الديوان

كفاح النساء بسوق بحري.. المكان مناسب لهن والشمس تحرق أجسادهن وتفتك ببضائعن

بحري ـ نهلة مجذوب
على مر الأزمان ظلت المرأة السودانية حاضرة تساهم في شتى المجالات.. كافحت واجتهدت وثابرت وناضلت،  وحسب المؤرخين فإن السودانيات عملن بالتجارة ومارسنها  باكراً ونجحن فيها وكسبن خلالها سمعة ومكانة طيبة في أسواق المدن السودانية العريقة خاصة أم درمان وبحري، ومنهن من عملن لسنوات طوال بالأسواق تحت وطأه الشمس المحرقة ومطاردات البلدية، وغير ذلك من الصعاب التي صبرن عليها من أجل تربية أبنائهن، فمنهن الأرملة والمطلقة والتي ليس لها من يعولها.. وحتى نتعرف على بعض المكافحات في الهجير اقتحمت (المجهر) سوق النسوان العتيق وقامت بجولة داخله.
السوق يضم مجموعة من النساء منهن من هي في عمر الشيب كالحاجة “زهرة” التي لم تكن يومها بالسوق وهي تعمل فيه لأكثر من (40) عاماً، وغيرها ممن هم في عمر الزهور خرجن من أجل الكفاح وقضين حياتهن بهذا السوق يعملن في بيع المنتجات المحلية مثل (الدكوة والويكة والشطة والبهارات المسحونة والثوم والصلصة المجففة والسمك المجفف المعروف بالكجيك واللحم المجفف “الشرموط”).
هؤلاء النسوة المكافحات يفرشن بضاعتهن هذه على أرض زقاق يقع ما بين دكاكين جزارة اللحوم وجملونات الخضروات يتوسطن شارع لا بأس به يقلن إنه الأفضل مساحة، يحتمل حركة المشترين وزبائنهن، فقط ينقصه الظل.. نعم إنهن يجلس في حر الشمس، تغطي رؤوسهن المشمعات التي تزيد من الحرارة على أجسادهن وتفتك ببضاعتهن في أحايين كثيرة، إضافة الاستظلال بجوالات الخيش أو أجزاء الكراتين المتهالكة.. هذا الوضع حكته النسوة لـ(المجهر) آملات أن تهتم المحلية وتنظر في أمرهن، فهن مكافحات قديمات من حقهن أن يخصص لهن مكان مناسب أسوة بالرجال في السوق الذين يعملون في بيع الخضر والفاكهة واللحوم وغيرها فأماكنهم مهيأة، ومعروف أن النساء بسوق بحري عملن منذ أن كان السوق بمنطقة البابورات قبل أن ينقل في مكانه الحالي.
لأكثر من (30) سنة تعمل الحاجة “فاطمة” بسوق بحري، تبتسم رغم وقوفها المتكرر لإبعاد بضاعتها عن أشعة الشمس، قالت لنا إن السوق قديماً كان رخيصاً ورخياً كل الناس ترتاده وتشتري منه، مشيرة إلى ارتفاع الأسعار في كل شيء وقالت إن لم يكن لديها رأس مال وقدره أكثر من (4) آلاف لا تستطيع أن تشتري وتبيع مثل بضاعتها التي تعرضها من (ويكة ودوكة وفول وتسالي وكجيك وشطة وبهارات وثوم وصلصة… وغيرها). وأوضحت أن سعر جوال الفول السوداني بلغ (900) جنيه وهذا يعتمد عليه في الفول المدمس (الدكوة)، لكنها رغم ذلك تحمد الله بأن منّ عليها ومن عملها الطويل هذا استطاعت تعليم أبنائها حتى تخرجوا وتزوجوا، لكنها ظلت في السوق لأنها اعتادت العمل فيه وتساعد من يحتاج من أسرتها. وتقول إن مكان النساء مناسب جداً فقط ينقصه الظل، وزادت بأن لديها زبائن معتمدين يأتونها (من وين ووين) ويثقون في ما يصنعون منه طعامهم تماماً.
“مريم بابكر” ما تزال في ريعان الشباب وتعمل بائعة بسوق بحري لأكثر من (15) عاماً على طاولتها التي ملكتها لها  الحكومة، على حد قولها، مع زميلاتها تعرض عليها (الفول المدمس والتسالي والدكوة)، وتقول إنها وبقية النساء يشترين البهارات ويقمن بتنظيفها وكذلك تجفيف اللحم (الشرموط) بالمنزل، والاهتمام والوقوف على سحنها لضمان جودتها وخلوها من أية شوائب ضارة، وأضافت إن ذلك يجعل الكثيرين يأتون للشراء من سوق النسوان. وأوضحت أن أغلى ما عندها هو “الكجيك” السمك المجفف بطريقة معينة ويفضله  البعض لمذاقه الشهي الطاعم، وقالت إن سعر الرطل منه (30) جنيهاً، يليه “الشرموط” الرطل بـ(20) جنيهاً، وأكدت أن أسعارها معقولة وثابتة فقط يتأرجح سعر الثوم يوماً بعد آخر.
وتقول “مريم” إن عملها من أجل أبنائها لتربيتهم وتعليمهم رغم دخله البسيط، لكنها تحمد الله عليه، وأشارت إلى أن (ناس المحلية لم يريحوهم) فدائماً ما يأتون لنزع ما يستظللن به، وهنا تقول إن الشمس حرقت أجسادهن وأصابت كثيرات منهن بضربات الشمس القاتلة وغيرها من الأمراض، وتطالب “مريم” ومن معها بأن يتم سقف هذا الزقاق بالزنك عاجلاً ليعملن في جو ووضع أفضل. 
أما “فوزية الطاهر” فقد تحدثت عن أوضاع النسوة في السوق الصعبة، وقالت إن الشمس هي المهلكة لهن ولبضاعتهن وإن المحلية سبق وطالبتهن بدفع ألفي جنيه من كل امرأة من أجل سقف المكان لكن وضعهن المادي لا يسمح لهن بدفع هذا المبلغ الكبير، آملة أن تستجيب المحلية لهن وتقدر ظروفهن وتأتي لتهيئة وضعهن بالسوق.
“فاطمة عثمان” (17) عاماً تعمل في بيع (الجرجير والدكوة والويكة والشطة)، قالت إن مشكلة الظل تفاقمت عليهن وأملهم الوحيد أن تنتبه إليها الجهات المختصة، مشيرة إلى أن سعر المظلة مرتفع فقد وصل إلى (250) جنيهاً وبمرور الزمن تهترئ فتضطر إلى أن تأتي بغيرها.. وهكذا.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية