مسألة مستعجلة
لا تضيقوا عليهن!!
نجل الدين ادم
أول أمس شاهدت عمليات “كشة” تعسفية لـ”ستات الشاي” في منطقة الخرطوم شرق والنساء يهرولن هرباً من مصادرة (عدة الشغل) التي جمعنها بالكد والعرق بُغية كسب لقمة عيش كريمة يجلسن لها الساعات الطوال لتلبية طلبات الزبائن.. منظر مأساوي وحزين وأنت ترى هذه التصرف.. وهؤلاء مأمورون طبعاً.
ما عندنا مشكلة في النظام وأن يكون هناك تقنين لوجود أولئك النساء، لا قفل باب الرزق على تلك التي تعول أيتاماً أو تلك التي تتولى تعليم أبناءها أو التي ترعى أسرتها.. وهكذا.
بمثلما انتهجت محلية الخرطوم من قبل سياسة تقنين وضع الفريشة والباعة الجائلين كان يمكن أن تتخذ ذات الأسلوب مع “ستات الشاي”، وقد لاحظت أن معظمهن من كبار السن أو المتزوجات وصاحبات الحاجة.
من إشكاليات المحليات أنها لا تعلم حجم الجبهة التي تغلقها أولئك النسوة الكادحات، حيث يجمعن العطالى والساخطين على الوضع الاقتصادي على كوب شاي وليس كوب (عرقي)! ويتوجهون من بعد ذلك إلى منازلهم وقد (فرقوا على أنفسهم).. “شتات الشاي” الضعيفات هؤلاء (يفرقن) بفنجان القهوة “المدنكل” على عابري الطريق من الذين ضاقت بهم سبل الحياة، ويكون بنبر “ست الشاي” التي تم “كشها” بصورة تعسفية بمثابة مُهدئ ومنبه، ولا أكون قد بالغت إذا ما قلت إن تلك البنابر أو الكراسي المنتشرة على طول الشارع تقدم خدمات اجتماعية ومزاجية ونفسية بأسعار زهيدة هي قيمة حب الشاي والبن والسكر والزنجبيل والهبهان.
والمؤسف حقاً أن ما يؤخذ خلال “الكشة” التعسفية من (عدة) لـ”ستات الشاي” يصبح ملكاً للمحلية وتقوم ببيعه عبر مزاد علني أو تركنه في حوشها دون أن ترد ولا كباية لصاحبتها! في السابق كانت تقوم “الكشات” التعسفية هذه، لكنها أرحم حيث يطلب منك الحضور إلى المحلية ومن ثم تحذيرك ودفع غرامة لقاء رد بضاعتك أو عِدتك، وكان الناس راضين بهذا الحال.. ما تقوم به المحليات الآن لا يستقيم قانوناً، لأن المصادرة معروف أنها تتم عبر إجراءات قانونية ومحاكم نظام عام، لا بهذه الطريقة، اللهم إلا أذا أرادت المحليات أن تكون الكراسي والبنابر والبوتاجازات وأنابيب الغاز من مواردها على حساب النساء الضعيفات اللائي يخترن سكة الرزق الحلال.
عدد من ولاة الولايات عندما بدأوا كانت أول توجيهاتهم للمحليات بأن يوقفوا أية عملية “كشة” على “ستات الشاي” وبتحذير كمان، وعلى رأس هؤلاء والي ولاية النيل الأبيض د. “عبد الحميد موسى كاشا”، قرار الرجل هذا لم يكن اعتباطاً بل برؤية ثاقبة.
السيد والي الخرطوم لن نقف عند لوم معتمدي المحليات، لأن هذا المسلسل لن يتوقف ما لم تتدخل لتحمي رعاياك ومواطنيك من هذه الإجراءات وهم يسعون لكسب لقمة العيش.. السيد الوالي الأمر يحتاج منك لتدخل عاجل غير آجل، لأن المعتمدين والمديرين التنفيذيين يعتقدون أن في هذه “الكشات” إنجازاً! وكأنما أعمال النظافة وخدمات الرعاية والمياه قد انتهت ملفاتها وتبقى هؤلاء النسوة المغلوبات على أمرهن.. انصرهن السيد الوالي نصرك الله.