رأي

النشوف اخرتا

حزب التكنولوجيا
سعد الدين ابراهيم
قال المفكر السوري “جورج طرابيشي” : هذا جيل أسقط (الأيديولوجية) بواسطة التكنولوجيا .. أنظمتنا التي سقطت أو التي قيد السقوط قامت على أدلجة مخيفة للمجتمعات إيديولوجيا ثابتة غير قابلة للتحول .. الشباب قاطع هذه الأيديولوجيا ولا يملك خلفيات أيديولوجية هو انطلق من التكنولوجيا.
(المصدر مجلة العربي الكويتية العدد 659 أكتوبر 2013 باب قالوا)
صحيح ما جاء به المفكر السوري .. وهذه في ظني المشكلة .. عبر التكنولوجيا قاد الشباب ثورتهم .. والقطيعة بينهم وبين الأيديولوجيا جعلتهم يعتمدون على الخبرة التكنولوجية بدليل استمرارهم في جعلها قناة تواصلهم الأولى .. لذلك في مصر استفادت الايدولوجيا المتمثلة في (الإخوان المسلمين) بأن تركب على ظهر الانجاز التكنولوجي وتدخل منطقة الثورة بعد أن تأكد نجاحها .. ومن ثم اعتمدت على الديمقراطية التي اعتمدت على الأيديولوجيا لم تحفل بالمجد التكنولوجي الذي أقره الشباب .. التعارض بين التكنولوجي والأيديولوجي جعل الشباب يشعرون بأن ثورتهم سُرقت فعبر التكنولوجيا ومرة ثانية أطاحوا بمرسي ورهطه لم يقفوا مع الشرعية الديمقراطية في حين وقفوا مع الشرعية السياسية .. التي تبناها الجيش المصري فهي أقرب إلى وجدان شباب التكنولوجيا، لأنها لا تحمل أطراً أيديولوجية لا يفهمونها ولا يتصالحون معها .. إذن فماهو بديل الأيديولوجيات الذي يطمح إليه الشباب ..؟ كيف يقوم نشاط سياسي على الحراك التكنولوجي الذي أثبت إنه قادر على الحشد وقادر على الثورة لكن ليس لديه بدائل جاهزة .. إنه في طور ابتكار فكريات وأنشطة جديدة تخرج بالسياسة من نطاقها التقليدي .. بديل الأيديولوجيات في ظني هو الأفكار الجديدة .. تلاحظ أن المثقفين في مصر والذين نشطوا في تبني ثورة التكنولوجيا لا ينطلقون من أيديولوجيات محددة بعضهم لا منتمِ.. وبعضهم بلا حزب سياسي ومعظمهم يتبنون أفكاراً فنية وأدبية أكثر منها سياسية وأيديولوجية.
الملاحظ أن الكيانات التي صنعت الثورة حتى إن انتمت تنتمي إلى منظمات مجتمع مدني غير الأحزاب .. مجموعة كفاية .. شباب الثورة وعلى غرارهم قامت جماعات مماثلة في السودان.
حتى جماعة (نفير) التي قامت كجماعة خيرية لدرء آثار السيول وتداعيات الخريف.. حاولوا تسييسها بوصمها بأنها واجهة للحزب الشيوعي، وحقيقة إن الشباب الشيوعي الحديث لا يتبنى أيديولوجيات الحزب المعروفة من الاتكاء على الفلسفة الماركسية وديكتاتورية البروليتاريا، لذلك فهم أبناء التكنولوجيا أكثر من كونهم أبناء الحزب الشيوعي، وأيضاً يعتمدون على أفكار فنية وأدبية وثقافية أكثر منها سياسية.. أيديولوجية مؤطرة بأيديولوجية واضحة ومعروفة.
لاحظ إن الحكومة إبان احتجاجات سبتمبر انتبهت إلى ذلك فحاولت تعطيل النشاط التكنولوجي .. وتحاول أن تدخل المنظومة التكنولوجية أكثر من اهتمامها لقوى المعارضة السياسية ذات الأيديولوجيات الواضحة هي لا تخشى مواجهة الأيديولوجية بمثلها .. لكنها لا تملك أن تحدد توجهات التكنولوجيين من الشباب ولا تستطيع اختراقهم لأن بعض شبابهم أيضاً ينتمون إلى التكنولوجيا ولا يحفلون بحظهم الأيديولوجي.
إنها ثورة تحدٍ للسياسيين كلهم حكومة ومعارضة .

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية