حوارات

"عبد المحمود أبو" الأمين العام لهيئة شؤون الأنصار في إفادات جريئة لـ(المجهر) (2-2)

{ الأخوان المسلمون في مصر وقعوا في فخ التجربة السودانية وحاولوا تقليدها
{ إسلاميو تونس امتازوا بالوعي والمسؤولية.. فقدموا المصلحة العامة على الخاصة
{ (داعش) صنيعة مخابرات دولية.. استوعبت الشاب المحبط والمتمرد وستنتهي قريباً
حوار- وليد النور
امتدح الشيخ “عبد المحمود أبو” الأمين العام لهيئة شؤون الأنصار، تجربة حكم الإسلاميين في “تونس”، وقال إن (حركة النهضة) كانت مدركة للأوضاع التي تعيشها وفضلت المصلحة العامة على الخاصة، وانتقد التجربة السودانية والمصرية اللتين قامتا على الإقصاء، وحمل الأمين العام للمؤتمر الشعبي فشل تجربة تطبيق الشريعة الإسلامية، ودعا الإسلاميين إلى مراجعة تجربتهم بدل إطلاق التهم على الغرب، بأنه يريد إنهاء التجربة الإسلامية، واستبعد صعود تيار العلمانيين في ظل تراجع الحركات الإسلامية، وقال إن التجربة العلمانية تقوم على ردة الفعل وليس الفعل.
حوار- وليد النور/ تصوير- شالكا
{ إلى أي مدى يتحمل “الترابي” وغيره من مفكري الحركة وفقهائها مسؤولية فشل تجربة تطبيق الشريعة الإسلامية؟
– كلهم يتحملونها كاملة، لأنهم خططوا وقاموا بالانقلاب، ووعدوا الأمة الإسلامية والعالم أجمع، أنه في ظل حكمهم سيعيش الإنسان سعادة أبدية في الدنيا، وسوف تتحقق كل الآمال، فكانت النتيجة ما نراه الآن عكس ما قالوا وما توقعوا، ولذلك هم يتحملون المسؤولية كاملة أمام الناس وأمام الله.
{ كيف تنظر للتجربة الإسلامية في “مصر” وفي “تونس” والتي سارت على النهج السوداني.. ولكنها تفادت الوقوع في أخطاء الحركة الإسلامية؟
–    أعتقد أن التجربة في “تونس” كانت مفيدة والقيادة التونسية كانت على درجة من الوعي، فهم أدركوا حجم المسؤولية وقدموا المصلحة العامة على الخاصة، لذلك نجد قيادة (حركة النهضة) في “تونس” جديرة بالاحترام وكذلك في “المغرب”، فقد تعاملوا مع الواقع بصورة فيها مراعاة للحقوق. أما في مصر بكل أسف وقعوا في فخ التجربة السودانية وحاولوا تقليدها، وبالتالي خلقوا المناخ الذي أدى إلى الواقع الحالي، وأعتقد أن كل هذه التجارب بدل أن يبكوا على الإطلال والقول بأن هنالك مؤامرة لابد يقوموا بمراجعة داخلية، ويحددوا الأخطاء التي وقعوا فيها والايجابيات، وما هي الوسائل المثلى والآليات، التي يمكن أن يقوموا بها ليكون لهم دور في المستقبل.
{ هل فشل الإسلاميين سيقود إلى صعود العلمانيين؟
–    لا أتصور ذلك.. لأن التيار العلماني يقوم على رد الفعل وليست لديه قوة واضحة، وهو يعتمد على نقل تجربة نجحت في مناخ مختلف عن مناخنا.  التجربة الأوروبية تختلف عن المجتمع العربي والإسلامي، وبالتالي فشل الإسلاميين لا يعني فشل الإسلام، ولا يعني فشل المشروع الإسلامي المستند إلى أصول الشرع والقائم على الاجتهاد، ولا أعتقد أن العلمانيين يكونوا بديلاً، ولكن يمكن بالحوار ما بين الإسلاميين والعلمانيين والليبراليين والقوميين، أن يتوصلوا إلى مشتركات بينهم تراعي الأصول والثوابت والقضايا التي فيها نوع من الاجتهاد لتقديم أنموذج لمجتمع ولدولة، تستند إلى أصول الإسلام.. لذلك أتصور أن الحوار الذي يدور الآن ينبغي أن يستند إلى الأصول الشرعية والمصلحة السودانية ولا تعارض بينهما، لأن الهدف الديني الأسمى هو تحقيق كرامة الإنسان قال تعالى (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ) وهدف الدين هو ترسيخ الحرية (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ)، وهدف هو الدين إدارة التنوع بصورة لا يكون فيها تمييز لهذا الطرف على الآخر، وأعتقد كل هذه الأشياء هي من مصلحة السودان وهي مبادئ دينية.
{ وهل تعتقد أن الحوار الجاري يلبي هذه المتطلبات؟
– الحوار ينبغي أن يراعي هذه الجوانب وأن يكون هدف كل المتحاورين، الأسمى هو المصلحة العامة وتحقيق كرامة الإنسان والتداول السلمي للسلطة وكيفية إدارتها بصورة تحفظ للجميع حقوقهم في الوصول للتنمية المتوازنة، بحيث توفر للمواطنين الرفاه في حياتهم وكيفية إدارة العلاقات الخارجية والإقليمية بصورة تحفظ المصلحة الوطنية وتحقق الاحترام المتبادل.
{ كيف تقييم تجربة الإسلاميين في جباية الزكاة.. في إطار تنزيل المشروع الحضاري؟
–    أعتقد أن الزكاة هي الفريضة الاقتصادية في الإسلام وضمن وسائل أخرى تمثل عماد الاقتصاد السوداني، وإذا قدمت الزكاة بصورة صحيحة ستعالج الكثير من المشاكل لأنها تستهدف ثمانية من شرائح المجتمع والغرض الأساسي أن تعالج مشاكلهم، ولو طبقت من حيث الجباية والتوزيع والصرف بصورة صحيحة، يمكن أن تعالج كثيراً من المشاكل لكن التجربة التي قامت في السودان في تقديري فيها عيوب من حيث الجباية والصرف والإدارة، هذه كلها تحتاج إلى مراجعة بحيث إن هذه الفريضة الاقتصادية تولى الله أمر توزيعها، ولم يتركها للرسول “صلى الله عليه وسلم” لو وزعت بطريقة صحيحة لعالجت كثيراً من المشاكل.
{ ولكن تغيرت بعض الأمور؟
–    الدين واحد لا يتغير ولا يتجدد ولكن ما يتغير هو التدين، فكيف نحول المبادئ والأحكام والتشريعات إلى واقع ملموس هذا ما نسميه بالتدين، وهو يختلف من بيئة إلى أخرى ومن عصر إلى عصر. الإصلاح في مجال التدين مطلوب، لأن حركة الإنسان في الحياة متغيرة ومتجددة، ولابد أن يدرك الإنسان أن هنالك أصولاً لا تتغير، والمتغير هو السياسة الشرعية من حيث الحكم واختيار الحاكم وطبيعة الحكم والإدارة والأهداف والغايات. هذه وضع الإسلام فيها مبادئ لابد أن نحولها إلى برامج لتلاءم طبيعة المجتمع الذي نعيش فيه في كافة المجالات السياسي والاقتصادي والاجتماعي والعلاقات الدولية.. وتحدث فيه المصلحون كثيراً ولكن بكل أسف بعض المنكفئين حاولوا أن يعيدوا تجارب الماضي بحذافيرها، وهذا مستحيل لأن الفقهاء في الماضي لم يتصوروا حجم التطورات التي تحدث، وبالتالي كتبوا عن واقعهم، والصحيح أننا نتبع منهج السلف، ولا نتبع أقوالهم لأن نهجهم كان معتدلاً ومنضبطاً ولو طبق نفس المنهج في عصرنا هذا يمكن أن يؤدي إلى نتائج ايجابية.
{ “الترابي” له مساهمات فكرية في هذا الإطار.. ما تقييمك لها؟
–    “الترابي” لديه مساهمات نظرية ومصطلحات جيدة، وكتب ألفها فيما يتعلق بتجديد أصول الفقه والتدين من الناحية النظرية جيد، ولكن من الناحية العملية هذا المجهود مجهود أمة وليس مجهود حزب ولا فرد، والآن نحن ندعو إلى الاجتهاد الجماعي الذي يضم كافة التخصصات والتيارات والعلماء لأنه  سيؤدي إلى نتيجة ايجابية، ولكن الاجتهاد الفردي والإصلاح لا يكون من فرد، وإنما ممثلو الجمهور هم الذين يحددون، هذا بجانب كيف نتعامل مع المستجدات.. كذلك لدينا تراث يجب أن نخضعه للنقد والتقويم لنستخلص المبادئ، التي تصلح لزماننا ونترك القضايا المرتبطة بالماضي. وهناك قضية  أخرى كيف نتعامل مع الوافد من الحضارات الأخرى، الآن رضينا أم أبينا الحضارة الغربية والصينية واليابانية والحضارات الحديثة الآن تلقي بظلالها على جميع مناحي حياتنا، كيف نتعامل معها هل نرفض كما يقول المنكفئون أم نتبنى الحضارة بكل شرها وخيرها، كما يقول المستلبون؟ في تقديرنا أن منهج الإسلام الوسط لا يرفض كل ما أتى من الآخر لمجرد أنه أتى من الآخر وإنما يخضعه لمنهج. كل ما يتلاءم مع العقيدة والمبادئ يؤخذ به، وكل ما يتعارض يرفض، الآن المجال العلمي تطور والعالم أصبح قرية واحدة كيف نتعامل نحن مع الواقع الجديد بصورة تمكن الإسلام من أن يلعب دوراً جديداً.
{ وما هي وسائل الدعوة؟
–    وسائل الدعوة الآن أصبحت حديثة والوسائل الوعظية قد تصلح لمجموعة صغيرة، مثل البيئة الريفية، ولكن الدعوة الآن تحتاج إلى معرفة الواقع وإلى معرفة التحديات والقضايا التي تشغل بال الأمة، لذلك فإن منهج الإصلاح لابد أن يراعي هذه القضايا، ويكون منهجاً جماعياً اجتهاداً جماعياً خاصة في القضايا الكلية والمتعلقة بالدولة والعلاقات الدولية وحقوق الإنسان. لا يفيد الرأي الفردي وإنما الرأي الجماعي. وأهم من كل ذلك كيف تحول هذه الاجتهادات إلى برامج عملية، تجسد وتطبق في أرض الواقع، أعتقد هذا ما يشغل المفكرين الآن.
{ هل ترى أن تنظيم (داعش) تمدد على مساحات تراجع عنها الإسلاميون.. هل سيكون بديلاً للحركة الإسلامية ووريثها الشرعي؟
–    (داعش) من ناحية إعلامية تعبر عن حالة الغضب والإحباط التي تعيشها الأمة والشباب الآن، لأنهم أُحبطوا في كافة الدول والتجارب، وبالتالي كل إنسان يخاطب قضاياهم الوجدانية وتطلعاتهم يستجيبون له، لكنها استجابة مؤقتة وعاطفية، لان (داعش) لا تمتلك برنامجاً لحل هذه الأزمات التي تحدثنا عنها، ولكنها استفادت من حالة التناقض بين ما يقال وما يفعل وذهبت في هذا الاتجاه، ولا أعتقد أنها تكون بديلاً لأنها صنيعة مخابرات دولية لجعل المنطقة منطقة فوضى خلاقة، تسمح لأصحاب الحضارة أن يفرضوا واقعهم، بالتالي هي صنيعة لجهات لديها مصالح، وبمجرد تحقق هذه المصالح ستذهب (داعش)، وهي في المرحلة الحالية تلبي حاجات عاطفية للجيل المتمرد وحاجات نفسية للجيل المحبط، ورغبات للشباب الذي يعيش حالة من الاضطراب، ولكن قطعاً ليست هي البديل الذي تتطلع إليه الأمة، وليست هي البديل الذي يطبق منهج الإسلام بالصورة التي أرادها الإسلام.
{ دعا المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالمغرب لمساواة المرأة والرجل في الميراث الأمر الذي أثار جدلاً كثيفاً.. كيف تنظر للأمر؟
–    لم أطلع على هذه التوصية، ولكن قضايا الميراث نفسها مثل الزكاة التي أمر الله بتوزيعها، وأعتقد أن رؤية الإنسان لتحقيق العدالة تحقق المصلحة. وقضية الميراث الناس يعطونها أكثر من حقها وفي بعض الأحيان المرأة تأخذ أكثر من الرجل، إذا توفى الرجل، وترك بنتاً هذه البنت تأخذ نصف المال وهكذا، فقضية (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ)، مربوطة بالأخوة الأشقاء فقط، وبالتالي قضية الميراث يتم التعامل معها كأن هذه الجزئية مميزة للرجال والنساء، أعتقد أنها رؤية غير صحيحة. أنا لم أطلع على القانون المغربي في هذا الجانب ولا أتصور أن المغاربة، وهم أكثر الناس علماً، لا أتصور أن يصدروا قانوناً يتناقض مع أصول الدين، وإذا صدر هذا القانون أعتقد أن هنالك رؤية فنية لا تتصادم مع الأصول الشرعية، وخلاصة القول إن قضايا الميراث والشهادة وكافة القضايا التي يشتم فيها تمييزاً لصالح الرجال ضد النساء، هذا التمييز غير صحيح، النساء شقائق الرجال ولهن مثل الذي عليهم.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية