"سارة جاد الله".. رحلة السباحة والفن في زورق واحد
يُقال أن الحاجة أم الاختراع، وحاجة سارة “جاد الله” للمشي دفعت بها إلى بلوغ العالمية في السباحة. والطفلة الصغيرة لم تكن تتصور أن الحمى الشديدة التي أصابتها وهي في الثانية من عمرها وتسببت لها في شلل برجليها ستأخذها إلى الشهرة، فبعد أن نصحها الأطباء بضرورة السباحة التي سوف تساعدها على الحركة، دأبت “سارة” على التمارين والتدريبات في حوض سباحة منزلي، ثم انتقلت تدريجياً إلى الأندية قبل أن (تنزل) إلى نهر النيل العظيم، ثم تنطلق مسيرتها الباهرة.
و”سارة” ليست سباحة فحسب، بل مخرجة سينمائية ذهبت في هذا الطريق (بعد أن درست السينما) على خطى والدها الأُستاذ “جاد الله جبارة” الذي لم يكن فقط أول مصور وثقَّ لحظة الاستقلال، لكنه كان مخرجاً فذاً ومبادراً في صناعة الأفلام ورائداً من رواد السينما السودانية، وهو أول من شجعها وشد من أزرها للذهاب في هذا الاتجاه.
سبعة صنايع
و”جاد الله” إلى جانب كل ذلك كان أول من أنتج (فيديو كليب) على مستوى أفريقيا والوطن العربي، بحسب “سارة”، التي مضت قائلة: ولعب كرة القدم ودرب الحارس “سبت دودو” ومارس السباحة والملاكمة، وكان روائياً ووثائقياً، وأبرز رواياته (بركة الشيخ) و(تاجوج)، وأضافت “سارة”: رغم فقده نعمة البصر، إلا انه استطاع كتابة سيناريو فيلم (البؤساء) الذي قامت هي بإخراجه.
(الشلباية).. فلاش باك
ولدت (سارة) بحلة حمد في مدينة بحري، وابتدرت رحلتها مع السباحة وهي في الثانية من عمرها، نتيجة لمرضها كما أشرنا آنفاً. مارست “سارة” السباحة في دار التقانة، وتدربت على يدي”بيومي محمد سالم”، وشيئاً فشيئاً بدأت مشاركتها في البطولات، إلى أن حازت على بطولة الجمهورية للسباحة (تسع عشرة مرة متتالية)، ولم يسبقها أحد على هذا الإنجاز عدا السباح الشهير “سلطان كيجاب”، وكانت تلقب بـ(الشلباية)، وتعتبر (كابري نابولي) أهم مشاركاتها الخارجية، رغم أنها شاركت في مسابقات عالمية كثيرة في كل من نيروبي وبكين وانجلترا، ورفعت علم السودان عالياً في كثير من المحافل الدولية.
وفي السياق شهد لها الرئيس الأسبق “نميري” سباقين، أحدهما في منطقة “ود نميري” والآخر في دنقلا وكان بمناسبة عيد الاستقلال، حيثُ شارك فيه كل من (علي العتباني، ممدوح مصطفي، سميرة عبد الكريم، سليم سليمان، جون ماشيك، كيجاب، وماجد طلعت)، وانتهى السباق بإحراز “ممدوح” للمركز الأول وجاء “ماجد” في الثاني، و”علي العتباني” الثالث، بينما أحرزت “سارة” المركز الرابع.
سارة تبتلع كيجاب
(كادت سارة أن تبتلع كيجاب) (مانشيت) تصدر إحدى الصحف، تقول “سارة” معلقة عليه: حدث ذلك في (أم سنط )عندما نزل الجميع وتأخر عنا “كيجاب” لخمس دقائق، ثم حاول اللحاق بنا وهو لا يفتأ يسأل عني إلى نهاية السباق الذي حاز فيه على المركز الأول، وحزت أنا على الثاني، وهي ذات نتيجة سباق دنقلا، ومنحني الرئيس نميري جائزتين، الأولى كأس لإحرازي المركز الثاني، والثانية جائزة مالية لأنني أتقنت وأجدت السباحة.
عراقيل في طريق السباحة
وفي مقاربتها لواقع منشط السباحة قديماً، بالذي تشهده الساحة الآن، قالت “سارة” إن الوزارة اهتمت بأمره منذ أمد بعيد والمناشط قائمة ومفعَّلة، وازداد عدد الملاعب والمسابح، لكن بعد كل ذلك أُصيب المنشط بالركود، لكن هنالك مساعٍ لإنعاشه مجدداً، واستطردت: من جانبنا كاتحاد بدأنا تسجيل الأندية لتكون متاحة للجميع سيما، وإن هنالك خامات تمتلك مهارات كبيرة. وثمنَّت دور السباحة وأهميتها وإمكانية ممارستها في كل الأعمار، وأكدت أنها ما زالت تمارسها ويشاركها أولادها في كثير من الأحيان، واعتبرت “سارة” السباحين الجدد كأولادها تماماً، كما تطرقت إلى الجانب الفني وأوضحت أن ليس هنالك جديد في هذا الصدد.
لست أول من درس السينما ولا أول سباحة
نفت “سارة جاد الله” ما يتردد حول أنها أول سودانية تدرس السينما، وإنما هي السيدة “حورية حاكم” التي درست بالمعهد العالي للسينما، وأضافت: يمكنني القول إنني أول مخرجة سودانية، وكشفت عن أنها ليست أول سباحة سودانية بقولها (لست الأولى ولكنني الأشهر)، فقد سبقتني كل من “سهام سمير، هدى حمدي، ومنى كرار”،
إلى ذلك يٌشار إلى أن “سارة جاد الله” تعمل الآن مدرباً وسكرتيراً لنادي السباحة، ولديها استديو خاص للإنتاج التلفزيوني. كما خاضت تجربة التمثيل من خلال فيلم ألفه وأنتجه والدها، وثقَّ فيه لسيرتها الذاتية عنوانه (فيفا سارة)، اشترته لاحقاً شركة ايطالية، وأعادت إنتاجه شركة من جنوب إفريقيا بنفس تفاصيل سيرتها بعنوان (ووتر بيبي)، هذا فضلاً عن إخراجها لفيلم (البؤساء) من إنتاج “جاد الله جبارة” ومثَّل فيه عدد من كبار الممثلين من بينهم “جمال حسن سعيد”.