رأي

فوق رأي

“ستة في حداشر”
هناء إبراهيم
 
يعتقد علماء المجال النفسي أن غالبية (المعقدين من مادة الرياضيات) تولدت لديهم هذه العقد جراء معاشرة معتقدات قديمة من الذين سبقوهم وإفاداتهم المتوارثة حول صعوبة المادة، بما في ذلك الألقاب الحادة كـ(فرّاق الحبايب).
هؤلاء معقدون من علم الرياضيات، أما أنا فالرياضيات عقدتني من وجبة الغداء..
اتفرجتوا؟!
من زمن جداول الضرب وإلى هذا اليوم، وعلاقتي بالغداء منهارة انهيار العملة الوطنية والبنى التحية.
إذ إن (صينية تسميع الجداول) كانت الطبق الأساسي لتلك الوجبة، تماماً كما فول الفطور عند غالبية الشعب.
ربما تكون قد قابلت ناس بتونسوا بالعربي وبالإنجليزي وبالتركي، أما ناس بيتنا فكانوا بتونسوا بالرياضيات.
والله جد..
حينما يأتيهم صداع فإنهم يبحثون عن مسائل حسابية صعبة ويقومون بحلها معتمدين على التفكير العميق كبندول طبيعي يخلصهم من زن الصداع، وكنت لو سألتني عن ناتج ضرب “واحد في تلاتة” أصاب بصداع ولفة رأس والتهاب مفاصل.
يعني إنت بتتغدى يسألوك عن “ستة في حداشر”، التقول “ستة في حداشر” سلطة أسود ولاّ قيمة بطاطس.
“ستة في حداشر” بالمايونيز؟!
“ستة في حداشر” من بقية قرايبي مثلاً..!!
أنا مالي ومال “ستة في حداشر” ومالي ومال “علي بابا والحداشر حرامي”..
مستوى حوار الرياضيات كان متوتراً إلى حد بعيد بيني وبين آلية حفظ الأرقام في تلك الفترة، الأمر الذي جعلني أقلب طاولة الحوار عليّ وعلى أعدائي.
فذات غضب حينما سألني خالي في اختبار مفاجئ وبدون أية مناسبة رياضية أو حتى سياسية عن حاصل ضرب “تسعة في عشرين”.
وقتها لم أفكر، ولم أستعمل أصابعي، ولم استعن بصديق أو أحذف إجابتين، بل قلت: (لو عايز تضربني بدل ضرب الجداول دي أضربني، ولا بعرف ستة في واحد ولا عايزة أعرف واحد في ستة، أنا اعتزلت الحاجات دي يا خالو).
وإكمالاً لموجات الغضب، أول إجراء قمت به الصباح هو أن أخبرت معلمتي في المدرسة أني ومنذ هذا اليوم لن أقوم بتسميع أي جداول، لأن هذا التسميع صار يراودني في نومي..
ونفسياً لم أعد أحتمل تلك الجداول.
ضحكت معلمتي على تلك الطفولة الظاهرة على آخر الجملة حين أكملت حديثي بـ(العمل الجداول دا بس خلي يلاقينا يوم القيامة)..
والغريب هو أن تسميع جداول الضرب لم يجعلني أكره الرياضيات، بل كرهني في الغداء وملحقاتو..
لم أكن أحب عمليات الضرب لكنني فيما بعد أحببت الرياضيات..
تقول حبوبة جيرانا: هذه هي المحبة بعد عداوة، وأقول هناك حب جزئي.
من هذه المحبة الجزئية تنشأ محبة كاملة..
تنشأ علاقة كويسة..
علينا أن نبتكر أساليب لحب العلوم، بعيداً عن الضغط على الدماغ..
أقول قولي هذا من باب تفاضل القلب وتكامل المحبة
و…….
حسابي معاك بقى كلو كسور.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية