البرلماني والفنان والمعلم "محمد ميرغني" في حوار مختلف مع (المجهر)
{ “الترابي” سبب الأزمات التي تمر بها البلاد.. والكرة في ملعب الرئيس
{ مؤتمر الحوار الوطني فرصة أخيرة للسودان.. وهذه رسائلي لـ”الصادق المهدي” و”الميرغني”
{ لا تعجبني حركة الشباب الحالي.. وهناك إهمال وتقصير كبير
{ دخلت المجلس الوطني بقناعتي بعد مباركة مولانا “الحسن” ولم أعط فرصة حتى الآن
حوار – محمد إبراهيم الحاج
يعرفه الناس كفنان استطاع أن يضع بصماته الواضحة في خارطة الغناء السوداني، وملهم للكثيرين عبر أغنياته التي كتب لها الخلود بألحانه الشجية وصوته المحتشد بالرقة، والأستاذ “محمد ميرغني” الذي عمل معلماً لمدة تزيد عن الأربعين عاماً، يملك رؤية سياسية واضحة تجاه كثير من القضايا التي تمسك بخاصرة البلد، ولديه قدرات إضافية على تحليل الأوضاع وتشريحها مما جعلته يقف في منطقة قريبة من صنع القرار في الحزب (الاتحادي الديمقراطي الأصل) بخلفيته الختمية، ربما هو ما قاد مكتب الحزب لترشيحه ليكون أحد ممثليه في المجلس الوطني في دورته الأخيرة.
البرلماني والفنان ولاعب الكرة السابق والمعلم “محمد ميرغني” التقته (المجهر) في حوار مختلف حول كثير من قضايا الراهن السياسي بالبلاد، وبجرأته التي يعرفه بها المشتغلون في الساحة الفنية رد “ميرغني” على كثير من التساؤلات.
{ ما بين رقة الفن وقدسية المعلم.. ما الذي اضطرك للدخول إلى ميكافيلية السياسة؟
– المعلم صاحب رسالة ولديه قضية رسالية وأخلاقية، والفنان يقف في ذات الموضع في رسالة الفن والأخلاق ويعبر عن طموحات الأمة والتزامه تجاهها.. والسياسة هي اللعبة القذرة وأنا لا أحب السياسة فعلاً لان عدو اليوم صديق الغد والشواهد أمامنا متعددة، فهنالك أشخاص تم تهديدهم بالموت وقطع الرؤوس ولكنهم يبتسمون في وجوههم بعد ذلك.. ومن جانب آخر تحتوي على أشياء جميلة إذا اهتمت بالإبداع عند الناس.
{ لماذا إذاً دخلت إلى عالم السياسة؟
– والله أنا كمعلم لدي قضية تجاه الشباب… وأنا ملتصق كثيراً بهم من خلال الأندية والشارع وغيرها.. وحقيقة لا تعجبني حركة الشباب الحالي في السودان ولست مرتاحاً لها.. ونحن عندما كنا في سنهم كنا نمارس الرياضة ونقرأ ونحب السينما والثقافة والكتب، والآن أصبحت تطلعاتهم بعيدة جداً عن قضايا الوطن، وهم نوارة المستقبل يجب أن يقرأوا جيدًا ويتربوا ويوجه سلوكهم بشكل جيد وأن يعرفوا تاريخ بلدهم ويعرفوا قضاياهم وأنهم مواطنون صالحون.. الشباب ديل أهم فئة في المجتمع.
{ هل تعتقد أن هناك تقصيراً من الدولة تجاه الشباب؟
نعم.. تقصير.. وإهمال كبير جداً، هناك إهمال في التعليم.. وأنا كمعلم واقف في السبورة لمدة 44 سنة درست الشباب ومعهد المكفوفين.
{ من الشخصيات المعروفة الذين درستهم في المدارس؟
– كثيرون جداً.. منهم البروفيسور “المعز عمر بخيت” و”قرن شطة” و”يوسف عبد الفتاح” و”سليمان محمد سليمان” وغيرهم.. والآن في المجلس الوطني هناك قائدات في الحكومة درستهن، وهناك نساء يعملن محافظات في النيل الأزرق وكردفان وفي اتحاد المرأة… وأنا لست ندمان إني كنت معلماً، بل على العكس تماماً أنا فخور بها جداً.. وفي المجلس الوطني متمسك بأمانة الشباب لأن الشباب يهموني جداً.
{ كيف دخل الفنان “محمد ميرغني” إلى المجلس الوطني؟
– دخلت بقناعاتي.
{ أتكلم عن الكيفية التي أصبحت بها عضواً في المجلس الوطني؟
– دخلت عن طريق الدوائر النسبية بعد مباركة مولانا “محمد الحسن الميرغني” عن الحزب (الاتحادي الديمقراطي الأصل).. ونحن بنينا الختمية وأطلقنا عليها الاسم، ونشأنا وترعرعنا في حضن الختمية.
{ هل تعتقد أن وجود الحزب (الاتحادي الديمقراطي) الآن في صف المؤتمر الوطني ينقص من تاريخه النضالي؟
– الحزب الاتحادي هو حزب الوسط وينتمي له فئات مختلفة من الرياضيين والمثقفين والمبدعين والعلماء وخير الأمور الوسط.
{ ولكن هناك انشقاقات داخل الحزب ترفض مشاركته في الحكومة الحالية؟
– الانشقاقات أمر طبيعي في كل الأحزاب.. واليوم المؤتمر الوطني قال يا أيها الناس هلموا نتصالح.. والسودان كان يمضي إلى منزلق خطير جداً وكنا نسير نحو التشرذم والتشتت ونصبح دويلات، ومن أجل ذلك فإن عقلاء القوم فكروا في هذا الأمر جيداً، ومولانا السيد “محمد عثمان الميرغني” فكر فيها جيداً وجاء واجتمع معنا وطلب مننا أن نقف مع المؤتمر الوطني في أشياء محددة ونحقق أشياء محددة مرتبطة بالديمقراطية والحريات العامة وحرية الصحافة والدستور.. وقلنا نعم.. يهمنا أن لا يتم تدمير السودان.
{ هل ترى إمكانية جمع السودانيين حول مؤتمر الحوار الوطني الذي تنعقد لجانه هذه الأيام؟
– أنا عمري 73 سنة وعاصرت مشاكل السودان منذ عهد “روبرت هاو” عندما كان موجوداً مع “الأزهري” ووقت خروج الانجليز من بلادنا، وعايشت المجتمع السوداني واختلطت بكل أعراقه وسحناته، وتشربنا من كل الحركات السياسية وأنا موجود في الخرطوم منذ أربعينيات القرن المنصرم ونستطيع أن نقيم الأمور جيداً.. مؤتمر الحوار الحالي هو آخر طلقة وفرصة للسودانيين.. وإذا لم يحل قضايا السودان فعلى كل شخص أن يتخير شجرة ويصعد إليها.. وإذا لم يصلوا إلى حل فعليهم بأن (يفرتكوهو).
{ لماذا هذا التشاؤم؟
– نحن هسا فرقنا شنو من الصومال.. دي الفرصة الأخيرة.. الآن أطراف البلاد ملتهبة.. يجب أن يجلس الناس مع تلك الأطراف ويصل الناس إلى صيغة مناسبة لحكم السودان ويحدد دستوره ونظمه وقوانينه ويحدد نظامه التعليمي والأمني والاقتصادي.. يجب أن يتم ترتيب البيت ومن ثم نرى أي الطرق نسلك.
{ وكيف نخرج باقتصادنا من أزمته؟
– شوف السودان بلد زراعي رعوي.. وهو مترامي الأطراف ولدينا مياه كثيرة وثروة حيوانية، ولدينا ثرواتنا الأخرى في باطن الأرض وظاهرها.. كيف نترك كل ذلك ونحارب بعضنا البعض لأجل ماذا؟ هل من أجل الحكم؟
{ الفنان “محمد ميرغني” مشهور بآرائه الحادة والصريحة في الساحة الفنية.. هل سينقل نفس حدته وصراحته إلى قبة البرلمان ويناقش بها قضايا الناس؟
– هم ما بيدونا فرصة في المجلس.
{ كيف؟
– نحن (مشكوكين) في المجلس ويتم توزيع الفرص بالأرقام.
{ كم قضيت في المجلس حتى الآن؟
– 3 شهور.
{ ولم يحدث أن أُتيحت لك فرصة الحديث في المجلس؟
– لا.. لم يحدث أن أتيحت لي الفرصة للحديث إلا في اللجان.
{ أشرح لينا “مشكوكين” دي؟
– بمعنى كل القوى السياسية تجلس سوياً وبدون ترتيب، وهو الأمر الذي يصعب من فرزها عن بعضها البعض، ومن ثم إتاحة الفرص لهم بالتساوي.
{ يعني ينتفي القصد من عدم منحك الفرصة؟
– والله أنا ما عارف.. المفروض يتم فرز القوى السياسية عن بعضها البعض.
{ هل تعتقد أن رئيس المجلس لا يفرق بين أعضاء الاتحاديين والوطنيين وغيرهم؟
– لالا لا… يستطيع التفريق بينهم وهو ذاتو ما بيعرفنا.. إلا ناسو البيعرفهم لأنهم معاه في المؤتمر الوطني.. وأنا أبلغت رئيس كتلة المؤتمر الوطني “مهدي إبراهيم” بضرورة تمييز الكتل عن بعضهم البعض.. فعلاً أنا شريك في الحكم ولكن قد يكون رأيي مختلفاً عن رأي المؤتمر الوطني.
{ يوصف البرلمان الآن ببرلمان الصامتين أو الموافقين؟
– لالا لأول مرة يكون هناك أكثر من (16) نائب برلماني مستقل.. ولأول مرة يدخل (الاتحادي الأصل) في البرلمان، وهناك قوى سياسية أخرى.
{ باعتبارك صاحب خبرة كبيرة في الشأن السوداني.. كيف تتوقع مصير الأزمة السوداني الحالية في الحكم؟
– هذه آخر دورة للرئيس الحالي.. تفتكر لو انتهت هذه الدورة ولم نصل إلى حل لقضايا الحكم.. كيف سيكون الوضع بالبلاد؟ هل سوف تأتي حكومة جديدة؟.. أم يحدث انقلاب عسكري؟.. أم نتحارب فيما بيننا؟ أم نجلس في مائدة مستديرة؟ إذا لم يرتب الرئيس الحالي كيفية الحكم في البلاد مستقبلاً فسيكون الوضع مربكاً للغاية.
{ هل تتوقع سيناريوهات أسوأ؟
– لا.. أنا متفائل جدا بمؤتمر الحوار.
{ ألا يقلل عدم مشاركة بعض القوى السياسية والحركات المسلحة من حظوظ نجاح المؤتمر؟
– هنالك كثير من القوى السياسية المهمة التي حضرت.. وما تزال هناك ثلاثة أشهر لإقناع الرافضين بالمشاركة.. وأنا بقول بروح المعلم وشايف البلد دي ماشة وين..الكرة الآن في ملعب الرئيس.. ليست بيد مجلس الوزراء ولا البرلمان ولا أية جهة أخرى.. الكرة الآن في ملعب الرئيس والقوات المسلحة.
{ برأيك ما هو الشيء الذي على الرئيس فعله؟
– يقود السفينة إلى السلام.. بكل التنازلات الممكنة.
{ هل من الممكن أن يقود السفينة إلى بر الأمان؟
– الحوار دعا له الرئيس وعرف كيف يضع القطار في أي قضيب.. وهو ما نجح فيه بأن وضعه في القضيب المناسب.. وأن يمضي بعد ذلك إلى الأمام نحن قيادته لأنه يمسك مقود السرعة في القطار.
{ ولكن بعض الحركات المسلحة لم تشارك في عملية الحوار؟
– الرئيس كان واضحاً في خطابه لها.. إذا أرادت الحوار فلتأتي إلى الحوار، وإذا أردت قتالي فأنا سوف أقاتلهم، وإذا أرادوا حقوقهم فليأتوا ليأخذوها… وإذا أرادوا الحكم وإدارة أقاليمهم فليأتوا.
{ إلى ماذا تعزي عدم مشاركة بعض القوى السياسية الداخلية مثل “الصادق المهدي” و(الشيوعي) في الحوار؟
– قبل أيام بعث “ياسر عرمان” رسالة واضحة للقادة السياسيين فحواها يا جماعة اجلسوا للحوار لأن السودان في جغرافيته قادر على احتوائنا جميعاً، بل إنه قادر على يحتوي معنا شعب دولة أخرى.
{ هل نعاني من أزمة ثقة؟
– نعم نعاني من أزمة ثقة.
{ هل تعتقد أن النخب والحكومات السودانية المتعاقبة فشلت في حل مشكلة الحكم بالبلاد؟
– أعتقد أن مايو أنظف حكومة مرت على تاريخ السودان.. و”الأزهري” و”عبود” و”الصادق المهدي” كانوا مثالاً في الحكومات الراشدة.
{ إذا كانوا كلهم جيدون من أين ورثنا أزماتنا هذه؟
– من الأنانية وحب الذات في كثير من الأحيان.. وأغلب الحكومات كانت تريد أن تحكم.. كانت جيدة ولكنها تريد أن تحكم فقط.. وعلى الحكومات أن تخشى الله في الإنسان السوداني.
رسائل إلى هؤلاء…
الرئيس البشير؟
أقول له: مدو الأيادي ولونوا الليل الطويل أول تبادي
وعلموا الفرح النبيل وكتين يشيل حزن البوادي
لو نحن بإخلاص نبيل عمرنا وادي
{ مولانا محمد عثمان الميرغني؟
– الله يديهو طولة العمر سلمت القيادة للأسد والشبل مولانا “الحسن”، ونحن نثق به وعرفنا وجهة نظره وجلسنا معه، وقال إن هذا الحزب هو حزب الوطن وليس حزب الرجل الواحد وهو حزب لكل الناس.. قال الكلام ده وأنا سمعتو منه شخصياً.
{ الصادق المهدي
يا حبيب أدرك المركب ونحن في انتظارك ورأيك وفكرك ونصيحتك تهمنا.
{الترابي؟
– ما عندي أي رسالة ليهو.
{ لماذا؟
– لان كل الذي يحدث لنا الآن بسببه.. وهو من أوصلنا إلى ما نحن فيه الآن وهو يبحث الآن عن كيفية خروج المركب وحكاية (اذهب إلى القصر رئيساً وسأذهب إلى السجن حبيساً) دي كانت البداية.