الديوان

في العصرية شفع جارية لي ألعابا…والشاي في المغارب ذكريات وصبابة…

الخرطوم – هبة محمود
(1)
ذهب “محمد” بخياله بعيداً، مسترجعاً مشهد الشمس وهي تحزم أمتعتها إيذاناً بالرحيل، بينما يظل يركض هو وأقرانه في محاولة منهم للاستحواذ على الكرة وإحراز هدف في مرمى الفريق  الخصم، وسط جو من التصفيق الحار والهتاف من مشجعي الحي، الذين التفوا حول الميدان الذي يقع قبالة منزلهم، وعلى مقربة من الباب يجلس جده يرقبهم بعين لاحظه وبأخرى يرقب مجيء بائع اللبن. 
ذكريات ومشاهد أعادت “محمد” إلى أيام بعيدة وتحديداً وقت العصرية التي ارتبطت في ذهنه بعبق خاص، ويبدي حسرته عليها بعد أن حرمته ارتباطات العمل من الاستمتاع بهذه الفترة التي طالما شكلت كثيراً من وجدانه في فترة من فترات حياته، سيما أنها كانت وقتاً لتجاذب أطراف الحديث مع أفراد أسرته حول مائدة الغداء والوقوف على أهم ملامح يومهم، قبل أن ينفض مجلس الأسرة ويذهب والده للاسترخاء بعد تناوله وجبة الغداء، بينما تمددت والدته في انتظار بائع اللبن.
(2)
 ورغم أن (وقت العصرية) يعتبر وقتاً للاسترخاء والقيلولة وراحة الجسد والبال من عناء يوم طويل، إلا أن كثيراً منا يعاوده الحنين إلى الاستمتاع بتفاصيلها، مثل “محمد”، ونظل نسترجع مشاهدها التي ارتبطت في أذهاننا بصينية الغداء وتناول التحلية التي تعقبها صينية  شاي العصر، ورش الحوش والشارع معاً….الخ، من مشاهد، أصبح عصياً الاستمتاع بتفاصيلها، بسبب تغير الوقت والتطور التكنولوجي وكثرة الارتباطات وانشغال أفراد الأسرة، وهذه الفترة تمثل للطالبة “نهى علي” التي استرجعت مع (المجهر) تلك اللحظات التي وصفتها بـ(لمة) الناس الحنان، في وقت العصرية الممزوجة بريحة (قلية) البن التي تشرف عليها جدتها، وهي تشعل بجوارها بخور (التيمان)، بينما يداعب جدها أحفاده الصغار، تقول “نهى”: تلك اللحظات ناهيك عن أنها صلة رحم، إلا أننا كنا نغذي بها رابطة دمنا ونقوي بها أواصر العلائق فيما بيننا، وتضيف: كنا نتعرف على هموم ومشاكل بعضنا ونتفاكر لتذليل الصعاب وحلها، ولكن يا حليل الزمن ده فقد اندثر وأصبح مافي وكل زول مشغول بي حالو.
(3)
وبحسرة امتزجت بحنين لأوقات خلت، تمنت “عبير الأمير” (موظفة) لو أنها استرجعت أوقات الاستمتاع بفترة العصر و(لمة) الأهل والتفاكر في أحوال البعض وتفقدها، إلا أن تغير الزمن وغزو وسائل التكنولوجيا سلبتها الاستمتاع بهذه الفترة الغائبة من يومها – بحد قولها، – وأعربت عن أسفها لسرعة الإيقاع الزمني الذي جعل كل شخص مشغولاً بضرورة إنهاء أعماله.
أما “شادية محمد إبراهيم” (ربة منزل) فقد أبدت أسفها على أوقات امتزجت بحنين و(لمة) الأهل في ساعة العصرية، مشيرة إلى اختلاف الأزمنة التي جعلت كل شخص منشغلاً بأحواله، ولفتت إلى أن (الونسة) في ذلك الوقت كانت ذات نكهة خاصة والجميع متحلقون حول مائدة الغداء، أما الآن فكل زول “خلا بي موبايل” بحد تعبيرها.
(4)
أرجعت الباحثة الاجتماعية “ثريا إبراهيم”، في حديثها لـ(المجهر) إلى أن كثرة الحراك والتكنولوجيا وخروج المرأة إلى العمل كلها عوامل أدت لضياع هذه الفترة المهمة من الوقت، مشيرة إلى أنها فترة مهمة للاستجمام والراحة والتقاء الأسرة والتفاكر في أحوال بعضهم ،لا بد منها، وقالت: لابد للأسرة من خلق جو اجتماعي والجلوس مع بعضها بصورة يومية، أو يوم بعد يوم على الأقل ،بدلاً من التواصل الاسفيري، وأضافت : وقت العصر تنبع أهميته من كونه وقت التقاء لمعرفة أخبار بعضنا، ونبعد عن وسائل التواصل الاجتماعي لان الحوار بين أفراد الأسرة مهم ،حتى لا يصابوا بالخرس الأسري.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية