رأي

(هلال- مريخ) ككناية حربية

عبدالله رزق
تكمن المفارقة في كرة القدم، في أنها مثل الشطرنج، تتوسل بنموذج مستعار من الحروب لإيصال رسالتها عن المحبة والسلام والصداقة بين الشعوب. ولعل ممارسي اللعبة وجمهورها، خلافاً لمقتضى تلك الغاية النبيلة، يستحضرون من ظلمات التاريخ بعض المآثر الدموية الساحقة من قبيل واترلو  واستالينغراد، وإعادة إنتاجها، رمزياً، على الأقل، خلال اللقاءات التنافسية التي تتم بين الفرق.
وفي هذا السياق، يلفت الانتباه أكثر من أي شيء آخر، إيغال الخطاب الرياضي الذي تنتجه الصحافة الرياضية في الكنايات الحربية والاستعارات المستلفة من ميادين القتال والعدائيات، التي تساهم في تشكيل وعي الجمهور، وإشعاله بالحماس.
من الممكن تصور أن هذا الخطاب والممارسة المرتبطة به، في المستطيل الأخضر وخارجه، تستلف– أيضاً– من الواقع المعيش وتتغذى مما يعتمل فيه من صراعات. تقترب المنافسات الرياضية، بين الهلال والمريخ، في الآونة الأخيرة، من نموذج النزاعات القبلية المسلحة، بحيث يصبح التنافس الرياضي على خطوط تقسيم  الانتماءات الرياضية، إضافة جديدة للانقسامات القبلية والطائفية والمذهبية، ويتحول التنافس الرياضي إلى صراع تناحري، يلتقي مع غيره من الصراعات الجارية عند هدف القضاء على الآخر المختلف  وإلغائه بأي شكل من الأشكال، وبأية وسيلة.
وربما تكون أبلسة المنافس الرياضي، والنزوع المتطرف لتدميره، بعضاً من استلهامات الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، أو انعكاساً له.
في هذا السياق، يمكن النظر إلى حالة التنافس المحتدم بين الهلال والمريخ، ككناية حربية، تستنفر، على خط المواجهة بينهما، كل تقاليد القتال وثقافته التي تتجلى في أشكال مختلفة من العنف المادي والمعنوي.
مفهوم ومشروع أن يحتفي الهلالاب بهزيمة المريخ من أمل عطبرة، لأن ذلك يحقق مصلحة آنية للهلال بإبعاد منافسه التقليدي، من مزاحمته على كأس الممتاز. لكن من غير المفهوم، أن يحتفل الهلالاب بخروج المريخ من البطولة الأفريقية، التي غادرها فريقهم في وقت مبكر، مما ينتفي معه وجود مصلحة ما. مثلما من غير المفهوم أو المشروع، أيضاً أن يحتفي المريخاب بخروج الهلال من المنافسة على الكأس القارية، وأن يستغرق الطرفان في طقوس فرح مجاني  مستعار، وغير مستحق، موسوم بالشماتة المتبادلة، الأمر الذي لا يمكن فهمه إلا في إطار ما سماه الدكتور “عبد الله الطيب” بالحسد السوداني. يروي الأديب الأستاذ “مجذوب عيدروس”، أن الدكتور “عبد الله الطيب”، عليه رحمة الله، عرّف ما صنفه بالحسد السوداني، بأنه ذلك الحسد الذي لا يقتصر على تمني ذهاب نعمة من شخص إلى آخر، وهو الحاسد في العرف التقليدي، وإنما يتمنى زوالها نهائياً. ويبدو أن الهلالاب، وقد تعثرت مسرتهم نحو البطولة، قد حز في نفوسهم احتمال وصول المريخ لمنصة التتويج الأفريقية.
إذا كانت تلك الشماتة الهائلة، الوثيقة الصلة بالحسد، بما هو انحراف سلوكي أو تآكل  قيمي، تعبر عن تحولٍ ما في الشخصية السودانية، وفي الوعي الجمعي للسودانيين، وفي القيم.. ويبقى السؤال المهم يتعلق بما إذا كانت تلك المشاعر المتفجرة عند حلول المصائب بالغير، محصورة فقط في الميدان الرياضي، ولا تتعداه لجوانب الحياة الأخرى، وميادينها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية… الخ!!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية