(المجهر) في حوار الجرأة والصراحة مع العميد (م) "يوسف عبد الفتاح" (2-2)
لو عادت بي الأيام لن أشارك في انقلاب الإنقاذ بعد ما رأيته!!
الإسلام بريء من نموذج “الإنقاذ”!!
لا أعلم من اتخذ قرار إعدام (ضباط رمضان).. لكن المكتب القيادي لم يجتمع!!
والله العظيم لا أعلم بوجود “بيوت أشباح” ولم أرها!!
مستعدون لأية محاسبة ولحساب الله يوم القيامة!!
منحت (20) فداناً من أراضي المدينة الرياضية لجامعة أفريقيا بتوجيه من “علي عثمان”!!
حوار-عقيل أحمد ناعم
{ كثر الحديث عن الفساد في مجمل الدولة.. هل تقر بوجود هذا الفساد؟
– نعم هناك فساد، لكن الإشاعة والتضخيم أكبر من حجمه الحقيقي، وكلام يطلق في الهواء، من يمتلك أدلة على الفساد يذهب مباشرة للجهات القانونية.
{ لكن هل تنكر أن الفساد استشرى في هذه الحكومة أكثر من أية حكومة قبلها؟
– صحيح في فساد، كما أن الحكومات السابقة بها فساد، لكن الفساد الآن مسلط عليه الضوء بدرجة عالية. والمؤسف أن هناك قوانين وآليات لمكافحة الفساد، وبرلمان ومراجع عام، ورغم هذا ليس هناك أي حسم للفساد، وهذا هو الذي جعله يستشري في جسد الدولة.
{ هل أنت راضٍ عن مسيرة الإنقاذ وما حققته خلال أزيد من ربع قرن؟
– أنا راضٍ عن أشياء تحققت، رغم أن هناك أشياء أخرى لم تتحقق.. وسعيد بما تحقق في ثورة التعليم والثورة في البنية التحتية، و(زعلان) أنه حتى الآن المواطن يعاني في (قفة الملاح)، فالمواطن تعبان شديد و(ما لاقي ياكل).
{ هذه نقطة مهمة.. الإنقاذ حين أتت قالت إنها جاءت لرفع المعاناة عن المواطن لكن الآن يبدو أن معاناة المواطن ازدادت؟
– عندما كنت وزيراً- لم أنتقد بعد أن خرجت من الحكومة- قلت للرئيس إن السودان ليس دولة بترولية، بل زراعية، ويجب توجيه البترول لإصلاح البنية الزراعية، لكن للأسف “شلنا قروش البترول عملناها كلها كباري”- رغم أهميتها- لكن لم توظف في أشياء تأتي بعائد. لذلك فإن المواطن الآن يعاني شر معاناة، وهي معاناة أعيشها على مستوى أسرتي، والحي الذي أسكن به.
{ سعادة العميد لو عادت بك الأيام قبل 30/6/1989م وأنت تنظر لما وصل إليه حال البلد الآن.. هل كنت ستشارك في انقلاب الإنقاذ؟
– (صمت طويلاً).. فاجأتني بالسؤال.. بصراحة لن أشارك بعد الممارسات “الشفتها ” من أناس كنا نضعهم في مقام الطهر.. لو عادت بي السنوات فلن أشارك في الإنقاذ.
{ أنت كنت مسؤولاً في بدايات الإنقاذ عن إدارة العاصمة في وقت لا تتوفر فيه موارد.. وعالجت مشاكل الخبز والوقود والمواصلات .. ما هي خلاصة تجربتك في تلك الأيام والعاصمة الآن تعيش أزمات مشابهة رغم توفر الإمكانيات؟
– أشكرك على هذا السؤال.. وأقول فقط هو الإخلاص، (..وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ..).. هذه شروط، وهذا الشعب السوداني شعب عظيم ومؤمن وصبور ويتحمل المصاعب.. بالإضافة إلى أننا كنا صادقين مع الشعب، وقدمنا لهم القدوة، فأنا أقسم بالله العظيم، كنت بتسلم (وقية سكر) زي كل الناس، وأرفض أية زيادة، لذلك القدوة التي قدمناها كانت مهمة والإخلاص مع الله، فالشعب وجدنا نعيش نفس معاناته لذلك، وقف معنا.. لكن كيف يقف معك الشعب، وهو يعاني وأنت تعيش في بروج عاجية.. وكنا نشرك الشعب في معالجة المشاكل، ولم نكن نجلس في مكاتبنا، بل كنا مع الناس في الميدان، ونشاركهم ظروفهم الصعبة، ولم يكن هناك فساد.. كنا نطوف الأحياء بالليل نوزع المساعدات، ولم نكن نصطحب معنا كاميرات ليرى الناس ما نفعل.. لذلك فالوقوف مع الناس ومعايشة معاناتهم تجعلهم يقفون معك.. وهذا هو الذي جعلنا ننجح في إدارة الولاية، وتوفيق ربنا من قبل.
{ الولاية توفرت لها خلال الفترات الماضية موارد ضخمة.. لماذا في تقديرك ظلت تعاني فشلاً في أساسيات الحياة من مواصلات ونظافة وغيرها؟
– إمكانات الولاية الموجودة لو تم توظيفها بشكل صحيح كانت ستنتج عملاً أكبر من الموجود بكثير.. الآن تم صرف مليارات، ونحن زمان كنا نعمل، ولم تكن هناك أموال.. أنشأت الساحة الخضراء ومسجد الشهيد ومسجد القصر وكلها بإمكانات قليلة وبجهد شعبي.
{ ما الذي منع من توجيه مليارات الولاية في المسار الصحيح.. هل هناك فساد مثلاً؟
– كلامي واضح، لم يكن هناك توظيف صحيح لأموال الولاية.. وهذه فرصة لتقديم النصح للأخ “عبد الرحيم محمد حسين”، أنه لابد من توفير موارد حقيقية للولاية، وأن تكون ولاية إنتاجية (مصانع ومشاريع زراعية منتجة) وخلق مواعين إيرادية جديدة (استثمار، سياحة)، لكن ولاية تعتمد ميزانيتها على عائد بيع الأراضي هي ولاية فاشلة لا مستقبل لها.. (80%) من ميزانية الولاية بيع أراضي (ده كلام ما بنفع)، كيف نبيع أراضي هي ملك لأولادنا والأجيال القادمة؟! ولابد من التوجه نحو السكن الرأسي بدل الأفقي.
{ أنت كنت مسؤولاً قبل فترة قصيرة عن هيئة السلوك الحضري وتجميل العاصمة.. ما قيمة التجميل في عاصمة يعاني أهلها الضنك وتعاني من أبسط مقومات الحياة الحضرية الأساسية من مواصلات وطرق ونظافة؟
– التجميل يدر أموالاً للولاية.. المستثمرون عندما يأتون ويجدون (البلد شوارع مكسرة وما فيها إضاءة)، لن يأتوا بأموالهم للسودان، فكانت الفكرة أن نجذب المستثمرين.. وضيوف البلاد يقيمون البلد بمظهرها.
{ هل وجدت تعاوناً من الولاية وتوفير ميزانيات ووضع قانون لتنفيذ خطط الهيئة؟
– “أكون صريح معاك”؛ لم يعطونا ميزانية حتى خرجنا من الولاية، كان فقط مال تسيير.. كانت لدينا عربة واحدة ومعطلة، لكن كنت بعلاقاتي الخاصة أستقطب أموالاً للعمل (وأشكر شركات النفيدي والبرير وآخرين) ومدير جهاز الأمن، وزير النفط السابق “مكاوي”.. وأسوار حدائق القصر تكلف (2) مليار وستمائة مليون أنجزتها فقط بـ(300) مليون فقط، وقبل أن نكمل الأسوار (شالونا)، وحتى الأشجار التي زرعناها في بعض الشوارع ماتت تماماً.
{ هل أُلغيت الهيئة تماماً الآن؟
– الوالي الجديد حلّ الهيئة وحلانا بدون أية استشارة ولم يرجع لنا.
{ كنت مسؤولاً عن الشباب والرياضة وكان تحت مسؤوليتك ملف المدينة الرياضية.. لكن بعد كل هذه السنوات اتضح أن أرضها قد بيعت.. وظهر حديث عن فساد في هذا الملف.. ماذا حدث في المدينة الرياضة؟
– المدينة الرياضية اتسجلت كمدينة في عهد الوزير “إبراهيم نايل إيدام”، وأنا بدأت فيها المنصة الرئيسية لتثبيت المشروع، وفي عهدنا أنشئ مضمار ألعاب القوى، وتوفرت له ميزانية من الـ(فيفا) بواسطة “حسن عجباني”. وقد شهد وزير الرياضة الأسبق “حسن رزق”، في اجتماع في البرلمان، بأنني لم أبع أو أمنح أية أرض خاصة بالمدينة الرياضية.. فقط حالة واحدة، حيث إني تلقيت توجيهاً بخطاب رسمي من الأخ “علي عثمان”، وهو كان وزير التخطيط الاجتماعي، وأنا وزير دولة مسؤول عن الرياضة، بأن أمنح (20) فداناً من أراضي المدينة الرياضية لجامعة أفريقيا العالمية، لتشييد مطبعة مصحف أفريقيا، وأن يتم تسليمها لهم عبر إدارة الأراضي. وأنا– فقط- نفذت التعليمات.. بخلاف هذه لم أسلم أية جهة أو شخصاً متراً من أراضي المدينة.
{ أين ذهبت بقية أراضي المدينة.. ومن الذي تصرف فيها؟
-أنا والله ما متابع، لكن أنا علمت أن بعض الناس اشتكوا بأنهم يملكون أراضي داخل حدود المدينة، فتم إرجاع هذه الأراضي بقرار من مستشار رئيس الجمهورية حينها “أحمد إبراهيم الطاهر”.
{ هناك موقف حدث لكم في هيئة جمع الصف الوطني عندما التقيتم الراحل “محمد إبراهيم نقد” سكرتير الحزب الشيوعي.. حدثنا عنه؟
– نعم، جلسنا مع الراحل “نقد” لتقريب وجهات النظر بين الأحزاب، فقال لنا “نقد”: (نعم هذا النظام لا نريده.. إنه أسوأ نظام مرّ على السودان)، لكنه أشار إلى الحروب التي تعيشها البلد، وقال إن هذا النظام يحفظ أمن البلد، وإن هذه نعمة كبيرة، وأكد أنهم لا يريدون أن يذهب النظام بدون خطة بديلة، وأن يتفق الناس على كيفية ذهاب النظام دون التسبب في إحداث فوضى، وأن لا يذهب بدون بديل.. وقال إنه في حال ذهاب النظام بدون ترتيب بديل، سيتحول السودان إلى فوضى.. و”نقد” كان رجلاً وطنياً، ويعمل من أجل مصلحة الوطن.
{ بصراحة سعادة العميد.. هناك ضابط اسمه “مصطفى التاي” استشهد في مقال بأنك زرته حين خروجه من المعتقل بدايات الإنقاذ، وأنك أشرت إلى وجود “بيوت الأشباح”.. ما مدى صحة الواقعة.. وماذا تعرف عن “بيوت الأشباح”؟
– فعلاً أنا زرت “مصطفى”، وهو أخ وصديق عزيز ودفعتي في الجيش.. ولا نستطيع أن نسميها “بيوت أشباح”، ولكن في أي نظام هناك مواقع لتوقيف واستجواب الناس.
{ هل رأيت هذه البيوت؟
– “أنا والله ما شفت بيت من البيوت دي”، ولا زرتها، و”لا عارفها وين إذا كانت موجودة”.. فقط أسمع عنها، كما يسمع الناس.. لكن يمكن أن تكون هناك أماكن توقيف يسميها الناس في السودان “بيوت أشباح”، وهذه موجودة في كل الدول كمواقع خاصة تتبع للأمن لاستجواب من يعملون على تقويض النظام، والإضرار بالبلد، لكن أنا والله العظيم لا أعلم إطلاقاً بوجود “بيوت أشباح”.
{ لكن سعادتك.. ألا تُقر أن الإنقاذ في بداياتها كانت قاسية جداً تجاه خصومها؟
– هذا وضع طبيعي، في كل العالم أي نظام انقلاب جديد يفرض قبضة قوية، لأنه يكون معرضاً لثورات مضادة ومحاولات تقويض. بعدها تدريجياً تنتهي القوة الثورية، وتتحول إلى قوة دستورية.
{ لكن الإنقاذ مختلفة.. فهي قالت إنها جاءت لإقرار قيم الدين وتقديم نموذج لدولة إسلامية.. فكيف تستسيغ مخالفة هذه القيم؟
– لا.. لا… فشلوا في تقديم نموذج لدولة إسلامية فشلاً كبيراً.. الإسلام بريء والله من هذا النموذج.
{ الآن المعارضون يتحدثون عن ضرورة محاسبة كل من شارك في الإنقاذ بعد ذهاب النظام.. هل أنتم مستعدون للمحاسبة؟
– نعم والله مستعدون لأية محاسبة.. ونحن مستعدون لحساب الله يوم القيامة وحينها تأتي كل نفس تجادل عن نفسها، ولا يأتي الناس وراء شيخهم أو حزبهم.. كل شخص يأتي ليقول كل ما فعله في الإنقاذ، لذلك نحن مستعدون جداً لأية محاسبة.
{ هناك موقف حرج مرّ بك عند زيارتك للعراق بدايات الإنقاذ.. حدثنا عنه؟
– سافرنا في وفد كنت رئيسه للعراق بعد ضرب المفاعل النووي العراقي، وكان هناك مؤتمر لدعم شعبي، وكانت هذه الزيارة بعد انقلاب البعثيين الشهير بأسبوعين.. كنت جالساً بجوار وزير الإعلام العراقي “لطيف نصيف جاسم”، وفوجئت بأن رئيس الجلسة “فاروق أبو عيسى”، وبجواره “عز الدين علي عامر”، فقلت له إن هؤلاء معارضون للنظام السوداني، وإنهم سيسيئون للبلد وللنظام. وقلت له إن المؤتمر لن ينجح.. وعندما وزعوا برنامج المؤتمر لم أجد كلمة للسودان، فقدمت احتجاجاً، فرد بأن الموضوع تضامني ليس إلا. وبالفعل تحدث “عز الدين علي عامر”، وقال إن النظام قتل ضباطاً بالجيش، وأن السودان بركة من الدماء.. فرد أعضاء وفدنا بالتكبير والتهليل، وتم إفشال الجلسة.. واقترحت على الوفد الانسحاب من المؤتمر، فكان رأي الوفد أن لا ننسحب واستمر المؤتمر.. وعند دخول “صدام” قام الشاعر “محمد عبد الحليم” وخاطب “صدام” ملقياً قصيدة فيها (يا صدام أقدم فإن الحديد لا يفله إلا الحديد).. فأعجب صدام وقال: (والله إنتو السودانيين شعراء).
{ لك موقف مع القائد العام الأسبق للجيش الراحل “فتحي أحمد علي” ليلة الانقلاب.. ماذا حدث؟
– هذا كلام أول مرة أقوله.. ذهبنا بقوة لاعتقال القائد العام من بيته فحدث اشتباك، واستشهد أحد أفراد القوة.. وبعدها اعتقلناه، لكني تحدثت مع الرئيس، واقترحت عليه إطلاق سراحه باعتبار أنه القائد العام للجيش ووزير الدفاع ورمز للجيش، فوافق الرئيس واصطحبته في عربة “لاندروفر”. وذهبنا لمقابلة “فتحي” ودخل عليه وحياه التحية العسكرية، فخاف “فتحي”، فقال له الرئيس: (نحن رأينا أنك رمز للجيش، ويجب أن تذهب إلى بيتك).. وبعدها أوصلت الراحل “فتحي” إلى بيته في كافوري، وطلب مني أن أقطع اتصال (المايكروويف) من بيته، فقلت له لن نقطعه وأنه موضع ثقة عندنا.
{ على ذكر الجيش وأيام الإنقاذ الأولى.. قمتم بإعدام (28) ضابطاً بعثياً حاولوا الانقلاب عليكم.. من الذي أصدر قرار إعدامهم؟
– أكون صريحاً جداً معك، أقسم بالله العظيم بعد الانقلاب كنت أنا والمرحوم “محمد عثمان محمد سعيد” في جمع من اللجان الشعبية لتنوير الناس عن أن مجموعة حاولت الانقلاب على النظام، ومطالبة الشعب بالوقوف مع الحكومة، وأكدت لهم أننا سنقدم الانقلابيين لمحاكمات عادلة، لكن في هذا الوقت كانوا قد أعدموهم.. في الحقيقة، أنا لم أشارك في هذا الأمر، لأن المكتب القيادي الذي كنت عضواً فيه لم تتم دعوته لاجتماع.. وللعلم قبل انقلاب الإنقاذ بقليل، تم القبض على مجموعة ضباط بينهم “الزبير محمد صالح”، واتهموهم بالسعي لإعادة “نميري”، واجتمع بكل وحدات الجيش رئيس هيئة الأركان حينها الفريق “مهدي بابو نمر”، وقال لنا: (أي ضابط يعمل انقلاب بنديه طلقة نقد راسو).
{ إذن من الذي أصدر قرار الإعدام.. هل هي الحركة الإسلامية أم جهة تنفيذية.. وهل قدموا لمحاكمات؟
– والله لا أعلم من اتخذ القرار، لكن المكتب القيادي لم يجتمع.. وقُدموا لمحاكمات.
{ أين تم دفنهم؟
– ليس لي علم والله، ولا أعلم من اتخذ قرار محاكمتهم وإعدامهم.
{ هل انتهى تنظيم البعث داخل الجيش بعد تلك الحادثة؟
– هو البعث نفسه انتهى، في العراق وفي أي مكان.