على خلفية تبنّي السياسات الأخيرة : لعنة المشاركة تلاحق الاتحادي (الأصل)!!
لا زالت ذاكرة الاتحاديين تحتفظ بذلك المشهد المُعبّر الذي شهدته (جنينة السيد علي)، خلال الاحتفال السنوي بذكرى راعي الحزب السيد “علي الميرغني”، العام الماضي.. حيث تحولت المناسبة الجليلة إلى استفتاء كبير، عبّرت من خلاله القواعد والجماهير، التي جاءت إلى المناسبة عن رفضها القاطع لمشاركة الحزب في الحكومة، في الوقت الذي كانت فيه الساحة تشهد حواراً ماراثونياً بين المؤتمر الوطني والاتحادي (الأصل)؛ بغية اقناع الأخير بالمشاركة. الأصوات الرافضة، وبالرغم من أنها كانت صاحبة الصوت الأعلى، إلا أن التيار الداعم للمشاركة انتصر في نهاية الأمر، وأصبح الحزب الاتحادي الديمقراطي جزءاً من الحكومة، عبر ثلاثة وزراء، بالإضافة إلى مساعد رئيس الجمهورية.
مشاركة الحزب في الحكومة جرّت عليه الكثير من المشاكل التي تفجّرت مؤخراً بشكل واضح، تمثّل في الهجوم العنيف والمتواصل على وزراء الحزب في الحكومة، ووصْف مشاركتهم بــ(الديكورية) وغير المؤثّرة، وأنهم مجرّد (كومبارس) داخل الحكومة. ما حدا بوزيري الحزب “عثمان عمر الشريف” و”أحمد سعد عمر” التصدّي لذلك الهجوم؛ بتأكيد مشاركتهم في كل القرارات والسياسات التي تصدرها الحكومة، مشيريْن إلى مشاركتهما في وضع السياسات الاقتصادية الأخيرة، المتعلقة بفرض سياسة التقشّف الحكومي، ورفع الدعم عن المحروقات؛ الأمر الذي جلب مزيداً من السخط على الحزب. فقواعده، وإن قبلت بالمشاركة على مضض، فإنها لن تقبل بأن يكون الحزب ــ ممثلاً في وزرائه ــ نصيراً للحكومة عليه؛ بمساهمته في فرض مزيد من الأعباء؛ بحجة المعالجات الاقتصادية.
الحزب الاتحادي بدا وكأنما له وجهان. فمع تأكيدات وزرائه بالمشاركة في تلك السياسات، بل والدفاع عنها، وعن جدواها في الخروج من الأزمة الاقتصادية، سارع في جانب آخر إلى نفي الأمر جملةً وتفصيلاً.
حيث شدّد مسؤول التعبئة السياسية بالحزب “محمد سيد أحمد” بأن الحزب ليست لديه أي علاقة بالقرارات الاقتصادية الأخيرة، مضيفاً لموقع (سودانايل) بأن “عثمان عمر” لم يجلس مع الحزب؛ لبحث هذه السياسات، وبالتالي فإن كل ما يصدر عن “عثمان عمر” بخصوص هذه السياسات، إنما يمثل وجهة نظره الشخصية والحكومية.
ومضى عضو هيئة القيادة السابق “أبو الحسن فرح” في ذات السياق، واستبعد أن يكون الحزب قد شارك في وضع السياسات الاقتصادية الأخيرة. وأضاف، في حديثه لـ(المجهر)، أن هذا الحديث لا أساس له، وأنه كان عضواً في اللجنة الاقتصادية للحزب. وشارك في كل الأوراق التي قُدِّمت منذ اتفاقية نيفاشا، مؤكداً أن الحزب الاتحادي ليس له سطرٌ واحد فيما قُدِّم من سياسات مؤخراً. وزاد: (أجزم بأن “أحمد سعد” لم يشارك في هذه السياسات، وليس له علاقة بالشأن الاقتصادي). ومضى “فرح” إلى تأكيد أن مشاركة بعض وزراء الحزب، وتأييد “الميرغني” للمشاركة، لا يعني أن (الإنقاذ) قد استحوزت على الحزب الاتحادي، مضيفاً بأن شباب الحزب هم من يقودون الشارع الآن للتظاهر ضد قرارات الحكومة. وقال بأن حسابات الإنقاذ كانت خاطئة عندما ظنت أن مشاركة “الميرغني” ستدعم النظام، وتُقدِّم له سنداً. وقال إنهم متفاجئون الآن من موقف الحزب، هل هو حكومة أم معارضة؟!.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي “أمير بابكر” بأن الحركة الاتحادية تعتبر حركة واسعة لا يمكن اختزالها في قيادات الحزب المشاركة في الحكومة فقط، مستبعداً وجود أي دور صغير أو كبير للاتحادي في صياغة والمساهمة في وضع السياسات الاقتصادية الاخيرة، مضيفاً، في حديثه لـ(المجهر)، بأن القرارات الأخيرة تم طبخها وإجازتها داخل أروقة المؤتمر الوطني، وعبر لجانه الاقتصادية، ومن ثم عرضها على مجلس الوزراء، الذي يسيطر عليه أيضاً المؤتمر الوطني، ثم إقرارها من قبل البرلمان ذي الأغلبية المنتمية إليه. ويصف “بابكر” تصريحات الوزراء الاتحاديين بأنها مجرد ادّعاء فقط، ولا دور لوزراء الاتحادي أو غيرهم فيها.
ولفت “بابكر” إلى وجود فجوة كبيرة بين قيادات وشباب الحزب الاتحادي. وقال إن ذلك يظهر بوضوح في انخراط الشباب في صفوف المعارضة، وإسهامهم في العمل المعارض بجانب القوى الأخرى.
ويسود اعتقاد واسع وسط المراقبين بأن الحزب الاتحادي (الأصل) قد فقد ــ بمشاركته الواسعة في الحكومة ــ أراضي عريضة وسط القوى المعارضة، ويسند ذلك الاتجاه ما تردد مؤخراً من خلافات وسط المعارضة عند توقيع الميثاق الديمقراطي، حيث تحفّظ البعض على مشاركة الحزب الاتحادي في التوقيع لاسقاط النظام، في الوقت الذي يشارك فيه بعدد من الوزراء. ويتوقع أن يتسبّب فتح ملف المشاركة من جديد وسط الاتحاديين في إثارة المزيد من الخلافات والجدل، خاصة أن التخفيض الحكومي الأخير، والذي كان يمكن أن يكفي الاتحاديين (شر القتال)؛ لم يشمل وزراءهم، مما جعل البعض يربط بين تبنيهم للسياسات الأخيرة والدفاع عنها.