شهادتي لله

"حلايب" والسد.. تسخين خاسر!

{ كلما عاودت أجهزة الإعلام المصرية تسخين ملف “حلايب” وإعلاء قيمة المثلث الصحراوي الفقير على شاشات الفضائيات المصرية، تملكتني الحيرة والدهشة!
{ تترك الفضائيات المصرية كل المدن والأرياف المصرية الضاجة بالحركة والمأهولة بملايين البشر، فترسل كاميراتها إلى “حلايب” و”شلاتين” اللتين يقطنهما بضعة (ألوف) من قبائل رعوية سودانية.. ملامح.. وملابس ولكنة!!
{ في رأيي أن المخابرات العامة المصرية مؤسسة استخباراتية محترمة، بقدرات وإمكانيات بشرية وعلمية وتقنية عالية، هي المخابرات العربية الوحيدة التي زرعت الجواسيس في قلب الكيان الصهيوني من ستينيات وسبعينيات القرن المنصرم من لدن البطل “رأفت الهجان” وإلى أصغر (عنصر) يعمل الآن في السفارة المصرية بـ”تل أبيب”.
{ ولهذا تبدو هالة الاهتمام الزائد بـ”حلايب” و”شلاتين” في (الميديا) المصرية مدعاة للسخرية والاستهزاء، ولا تعليق غير أنها لعبة مكشوفة.
{ الأدهى والأمرّ أن يقدم الإعلام المصري صحفيين جهلة بالسودان ليتحدثوا على أثير القنوات، مثلما فعل نائب رئيس تحرير جريدة (الوفد) قبل ثلاثة أيام على شاشة (الحياة) أو (النهار).. لا أذكر.. فقال: (هم إثيوبيا أخدت منهم يجي (مليون فدان) في منطقة اسمها “الفشقة”) ونطق “الفشقة” بطريقة تجبرك على الضحك بهستيريا!
{ أنا أعلم جيداً أن هذا المقال سيُقرأ بعناية واهتمام هناك في “القاهرة”، أكثر من “الخرطوم”، ليس لأنني كاتب مهم ومفكر كما وصفتني (وكالة أنباء الشرق الأوسط) الوكالة الرسمية للدولة المصرية- لمراسلها في السودان التحية والتقدير- ونقلت المقال ووصف كاتبه معظم الصحف المصرية عن الوكالة العام الماضي، فشخصي الضعيف لا مهم ولا حاجة، وليس هناك رجال مهمون الآن في السودان للأسف الشديد بل رجال محبطون، ولكن منبع الاهتمام المصري أنني أقول وأردد أن (مصر عندنا خط أحمر).
{ وأكررها اليوم أيضاً: مصر خط أحمر عند غالبية السودانيين، واحسبوا ببساطة (كم) رحلة طيران في اليوم تربط الخرطوم بالقاهرة؟! وكم رحلة تصل الخرطوم بـ”أديس أبابا” أو “أنجمينا” أو “أسمرا” أو حتى “دبي”؟!
{ كم سوداني يقيم منذ عقود في القاهرة وإسكندرية وأسوان وكأنه في السودان؟!
كم سوداني من المغتربين أو غيرهم من رجال المال والأعمال السودانيين يمتلك شقة أو فيلا في “المهندسين” و”الدقي” و”فيصل” و”الهرم” و”العجوزة” و”المقطم” و”الرحاب” و”أكتوبر” وحتى “إمبابة”؟!
{ لو رصدت مصلحة الأراضي المصرية العدد لهالكم أن الآلاف من الطبقة الوسطى في السودان يمتلكون شققاً في القاهرة!
{ كم ألف سوداني يتلقى علاجه في “القاهرة” كل شهر؟! كم ألف سوداني درس في “الزقازيق” و”عين شمس” و”إسكندرية” و”الأزهر الشريف” و”القاهرة الأم” و”القاهرة الفرع” منذ ثلاثينيات القرن المنصرم؟!
{ رئيسان حكما “مصر”، من أصول ودماء سودانية (اللواء “محمد نجيب” والرئيس “محمد أنور السادات”)، والرئيس الثالث عمل ضابطاً في السودان الزعيم “جمال عبد الناصر حسين”.
{ جدول الحساب في العلاقات التاريخية بين السودان ومصر يصعب حفظ حاصل ضرب أرقامه، ولهذا يصبح من العبث بمكان أن تجعل (الميديا) المصرية- بأمر المخابرات طبعاً- من “حلايب” مدينة في وزنها الاقتصادي والسياحي والسياسي في مقام “شرم الشيخ”!!
{ ودعوني أسأل القائمين على أمر الملف السوداني في الدولة المصرية: هل تسخين قضية “حلايب” كما حدث مؤخراً في التغطية الإعلامية المكثفة للانتخابات البرلمانية المصرية في المثلث (الصحراوي) سيغير شيئاً من واقع الحال ومشروع البناء المستمر لسد “النهضة” الإثيوبي؟!
{ ما دور السودان ودخله في بناء السد الإثيوبي؟! هب أن حكومة السودان رفضت بقوة بناء السد، هل سيغير ذلك من الأمر شيئاً؟!
{
“إثيوبيا” تمضي غير آبهة وعابئة بموقف السودان أو مصر، وغير مكترثة لما تقرره المكاتب الاستشارية الدولية التي اختارتها الدول الثلاث لتقييم المشروع وتحديد أضراره على دولتي المصب (السودان ومصر). والدليل أن البناء لم يتوقف يوماً، بل يزعم خبراء سودانيون مخالفون لرؤية وزارة الري السودانية من بينهم الوزير الأسبق، أن نهر النيل لم يشهد فيضاناً هذا العام في السودان تأثراً بالإنشاءات وتغيير مجرى النهر في منطقة السد الإثيوبي الأعظم!!
{ ويبدو لي أن الإثيوبيين يعملون في كل مشروعاتهم وحتى تمددهم على (30) ألف فدان سوداني، وليس (مليون) كما قالها نائب رئيس تحرير (الوفد) الذي أظن أنه لا يعرف هل إثيوبيا شرق السودان أم غربه، يعملون بالمثل السوداني الشهير: (الكلب ينبح والجمل ماشي)!
{ لو كانت لأجهزة الدولة المصرية أي مخططات دبلوماسية ومخابراتية واقتصادية مع جهات دولية نافذة لإيقاف اكتمال مشروع سد النهضة، فلتفعل، ولكن السودان في رأيي لا يستطيع أن يوقف بناء (سنتيمتر) واحد من هذا السد الذي ثبت أخيراً أنه مضر بالسودان وشعبه وإن رأت وزارتنا غير ذلك.
{ رجاءً.. أشقاؤنا في مصر.. اتركوا هذه (المسرحيات) والأعمال غير المفيدة على خشبة “حلايب” و”شلاتين”، فغير أن تستعدوا عامة الشعب السوداني، لن تكسبوا، والملفان (حلايب.. والسد) مختلفان، تماماً كما قال سفيرنا في مصر “عبد المحمود عبد الحليم”.
{ مصر.. بعد السودان.. خط أحمر.. وفضوها سيرة.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية