الديوان

صناعة الحلي (زمان).. ذهب مرصع بـ (فتافيت سكر) ومرصود بـ(عيون زروق)!!

قد تجد صعوبة الآن في اختراق شارع (الصاغة) أو (التمارة) كما كان يطلق عليه في الماضي، بسبب تكدس السيارات على جانبيه، لكنك إذا ما اتجهت شمالاً على طول الشارع القديم ستقودك قدماك حتماً إلى أشهر وأقدم محلات الذهب هناك، والتي يمتد تاريخها إلى بدايات القرن الثامن عشر.   
قدامى(الصاغة) يقولون إن الأجزاء الجنوبية لشارع (التمارة) خططت في العقود الأولى من القرن الماضي، وإن عدد المحال كان لا يتجاوز الـ(48) حينذاك، نصفها يقع في الناحية الغربية والآخر في الشرقية، وأضافوا: قبل تخطيط سوق (الصاغة) بأم درمان كانت تقوم على هذا الشارع بعض المحال القديمة أشهرها محل الأخوان (عبد الله ونقد الله ميروس) المفتوح على مدخل (القصيرية) وهو سوق الترزية.
تنادل ومرابط حمير
 قدامى التجار بهذا السوق أكدوا أنه استطاع الحفاظ على شكله القديم، إلاّ أن الحال قبل نصف قرن مضى لم يكن كما هو عليه اليوم، إذ كانت محلات الصاغة تٌبنى في ذلك الوقت من المواد غير الثابتة، ويتم تزويدها بـ(نفاجات) تفتح على مساحات خلفية تستخدم كـ(مرابط) للحمير.
ويمضي التجار قائلين: الذهب الخام نفسه لم يكن متوفراً، وكان الذهب عيار (1000) والبلدي هما السائدان، حيث كانت تتم صياغتهما بواسطة (التنادل) جمع (تندل) وهي (دقاقة) من الحديد توضع على الأرض، وكان الصائغ يجلس على الأرض ويدق الذهب بواسطة (دقاقات) بلدية، وكشفوا عن أن أشهر أسرة في مجال صياغة الذهب والاتجار فيه هم (آل تبيدي)، وأضافوا: وكلمة (تبد) بلغة الدناقلة تعني الشخص الذي يجلس على الأرض ويدق الحديد أو الذهب.
عيون زروق.. كادر نقدي
من جهة أخرى، فإن أشهر(دقات) ذلك الزمان كانت السوار (أبو ليه) وسوار (القوات المسلحة) و(عيون زروق)، وهي أسورة عبارة عن (شفيش) مستدير مطهمة في وسطها بفاروزة سوداء، ثم جاءت موضة جديدة اسمها سوار (الكادر) وأطلق عليها هذا الاسم عطفاً على (الكادر النقدي) الذي ما أن صرفه السيد ( الشريف حسين الهندي) وزير المالية آنذاك للموظفين حتى تدافعت نساؤهن وبناتهن إلى (سوق الصاغة) لشراء هذا السوار الذي يتكون من ثلاث (صفقات) متراصات على طول السوار، أعقبه (فتافيت السكر) وهي (غوايش ) صغيرة ودقيقة ورقيقة. أما السوار (أبو ليه)، فقد كانت كل مراحل تصنيعه تتم بواسطة اليد، لذلك يعتبر من أثمن أنواع الأساور وقد يصل وزنه رطلين أحياناً، ويستخدم في الأعراس خلال طقوس (الجرتق)، وكانت بعض الأسر تقتني هذا السوار للحفاظ على المال لدرجة أن البعض كان يسميه (الدخري) و(أحفظ مالك).
السوار أبو ليّه
إلى ذلك، فإن اسم السوار أبو ليّه، يعود إلى طريقة تصنيعه، إذ يصنع من ثلاثة أشرطة من السبائك تتم ثنيتها بطريقة دائرية أشبه بـ(إستيك) الساعة، و(تُلحم) مع بعضها، ثم توضع قطعة مستديرة من الأحجار الكريمة غالية الثمن في منتصفه ما يزيده جمالاً وجاذبية. كما أن هنالك أنواعاً أخرى من الأساور أشهرها (أبو قصيصة،  وأبو طورية)، هذا إلى جانب أنواع السلاسل والعقود التي أشهرها (المطارق) وتزين بواسطة (القصيص)، وتتكون من ( 24 ) (شولق) و(2) (مثمنة).
الحجول على سيقان النساء تجول
الذهب البلدي كان صاحب الصولة والجولة داخل سوق الصاغة بأم درمان، وكان الطلب متزايداً على بعض أنواع الزينة من بينها (الشف، الشولق، النقار، والحجول) التي كانت تطلبها بعض القبائل مثل الكبابيش في الغرب والرشايدة في الشرق، وكان يوجد الحجل (أبو أربعين، حيثُُ يزن 40 جراماً)، وكانت بعض النسوة يلبسن حجلين يزنان قرابة الكيلو، وهناك حزام (البلوم) ويلبس أعلى الذراع،  تخصص في صنعها أمهر وأشهر صاغة السوق أمثال (الشيخ عوض الكريم) الذي أسس محله منذ بدايات القرن الماضي، وآل (تبيدي) وآل (مُلة) وغيرهم.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية