حالة "متلازمة داون".. تكسر حاجز المستحيل
وتفتح ذراعاها للمرحلة الجامعية بعد إحرازها (70%) في امتحان الشهادة
المجهر – ميعاد مبارك
“أعالي” على المسمى، رغم إصابتها بـ”متلازمة داون” التي يطلق عليها العامة لفظة “منقولي”، إلا أنها تستعد اليوم كما أقرانها الأصحاء لدخول الجامعة، بعد نجاحها في امتحانات الشهادة السودانية بإحرازها نسبة 70%، والذي كلله وتوجه قبولها بكلية “الفنون الجميلة والتطبيقية” جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا. كانت لـ(المجهر) هذه الوقفة مع تجربة “أعالي” وأسرتها وهذا الإنجاز الذي يعد من الندرة بمكان، فـ”أعالي” من القلة القليلة التي استطاعت الخروج من القوقعة التي يضع فيها المجتمع “أطفال متلازمة داون” إلى رحابة منارات العلم والمعرفة… فإلى التفاصيل.
امتحان الشهادة سهل وأحب الرسم
حينما إلتقيتها وجدت آنسة مهندمة تكلل بالحجاب رأسها في اهتمام بالغ، أخبرتني أن أسمها “أعالي هشام آدم مهدي”، واصفة امتحان الشهادة بالسهل، وأضافت (جبت نسبة “70%”وقبلوني في كلية الفنون الجميلة)، معربة عن سعادتها بالولوج إلى كلية الفنون، حيث إنها من محبي الرسم والتلوين.
أحرزت في المرحلة الابتدائية (174)
أخبرتنا مدرستها “مريم يحيى إسحاق” أنها بدأت بتدريسها في الصف الخامس، حيث كانت “أعالي” تدرس بداية الأمر في مدارس المجلس الأفريقي مع ابنة خالتها وكانت ترافقها مدرسة أخرى، ومن ثم بدأت أنا بتدريسها في الإجازات، ومن ثم تفرغت لها بناء على طلب والدتها، التي أسست منظمة أسمتها “منظمة أعالي الخيرية لذوي الاحتياجات الخاصة، بالأخص الإعاقات الذهنية”، وتهتم الجمعية بعدة مناشط أبرزها دمج ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع والمدارس، ومن الصف السادس تفرغت لها، وصرت أرافقها بصورة دائمة وأداوم معها في مدرستها وأذاكر معها الدروس أولاً بأول وأكتب ملاحظات لأفراد أسرتها الذين يقومون بالمراجعة معها في المنزل، نقلناها لتمتحن الشهادة الابتدائية فيما بعد بمدارس “سلمى الرضا المتكاملة” لذوي الاحتياجات الخاصة، وبحمد الله نجحت في الابتدائية، وأحرزت مجموع (174).
امتحنت المساق الفني
واصلت أستاذه “مريم” حديثها قائلة: (بعدها بدأت دراستها بمدرسة ثانوية حرفية اسمها “سلمى النعمة” كانوا متعاونين جداً وتقبلونا بروح طيبة، إلا أن الماء في المدرسة سبب لأعالي المرض – أطفال متلازمة داون معدتهم حساسة قليلاً-خافت عليها والدتها وأعادتها لمدرسة “سلمى الرضا المتكاملة”، وهنالك درست في الفصل الحرفي، ولعدم توفر امتحان الشهادة الثانوية بمدرستها، عادت لتمتحن الشهادة من مدرسة “سلمى النعمة” والتي أغلب طلابها من ذوي الإعاقة الحركية. وامتحان الشهادة الحرفي مكون من (لغة عربية، تربية إسلامية، والتخصص في واحد من التخصصات “رسم هندسي” أو “منسوجات جلدية”، “كهرباء”، “أعمال يدوية”، “حاسوب”)، واختارت “أعالي” الحاسوب، وبحمد الله جاءت النتيجة مشرفة بعد إحرازها (70%) في امتحان الشهادة المساق الفني.
أسرة “أعالي” قدمت لها الدعم والحب
ختمت مُدرسة “أعالي” حديثها بالثناء على أسرة “أعالي” التي تعاملت مع هبة الله بحب واحترام وسعوا لدمجها في المجتمع، اجتهدوا معها وذاكروا درس اليوم باليوم. والدتها السيدة “نرجس” ووالدها السيد “هشام آدم مهدي” وأخوتها وأخواتها كانوا جميعاً يشدون من أزرها ويخرجونها للمجتمع بكل فخر، وحب وبذلوا جهداً كبيراً لتكمل تعليمها وها هي تكلل مجهوداتهم بالنسبة المشرفة والقبول بـ”كلية الفنون الجميلة والتطبيقية”.
اندمجت مع زملائها
حدثتنا الأستاذة “مريم” عن تجربة “أعالي” في الاندماج مع الطلاب في المدارس العادية، وعن مدى تفاعلها معهم، وأخبرتنا أنه كان لـ”أعالي” أصدقاء من الطلاب الأصحاء، وكانوا يتناولون معاً وجبة الإفطار في فسحة المدرسة ويلعبون سوياً وكانت لهم مواضيع مشتركة، وأضافت ضاحكة: (كانت أحياناً تخوض بعض الشجارات، ويأتي بعض الأطفال يشكونها لي)، مؤكدة أن الدمج يساعد كثيراً في رفع سقف قدرات أطفال (متلازمة داون) وكل الحالات الخاصة، فكلما واجهت مواقف تعلموا منها، وأضافت أنه حتى في المدارس المتخصصة في الحالات الخاصة تجد الأطفال رغم اختلاف حالاتهم قادرون على خلق لغة مشتركة، ويتعلمون من بعضهم البعض الحركات والتصرفات والأشياء الجديدة، تجد الفتيات مندمجات يتعلمن الأغاني من بعضهن البعض ويرددنها، والصبيان منسجمين ومنشرحين، بنططوا ويلعبوا.
نصيحة لأهالي أطفال (متلازمة داون)
بعد إشادتها بأسرة “أعالي” بذلت أستاذة “سوسن” النصح للأسر التي وهبها الله أطفال ذوي احتياجات خاصة قائلة (المفروض لمن طفلك دا يطلع للحياة تتقبل وتستجيب، الله أداك ليه نعمة، ممكن يقري قرايته، ويندمج في المجتمع، ساعدوهم يفهموا حاجة في الحياة نوروهم، حيكونوا مبسوطين وانتو كمان حتنبسطوا، والمجتمع حيتقبلهم ويحبهم).