الديوان

عادة جمع الأغراض ما بين "التذكارات" و"الكراكيب"

قد تصل إلى حالة مرضية
المجهر- ميعاد مبارك
مفيدة أو غير ذلك، في ركن قصي أم على مقربة من العين، اعتاد البعض جمع بعض الأغراض التي تحمل ذكرى معينة أو تربطهم بحدث بعينه، وقد يكون الجمع من أجل الجمع فقط، بلا هدف، فقط تحكمه العادة، يكبر أو يصغر حجم المقتنيات، التي تتنوع تسمياتها في مساحة فضفاضة بين “التذكارات” و”الكراكيب”..” والكرور”..
 (المجهر) جالت بين الناس وسألتهم عن أغراضهم وتذكاراتهم، وإلى أي مدى يهوون الاحتفاظ بالأشياء.. فإلى التفاصيل..
{ حفاظة وكرتونتين وشنطة
نبدأ عند التشكيلية الشابة “إسراء سعيد” التي أكدت أنها لا تحب رمي أغراضها أبداً، وقالت: (أنا أي حاجة عندي ما رميتها.. كتبي، مذكراتي، هدومي القديمة بعد طلعة روح برميها، أما الورقة إلا تبقى محتوتة، وما أعرف المكتوب فيها شنو).. وعن كمية الأشياء التي تكتنزها أخبرتنا “إسراء” أنها عبارة عن كرتونتين و(حفاظة كولا) و(شنطة) كبيرة من النوع الذي يستخدم في السفر، وأكدت أنها تحوي العديد من الذكريات. وأضافت ضاحكة: (غالباً ما أتلقى تهديدات من أخواتي برمي كل أغراضي التي يعتقدن أنها تضيق المنزل في حالة سفري.. لكن قاعدة ليهم شوكة حوت).
{ لحظات عالقة في الذاكرة
واعترضت “ألاء مصطفى” على مسمى (كرور) موضحة أن هنالك فرقاً بين المسمى السابق ،و”التذكارات” التي عرفتها بأنها مقتنيات معنوية للحظات عالقة في الذاكرة ، سواء أكانت لحظات سعيدة أو حزينة. وقالت: (عندي حاجات من الابتدائي،  برجع من فتره لفترة أشوفها وأتذكر المواقف، كمان بحافظ عليها جداً ،وأعيد تغليفها حتى لا تتلف).
“عفراء أحمد” التي أثار حماسها موضوع التذكارات بدأت حديثها بلفظة (إيييك) في إشارة للكثرة والقدم، وأضافت: (عندي كروت من أيام الابتدائي،  وبحب تكون في مكان قريب عشان أرفع معنوياتي وأتذكر الأيام الحلوة مع الأصحاب الفقدناهم ،والأماكن المشيناها)، موضحة أن الصور قد تغني عن جمع التذكارات التي تهوى جمعها مثل الرمل والأوراق والكروت، ويبلغ مخزون “عفراء” كرتونة واحدة فقط،  حسب تعبيرها، وعزت عملية جمع الأغراض لضعف ملكة كتابة المذكرات، عند البعض التي تتحول إلى التجميع المادي للذكريات.
“مريم خضر” شددت على أنها لم تلق يوماً كتاباً أو مذكرة ولا حتى ورقة خطت عليها حرفاً، قائلة: (أي شيت بكون فيها رسومات وكلام ما عنده معنى، لكن بحبها لمن أجي أتفرج عليها بعد زمن)، وأضافت: (بحب أحتفظ بالكروت وتذاكر السفر والروشتات الطبية)، معترفة أن ما تقوم به عبارة عن إدمان، وأن لديها كرتونتين كبيرتين مكتظتين بتذكاراتها.
{ قوارير معبأة بالرمل وبعض الحجارة
أما “أميرة الطيب” فتحتفظ بتذكارات للحظات المميزة في حياتها، على سبيل المثال أوراق المشاريع المهمة التي وقع عليها أستاذها المفضل، بالإضافة إلى الشريط الأحمر، الذي زينت به مشروع تخرجها، وبعض أوراق الامتحانات، دفاتر ودبابيس، إكسسوارات وهدايا من صديقاتها منذ أيام المدرسة.. ومن الأشياء المميزة التي تحتفظ بها نتيجة أول فصل دراسي لها، وورقة بقيمة جنيه من أول مرتب لصديقتها، بالإضافة إلى قوارير معبأة بالرمل وبعض الحجارة ، التي جمعتها من المناطق التي سافرت إليها، التي تؤكد أنها تذكارات لا يمكن اعتبارها (كرور).
وتوافقها في الرأي”عهد ” التي تجد في جمع الأشياء (ذكريات لا تقدر بثمن).. ومن الأغراض التي تحتفظ بها أول (1000) دينار، نالتها كأجر ونتائجها الدراسية.
{ “حافظ عبد الرحمن” وبعض الأشياء الغريبة
“ملاذ” لا تحتفظ بالكثير من الأغراض، لكن لديها شريط لعازف الفلوت الشهير “حافظ عبد الرحمن”، تحتفظ به منذ (8) سنوات، أما “مي” فاعترفت بجمعها بعض الأغراض مثل نتائجها الدراسية وبعض الأشياء التي وصفتها بالغريبة، يضمها الرف الأول من دولابها.
لعل بعض هواة جمع الأشياء، اكتنزوا بعض الأغراض التي لم يتوقف نفعها على المردود الشخصي،  بل اتسع إلى العام؛ مثل الملك الآشوري “آشور بانيبال” في ‏القرن السابع قبل الميلاد، الذي‏ أرسل كتبته إلى كل أرجاء العالم المعروف آنذاك ليجمعوا له نسخاً من مخطوطات ووثائق قديمة كي يضيفها إلى مكتبته الملكية في “نينوى”.‏ وقد اكتُشف قصر الملك “آشور بانيبال” والمكتبة المذهلة التي يضمها سنة 1853م.‏
{ أغراض غريبة وتحف قيمة
على نحو مماثل،‏ اشتهر الأرستقراطيون اليونان والرومان بجمع التحف الفنية وكانت روما،‏ أيام “شيشرون” و”قيصر”،‏ المثال الأبرز، لإمبراطورية مهيمنة تعيش حياة ترف وتقتني أفضل الأشياء، فقد احتلّ تجار الأعمال الفنية شوارع كاملة في المدينة.‏ كما أن بعض المواطنين الأغنياء أنشأوا متاحفهم الخاصة.
{ أغراض غريبة
ومن أغرب عادات اكتناز وجمع الأغراض يحكى أن أحد الهواة الأغنياء جمع آلاف البراغيث المحفوظة في قنانٍ تحتوي محلولاً كحولياً ،وتحمل اسم المكان الذي جاءت منه واسم الإنسان أو الحيوان الذي وُجدت عليه! وأيضاً الكونتيسة الروسية التي أثارت الجدل، بهوايتها جمع “المباول” التي اقتناها الأثرياء والمشاهير.‏ كما جمع أحد الحكام اليابانيين (5000) كلب، وضعها في بيوت خاصة مزينة بإتقان.‏
{ مرض الاكتناز
هو الجمع المفرط للأشياء ، بالإضافة إلى عدم القدرة على التخلص منها، وفي حالات قليلة قد يكون الاكتناز عرضاً من أعراض مرض “الوسواس القهري” والأشخاص الذين يعانون من هذا الاضطراب قد لا يقتصر جمعهم على الأشياء فقط، بل قد يتعدى الأمر إلى جمع الحيوانات أيضاً،  ولم يتضح بعد سبب واضح لمرض الاكتناز، وقد ربطه البعض بالجينات الوراثية، ويعدّ الأشخاص الأكثر عرضة، له هم فئات المراهقين، وقد يبدأ قبل ذلك أي في مرحلة الطفولة عند الأشخاص الذين لديهم تاريخ عائلي مع المرض. وقد تخلقه مواقف حياتية صعبة كتجربة ضياع المقتنيات أو الأشياء المهمة في حياتهم. وكذلك المدمنون على الكحول والأشخاص المنعزلون اجتماعياً يميلون للاكتناز المرضي، الذي يؤثر على المشاعر والتفكير والسلوك، بالإضافة إلى ازدحام وامتلاء مساحات المعيشة وعدم القدرة على التخلص من الأشياء والمقتنيات القديمة والبالية، وأبرز أعراضه الإبقاء على أكوام الجرائد والمجلات والبريد ونقل الأغراض من مكان إلى مكان، دون رمي أي شيء منها والإصرار على استبقاء الأشياء عديمة الفائدة مثل مناديل المطاعم، بالإضافة إلى صعوبة إدارة النشاطات اليومية ،واتخاذ القرارات ومشاق تنظيم الأشياء، ويكون المكتنز غالباً خجولاً يشعر بالإحراج من مكان المعيشة، بالإضافة إلى الإفراط في التعلق بالأشياء لدرجة منع الأشخاص الآخرين من لمسها أو تحريكها، ومحدودية أو انعدام العلاقات الاجتماعية وتحول غرف المنزل إلى مخازن لتخزين تلك المقتنيات، ويعد الإنكار أهم عائق يحول دون شفاء الأشخاص، الذين يعانون من الاكتناز لأنهم لا يدركون أن مشكلتهم مشكلة حقيقية ، مما يجعل علاجهم أكثر صعوبة.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية