مشهد الفجيعة!ّ!
هبطت طائرة صغيرة (فالكون) بعد أن غادر الرئيس التشادي “إدريس دبي” صالة كبار الزوار.. واتجهت الطائرة نحو صالة استقبال رؤساء الدول وكبار الشخصيات القادمة للبلاد والتي تعرف بالصالة الرئاسية.. ود. “أحمد سعد عمر” القيادي في الحكومة وأقرب الوزراء لمولانا “الميرغني” وجسر التواصل بينه و”البشير”، يسرع الخطى نحو الطائرة القادمة من العاصمة التشادية “انجمينا”.. وقد حدثني الأخ الأمير “أحمد سعد عمر” عن مفاجأة المؤتمر.. وتحفظ على كشف الأسماء القادمة، رغم أن المعلومات عن وصول وفد المنشقين على الحركات المسلحة تفيض به الأسافير.. عاد “أحمد سعد عمر” فجأة لصالة كبار الزوار ليبلغ وزير الخارجية بروفيسور “إبراهيم غندور”، أن الجماعة رفضوا النزول من الطائرة بعد أن فتحت أبوابها .. ووضعت السلالم.. ولكن طبعاً تم طي البساط الأحمر الذي سار عليه “إدريس دبي”.. بدا الأسف على عيون “أحمد سعد عمر” وهو يهمس لبروفيسور “غندور” في ركن قصي من قاعة كبار الزوار، عن أسباب تمنع القادة الذين جاء بهم “إدريس دبي” كهدية منه لمؤتمر الحوار الوطني، يرفضون النزول من الطائرة ويضعون شروطاً ومطالب في اللحظة الأخيرة.. وهي شروط لا يملك “أحمد سعد عمر” إلا الاستجابة لها .. عادت كاميرا التلفزيون.. التي كانت تنتظر بلهفة عودة الأقمار والنجوم لأحضان الوطن، ولكنها عادت بأسفها في عيونها مثل عودة “أحمد سعد عمر”.. اقتربت من الطائرة لمعرفة أسباب ممانعة المتمردين النزول لأرض المطار وبعضهم، قبل سنوات معدودة كان بيننا وزيراً وحاكماً لغرب دارفور، الأستاذ “أبو القاسم إمام الحاج”. تذكرت أن الحكومة لم تستفد من المتمردين السابقين الذين بينهم والمتمردون القادمون وشائج قربى ومصاهرات.. فكرت في الإيعاز للأمير “أحمد سعد عمر” بالبحث عن المتمرد السابق ومدير مكتب د. “التجاني سيسي” والبرلماني القديم والصحافي الذي هجر مهنته وبات متمرداً وسياسياً، الأستاذ “جعفر مرنو” (نسيب) صهر الرجل الذي رفض النزول “أبو القاسم أمام” .. لو حضر “جعفر مرنو” لهبط “إمام” من الطائرة على الأقل عشان خاطر والد زوجته.. انشغل “أحمد سعد عمر” بالاتصالات لإنقاذ الموقف والحرج الذي وجد نفسه فيه. كيف يصل المتمردون حتى الخرطوم ويمانعون في النزول من الطائرة. وفجأة جاءت ورقة شروط من هم بداخل الطائرة.. شروط تكشف عن الهوة السحيقة من التردي في العلاقات بين النخب وقيادات البلاد. وقد اشترط وفد المتمردين القابع في طائرته أن (يحضر) السيد مدير جهاز الأمن شخصياً ويصحبهم في سيارته حتى الفندق لأنهم جاءوا بضمانة منه .. سألت “أحمد سعد عمر”: لماذا غادر إذن الفريق “محمد عطا المولى” المطار قبل قليل، وقد كان في استقبال الرئيس “إدريس دبي” ؟ ضحك “أحمد سعد عمر” ضحكة أقرب للبكاء وسكب الدموع بأن مدير الأمن المطلوب حضوره والموثوق فيه بالنسبة لوفد المتمردين ليس مدير جهاز أمن السودان!! هم يثقون في مدير جهاز الأمن التشادي، وموقفهم المعلن أن لا تطأ أقدامهم أرض المطار إلا بعد حضور مدير الأمن التشادي.. كان الانتظار طويلاً حتى جاء (السيد) مدير جهاز الأمن التشادي، ليهبط السادة من الطائرة (الفالكون) لتنفرج أسارير ووجه الوزير “أحمد سعد عمر” سليل أسرة السلطان علي دينار.. هل بلغت عدم الثقة وتضعضع العلاقة حداً يجعل الإنسان في وطنه يطلب ضمانة أجنبي، ويشرط أن لا تطأ أقدامه تراب بلاده، إلا في حضور ضامن (أجنبي)؟ وإذا كنت لا تثق في أبناء (جلدك) و(إخوانك) في الوطن إلى حد جعل أجنبياً (حامياً) لك في وطنك لماذا عدت وماذا تفعل؟؟ وكيف ننتظر من هؤلاء (عملاً) و(وطنياً) لمصلحة الإنسان مهدود القوى والطاقة؟؟ إن فجيعة الشعب السوداني في نخبه الكبيرة، وأحداث مطار الخرطوم ما هي إلا دليل وشاهد إثبات على تباعد المسافات بين هؤلاء النخب.