الديوان

حاملة المسك والصندل "حواء العبيد" 29 عاماً في سوق بحري

ربت أبناءها وعلمتهم من (العطر) والرزق الحلال
سوق بحري ـ نهلة مجذوب
أجبرتها الظروف للكفاح من أجل الأسرة، قصدت  التجارة كمهنة شريفة كسباً للرزق الذي يساعدها على تربية أبنائها البنين والبنات بعد أن رحل زوجها عن هذه الفانية في العام 1985م، عندها قررت أن تتخذ من سوق بحري مصدراً للرزق الحلال، فتخصصت في بيع  العطور السودانية. منذ ذلك الوقت ظلت تجلس على طاولتها بكل اعتزاز وفخر لتجد احتراماً وتقديراً من الجميع.
سوق بحري في الثمانينيات
(المجهر) زارت الحاجة “حواء العبيد المهدي علي” التي يفوح منها طيب روائح العطور السودانية المعبقة والمعتقة، فهي تعمل في هذه المهنة (بيع العطور) منذ العام 1986م أي لأكثر من 29 عاماً، لم تبرح مكانها قط، ووصفت لنا (سوق بحري) في الثمانينيات بأنه كان عبارة  منطقة شاسعة ليست به سوى بضعة أكشاك وباعة متفرقون هنا وهنا، يبيعون البصل والثوم وبعض الخضروات واللحوم، وقلة من النساء والرجال يبيعون الملابس، ولكنها قررت أن تتاجر في بيع (الريحة) السودانية بعد أن مارست تجارة الصابون المعطر والثياب النسائية وزي الرجال القومي من جلابية وسروال وعراقي وأحذية وأواني، وأضافت قائلة (هسي السوق عِمر) أي تتوفر فيه كل أنواع البضائع.
تستظل فقط بجوالات (الخيش)
“حواء” التي تجلس أمام طبلية على شكل طاولة تتراص فيها قوارير العطور السودانية وجرادل البخور وعبوات الدلكة بطريقة مرتبة ورائحة طيبة، تقول إنها كما فقدت زوجها أيضاً أرادت مشيئة الله أن تفقد ابنها الكبير الذي وافته المنية في العام 1984م وأعانها الله على الصبر  على مصيبتها ومضت بعزيمة قوية لتربية أبنائها الأيتام، وأشارت إلى أن وضع السوق قديماً كان مزرياً مما أدى إلى إصابتها بالتهاب حاد عانت منه كثيراً وشفيت بفضل الله عليها، وذلك جراء ما كانت تتعرض له من أتربة وغبار يأتي من باعة البصل والثوم، ولكنها صمدت وواصلت البقاء في حر الشمس بدون دكان ولا حتى كشك ولا مظلة آمنة، وظلت تستظل فقط بجوالات (الخيش) والمشمعات.
(خمرة الضفرة) والصندل والمسك
تؤكد أن عطورها السودانية لها قيمتها لدى النساء، وتغير الزمان والغلاء الفاحش له أثره على كل شيء، وهي تتقن عمل (خمرة الضفرة والصندل والمسك) وبخور(الصندل والحطب) وزيت الكركار للشعر وغيرها من مستلزمات الأعراس و(النفاس) وختان الأولاد، وأضافت أن زبائنها معتمدون ولسنوات طوال لجودة وإتقان عملها، وإذا لم يجدوها يذهبوا ويعودوا لها مرة أخرى، مبينة أن أسعارها تبدأ من 10 جنيهات.
كسبت احترام وتقدير الجميع
وتواصل الحاجة “حواء” حديثها لـ(المجهر) لتقول إنها أمية لم تتعلم القراءة ولا الكتابة، فقط كانت تدرس الخلوة في صغرها، وحكت أن شيخ تعليم القرآن الكريم بعد أن ينتهي من دراستهن مع قريناتها كانت تأتي للعمل بالسوق، كما تؤكد على أنها حافظت على معاملتها الطيبة مع زملائها في السوق، تلزم الصمت ولا تتدخل في شؤون لا تخصها، لذا كسبت احترام وتقدير الجميع، وذكرت أنه الآن تعامل معاملة خاصة من أفراد المحلية وتجار السوق، حيث لا تأتيها (الكشات) ولم يعترض مكانها أحد طيلة الـ(29) عاماً، وزادت قائلة: (ناس الكشة ما بيجوني عارفني في حالي)، مبينة أن كثيرين من النساء والرجال معها في السوق يتبادلون الاحترام.
تشكر الرئيس “البشير”
وفي حديثها عن المكان الذي تسكن فيه الآن، أوضحت أن السيد رئيس الجمهورية “عمر البشير” مشكور منحها قطعة أرض سكنية بمنطقة “الحاج يوسف” تقيم فيها مع أسرتها بعد معاناة عاشتها عند استخراجها، كما أن المعتمد السابق “عبد القادر محمد زين” له الفضل في تسهيل دراسة أبنائها.
 وتقول الحاجة “حواء” إنها راضية عن حياتها التي قضتها في السوق كبائعة (ريحة) ربت منها أولادها وبناتها الأيتام، ومنها دخلوا المدارس والتحقوا بالجامعات وتخرجوا وتوظفوا وتزوجوا، وعمرها ناهز الـ(67) وما تزال تعمل بالسوق وتسترزق منه.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية