهر ما تغنى به المطرب “محمد الأمين” أغنية يقول مقطعها (يا ريتني أقدر أقول فيك الكلام الما نكتب)، أما “كمال ترباس” فإن أغنيته يا ريت قد تمددت في وجدان الشعب السوداني في الوطنين الشمالي والجنوبي وتشاد وإثيوبيا وربما تصل الصومال، إذا لم تحول بينها والشعب الذي مزقت وجدانه الحرب جماعات الشباب الصومالي المتطرفة التي تحرم الغناء بفقه البندقية ومنطق القتل على أساس الهوية!! ويا ريت كلمة تفيد التمني والتحسر معاً وتقابلها في اللغة العربية الفصحى (ياليت) وتتسع مواعين اللغة بين (قوم وقوم) وأحسب أن (يا ريت) كلمة عربية أصلية خرجت من مخزون السودانيين اللغوي، ولم أجد تعبيراً أبلغ منها للتعليق على تصريحات السيد مساعد رئيس الجمهورية “محمد الحسن الميرغني” رئيس قطاع التنظيم في الحزب الاتحادي الديمقراطي، وهو يمني نفسه ويجزم بعودة الحزب الاتحادي من غربته الحالية ووصوله لحكم السودان في الانتخابات القادمة 2020م إلى السلطة لوحده. (يا ريت) السيد “الميرغني” يصدق هو ما يقول ويسعى ويكد لنيل المطالب بتوحيد حزبه ولملمة أطرافه وعلاج أمراض يعاني منها حزب الوسط منذ عام 1986، حينما خسر الانتخابات بسبب الفوضى التنظيمية التي تضرب حزباً نال أعلى عدد من الأصوات ولكنه حصل فقط على (63) مقعداً في الجمعية التأسيسية، بينما حزب الأمة الأقل منه أصواتاً نال (101) مقعد، والجبهة الإسلامية التي نالت أقل من ربع أصوات الاتحاديين حجزت لنفسها (51) مقعداً في البرلمان لدقة تنظيمها وحسن تدبيرها.. وبعد مضي (29) عاماً من ذلك التاريخ تدحرج الحزب الاتحادي إلى أسفل وخاض الانتخابات الأخيرة (مردفاً) على ظهر المؤتمر الوطني الذي تنازل للحزب الاتحادي عن دوائر عديدة حتى يدخل البرلمان (بالحنية والمودة والعشرة النبيلة).
يمثل الحزب الاتحادي في البرلمان بعدد من المقاعد ولكن رئيس الحزب الفعلي والحقيقي ووريث مولانا الشرعي “الحسن الميرغني”، يمني نفسه بحكم السودان وفوز حزبه بالانتخابات التي تجري بعد (5) سنوات من الآن.. و”الميرغني” المساعد منذ صعوده للقصر في كرسيه الوثير لم يبارح ساحات الاتحاديين إلى فضاء الشعب.. شغل “الميرغني” نفسه بالفرقاء داخل الاتحادي أطلق على معارضيه (صفة الدواعش) وأضاف إليهم في تصريحاته الأخيرة لموقع سودان تربيون (المتمردين، وهي لغة عسكرية غير معهوة في الاتحاديين من قبل، ولكن السيد “الميرغني” يقول ما شاء بغير حساب لغياب المؤسسات التي تحاسب داخل الحزب الاتحادي الذي فقد عقله بإبعاد عظم الحزب السياسي، ممثلاً في “طه علي البشير” و”بخاري الجعلي” وبقية القيادات المستنيرة، وهم في نظر رئيس قطاع التنظيم مثل “أبو بكر البغدادي” زعيم حركة (داعش) المتطرفة .. وأخيراً ضم إليهم آخرين (متمردين).. فكيف لحزب منقسم على نفسه تتصارع تياراته على فتات سلطة شكلية، وهياكل حزب أصابتها (الروماتزيم) السياسية وجعلتها عاجزة عن أداء دورها والمنافسة في انتخابات عامة، تغيرت فيها ملامح المؤتمر الوطني وصعد جيل جديد يقوده المهندس “إبراهيم محمود” الذي جاء من صلب جغرافية كان الحزب الاتحادي يسودها ويسيطر عليها. و”محمود” ليس رقيقاً وعطوفاً على الأحزاب مثل البروفيسور “إبراهيم غندور” ابن الأنصار الذي كان رءوفاً جداً بالحزب الاتحادي الذي لا يملك أي قدرة على منافسة المؤتمر الوطني جماهيرياً حتى يزيحه من السلطة، وقد ذاق الاتحادي مرارة التنافس في الانتخابات الماضية من الحزب الاتحادي الآخر.. ولو أنفق “جلال الدقير” جزءاً يسيراً من المال لأبعد الاتحادي من دوائر جغرافية عديدة.
من مصلحة التجربة السياسية التي نعيشها أن يعود الاتحادي الديمقراطي من غربته الحالية ويثق في نفسه ويخوض أي انتخابات، حتى لو كانت لاختيار نقابة عمال مصنع نسيج “الحاج عبد الله” الذي توقف وسيجد الاتحادي من يشجعه حتى داخل المؤتمر الوطني، ليضيف للممارسة طعم ومذاق التنافس، أما الحلم بحكم السودان فتلك مثل أمنية “كيجاب” في انتخابات 1998م.