التقييم أم التقويم
تنعقد هذه الأيام مؤتمرات لتقييم تجربة الحكم الاتحادي في كل الولايات السودانية غير المتحدة ،وسط تعتيم إعلامي شامل لمضمون تلك المؤتمرات وتوصياتها لشيء في نفس الحكومة المركزية ، التي تتربص بالحكم الاتحادي من خلال تيار متنفذ في السلطة ،ويملك بيده الإعلام والمال وكل أدوات الصراع الصامت، ومقابل ذلك أصحاب الحق الأصيل من سكان الولايات الطامحين في تقويم تجربة الحكم الاتحادي و(إنزال) مزيد من السلطات والصلاحيات من المركز الكبير إلى مركز الولاية.. وإنزال السلطات من الولايات إلى المحليات، وما بين الرؤيتين ينتظر مؤتمر الحكم اللا مركزي الذي حدد له نوفمبر القادم أن يقول كلمته في التجربة الحالية، ولكن السؤال الذي لا يجيب عليه إلا الدكتور “فيصل حسن إبراهيم” أخصائي نظام الحكم القادم.. ومن أقدار الحكم الاتحادي المكتوبة أن أنتدب له الأطباء لعلاج أمراضه الإدارية، وإذا كان د.”علي الحاج” أخصائي النساء والتوليد الشهير قد تولى في النصف الأول لتسعينيات القرن (التنظير) لتجربة الحكم اللا مركزي، فقد أسندت مهمة التقويم والتقييم الحالية لطبيب آخر هو “فيصل حسن إبراهيم” الذي تخصص في طب الحيوان، لكنه الآن يعالج أمراض نظام حكم الإنسان.
السؤال هو.. هل مقررات مؤتمر الحكم اللا مركزي الموسوم بالمؤتمر القومي تعلوا على توصيات مؤتمر الحوار الوطني؟؟ أم توصيات ومقررات المؤتمر القومي للحكم اللا مركزي تذهب من بعد صدورها إلى ساحة الأحزاب التي تناطح بعضها البعض بحثاً عن مواطئ أقدام في السلطة تراها قريبة؟؟ وما الذي يجعل مؤتمر الحوار الوطني يعلوا على المؤتمر المتخصص؟؟ وهل للأحزاب السياسية من غير المؤتمر الوطني رؤية حول نظام الحكم اللا مركزي؟؟ وهل عضوية مؤتمر الحكم اللامركزي تتسع للأحزاب والجماعات السياسية أم حصرياً على موظفي الحكومة وأعضاء البرلمان والولايات السودانية غير المتحدة؟؟
الرؤية المركزية التي تسعى جهات نافذة جداً وقادرة على فعل كل شيء رؤية تجريمية لنظام الحكم المركزي الحالي، وذلك بعد أن جردت إنسان الولايات من حق حكم نفسه، وجعلت اختيار الولاة من سلطات الرئيس المنتخب، وتم القبول بهذه الخطوة باعتبارها مؤقتة عند البعض، واعتبارها أصيلية عند البعض الآخر بافتراض إن منصب الوالي نفسه جزءً من الجهاز التنفيذي الذي يفترض أن يعينه الرئيس لإنفاذ برنامجه الانتخابي، كما هو الحال في دولة تركيا.. فإن رؤية بعض المتنفذين تمضي باتجاه تجريد الحكم الاتحادي من كل مضمون وجعله هيكلاً فارغ المحتوى.. يسن قوانين للأراضي والمعادن والثروات تجعل أراضي الولايات ملكاً للمركز بزعم أن المركز يحسن إدارتها، وينأى بها من الصراعات ويستطيع أن يعرض الأراضي الزراعية للمستثمرين الأجانب والوطنيين لاستزراعها، وبذلك يتم التحكم والسيطرة على الأرض والموارد ويصبح إنسان الولايات عبارة عن رعايا في دولة الأبوة المركزية التي تطعم الولايات من الجوع ولا توفر لها مطلوبات العيش الكريم إلا بالقدر الذي يجعلها تبقى على قيد الحياة.
وهذه الرؤية تذهب أبعد من ذلك بخفض نسبة ميزانية الحكم الاتحادي لتصبح (75%) من ميزانية الدولة للمركز و(25%) للولايات وبذلك يتم إفقار الولايات وإيقاف التنمية التي تشهدها البعض بسبب الاستقرار..
وهذه الرؤية تبدوا هي الغالبة الآن لما تملكه الجهات التي (تتبناها) من مقدرات على استقطاب القوى الأخرى التي تنطلق من فرضية نتحدث عنها غداً.. ولكن عملية الرؤية المركزية تستطيع أن تجذب لجلستها مشجعين وداعمين لأنها هي القوى التي (تعين) وتفصل وتقرب وتبعد من رحمة السلطة.. وبذلك تملك من أدوات الصراع ما لا تملكه القوى المتمسكة بحقوق الإنسان مهدور الإمكانيات المعروف بإنسان الولايات؟؟
نواصل غداً..