الفقراء .. حزب الأغلبيَّة في السودان!
{ خارج مكتب خدمات الكهرباء بمدينة النيل بأم درمان، اقتربت مني في حياء وتردد سيدة (أربعينية)، ملامحها تؤكد أنها (بت قبائل)، أو (بت ناس) – كما يردد عامة الناس – بدا لي أنها تريد أن تقول شيئاً، لكنها عجزت عن التفوه بكلمة، أخرجت من جيبي (الفيهو النصيب) ووضعته في يدها سريعاً، لم تتمالك السيدة نفسها، سقطت دمعة على وجهها، وصاحت فجأة وهي تقول: (والله.. أنا جعانة.. وعطشانة.. وعداد الكهرباء قاطع)!! ثم اختفت داخل مكتب الكهرباء لشراء القليل من (كيلواطات) الجمرة الخبيثة!!
{ هذا المشهد صار يتكرر كثيراً جداً، يعرفه ويألفه (الأطباء) في أقسام الطوارئ، و(الصيادلة) في الصيدليات، و(الكماسرة) في الحافلات، وأصحاب (الكناتين) و(الجزارات) وبتاعين الخضار، وبائعو اللبن في الأحياء (الراقية) و(الشعبية)، على حد سواء!!
{ الفقر في السودان صار (حزب الأغلبية) العظمى..!! الفقراء في السودان لا تضمهم (750) ألف أسرة، كما يتوهَّم وزير المالية، أو تزعم وزيرة الرعاية الاجتماعية..!!
{ (بضعة آلاف) فقط، من مجموع (ثلاثين مليون نسمة) هم عدد سكان السودان تقريباً – بعد انفصال الجنوب – يمكن اعتبارهم خارج دائرة (الفقر)، كبار رجال الأعمال والتجار، كبار الأطباء، بعض المهندسين والمقاولين، بعض الوزراء، بعض المغتربين والمهاجرين، (قلة) من أصحاب الرتب الرفيعة في الجيش، والأمن والشرطة، مديري المصارف والشركات التجارية الكبرى، الموظفين بمنظمات دولية، ومجموعة (طفيلية) صغيرة منتفعة تعمل بين الحكومة والسوق!!
{ سوى هؤلاء، فإن (عصا) الفقر تلهب رؤوس وبطون وظهور أكثر من (29) مليون مواطن سوداني!!
{ أسماء كبيرة في دنيا المال دخلت السجون، بسبب التعسر، والشيكات المرتدة، والحكم القضائي الشهير (يبقى لحين السداد)!!
{ سيدات أعمال صغيرات (من بنات الناس) يرزحن – الآن – في ظلام سجن النساء بأم درمان، محبوسات ببلاغات الشيكات!!
{ بالإجراءات الاقتصادية الأخيرة، سترتفع نسبة الفقر في السودان، وسيزيد أعداد الفقراء، وتزيد نسبة (الانحراف الأخلاقي) في المجتمع.. تتهتك المزيد من العائلات، وتضيع آلاف الحرائر!
{ نحتاج إلى (نفرة مجتمعية) هائلة لسد ما يمكن سده من (ثغرات)..
{ اللجان الشعبية في الأحياء ينبغي أن يعود دورها بقوة، لتكون مهمتها الأساسية توفير الحد الأدنى من الغذاء والكساء والدواء لمئات الأسر في كل حي، بتكافل الأغنياء مع الفقراء.
{ (خمسة) أثرياء في كل (حي) يمكنهم أن يتكفّلوا (بخبز) عشرين أسرة في ذات الحي يومياً.
{ و(خمسة) آخرون يمكنهم أن يتكفلوا بمصاريف المدارس لعشرين تلميذاً وتلميذة.
{ الدكتور “النقرابي”، الأمين العام لصندوق رعاية الطلاب، ينبغي أن يستوعب متطلبات هذه المرحلة الحرجة – مرحلة عام الرمادة – فيضم عليه عشرات الآلاف من (طالبات) الجامعات في داخليات العاصمة والأقاليم، ليتفرغ صندوقه لتوفير وسائل المواصلات المدعومة، من الجامعة وإلى أواسط المدن، في الكلاكلة، والجريف، وجبرة، والثورات، والحاج يوسف، وأم بدة، وبحري، والدروشاب، والسامراب و… و….
{ لا معنى لافتتاح مدينة جامعية جديدة بمليارات الجنيهات، والطالبات في الخرطوم يبحثن عن (فضل الظهر) في السيارات (الخاصة) بعد ارتفاع أسعار المواصلات (العامة)!!
{ وجبات الطالبات (المدعومة) في الداخليات يسألك عنها الله يا “نقرابي”، وليس رئيس الجمهورية.. وقد شكت بعضهن من أن أسعار الوجبات في (بعض) كافتريات الداخليات (أغلى) من السوق!!
{ كل الجامعات، وعلى رأسها (جامعة الخرطوم)، ينبغي أن تتدخل لتوفير بصات لترحيل الطالبات والطلاب إلى المحطات الوسطى والطرفية في مدن العاصمة، وهذه الجامعات تمتلك مئات الأفدنة من الأراضي، والاستثمارات، وعائدات (القبول الخاص) بالجنيه والدولار.
{ اقتربوا أكثر من هذا المجتمع، فإنه جائع، و(عطشان)، ومريض.