خربشات (الجمعة)
(1)
الهجوم الذي شنه المجاهد “جعفر بانقا” على زيارة الرئيس اليوغندي “يوري موسفيني” للخرطوم وتحميل المجاهد الثائر الرئيس اليوغندي دماء الشهداء في مقوى وفرجوك وخور انجليز، وانتقد استقبال الحكومة له والاحتفاء بقاتل أبناء السودان كما يقول “جعفر بانقا”، أعاد لذاكرتي مشهداً كان “جعفر بانقا” بطله بلا منازع والرئيس “البشير” يفتح جسر شندي المتمة والجعليون يعرضون ويرقصون فرحاً بافتتاح الجسر وفخراً وعزة بابن حوش “بانقا” الفريق “البشير”.. صعد “جعفر بانقا” وكان حينذاك معتمداً للمتمة أو شندي فيما أعتقد، ولكنه في الحالتين شريك أصيل في الاحتفال، لأن الجسر يربط بين شندي والمتمة.. وتحدث “بانقا” على طريقة “عمار محمد آدم” حينما كان يحرض المسيرية على قتال التمرد ويلهب حماسهم بالقصائد والأشعار.. ويكمل “الجنيد حسن الأحمر” (الناقصة) فيهب فرسان المسيرية لقتال (الكفرة الفجرة) حينذاك.. صعد “جعفر بانقا” إلى منصة الخطابة وفي يده حزمة من الأوراق ظنها الأستاذ “محمد لطيف” مشروعات يطالب بها المعتمد الثائر، ولكنه تحدث عن كل شيء إلا عن قضايا المحلية أمسك عنها.. وهاجم الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا ثم رفع سقف الهجوم إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وقال هذه قرارات مجلس الأمن.. قرار بالرقم (…) وقرار بالرقم (…) حتى بلغت القرارات أربعة عشر قراراً مزقها “جعفر بانقا” ونثر أوراقها على رؤوس الجماهير التي كانت تهتف بشجاعة المعتمد.. ولكن الأخ “محمد لطيف” قال إن سبعة من القرارات التي مزقها المعتمد كانت لصالح حكومة السودان وليست ضده.. لكن “جعفر بانقا” يظن أن أي قرار يصدر من مجلس الأمن هو بالضرورة ضد السودان.. مثلما يعتقد أن عداء “موسفيني” للخرطوم (أبدي) حتى قيام الساعة ولا يتغير موقفه أو يتبدل ثابت مثل جبل البركل.
(2)
لماذا تنعي الصحف أصحاب رأس المال والثروات والوزراء والمعتمدين والمسئولين السابقين؟؟ هل هو المال وحده؟؟ ولماذا يكتب فقط عن الرموز والقادة والمفكرين والمغنين ولا يكتب عن حياة البسطاء الفقراء التعساء، الذين أطلق عليهم الروائي “عبد العزيز بركة ساكن” ملح الأرض. وقال عنهم “الطيب صالح” أصحاب الأيادي المعروفة والضمائر النظيفة.. وذرف من أجلهم “فكتور هيجو” الدمع السخي.. من عامة الناس لا خاصتهم نذكر عمنا الراحل “سعد الله” صاحب أشهر مطعم بقريتنا (الحاجز القناوي)، تلك القرية الواقعة على ضفة وادي (النامية) والنامية هم بطن من بطون كنانة ولكن قرية الحاجز سكانها (بني حسن)، ومن الشرق يقطن المسبعات أحفاد السلطان “المقدوم مسلم” ومن الجنوب الحوازمة دار شنقلو في السنجكاية، ومن الغرب خزام الذين يعتقدون بأنهم أحفاد “علي ابن أبي طالب”.. كان عم “سعد” رجلاً نظيفاً.. تقياً.. ورعاً هاشاً باشاً في وجوه الناس – تقع (قهوة سعد الله) بالقرب من الجزار “حامد النضيف” رحمة الله عليه والجزار “أحمد”.. والجزار “الدقيل عمر”.. يأتي الطلاب من المدرسة المتوسطة يفيض عليهم بكرمه.. أكواب من الشاي والحساب مؤجل إلى يوم (الجمعة) القادم حينما يأتي أولياء الطلاب ويغدقون عليهم المال.. أمام القهوة هناك (دارة) للعبة (ضالة) أو (سيجا) وروادها كثر.. يأتي من حلة الرهيد المرحوم “الطاهر عمر”.. و”من حلة المهدي” يأتي ود المهدي ومن مسبعات بابكر خال الزرقة.. ويخوضون يومياً معارك بلا سلاح وسط قهقهة الرواد ومتعة السمر والقفشات.. وحينما يأتي الراحل عمنا (العتالي) “جبريل عبد الفضيل” أو “يوسف البلاط” تتجمل الجلسة وتلعب مباريات بين فرسان المنطقة “محمد صالح بحر”.. و”إدريس الزيبق” و”بابكر خال الزرقة”.. والناس في مرح وسمر وضحك.. رخاء عيش ومودة وصفاء نفوس ويجلس بالقرب من قهوة “سعد الله” الراحل (الميدوبي) وهو رجل صامت لا يتحدث .. في إحدى السنوات ضرب القحط والجفاف المنطقة وهاجمت الفئران الجائعة المزارع والبلدان وأصابت مزرعة عمنا “سعد الله”، رحل عن المنطقة مؤقتاً إلى “هبيلا”.. وتفتقت عبقرية الأخ “عبد الله عثمان” وكاتب هذه السطور لتأليف وإخراج (منلوج) ردده الطلاب في الأيام المسرحية يقول مقطعه: (ناس الحلة أدفنوا الغلة أبو جربوع رحل سعد الله) وأبو جربوع هو نوع من الفأر الذي يلتهم المزارع بشراهة.. حينما أصبح (المنلوج) على كل لسان أوعز البعض لعم “سعد الله” بعد عودته بشكوى الطلاب للشيخ “حسن القناوي”، فضحك كعادته وقال في زول يشتكي (وليداتو). رحم الله عم سعد الله الذي خطفه الموت الأسبوع الماضي وبرحيله فقد سوق الحاجز ما تبقى من رموز الزمن الجميل،الآباء الذين أسهموا في تريبتنا وأحسنوا إلينا في أيام الدراسة أطعمونا من جوع (وغطونا) من البرد القارس.. والآن تتساقط الأشجار الكبيرة ولا يبقى إلا الغبيش والخروع!!
(3)
في حديث مع مسؤول تنفيذي وسياسي نافذ في الحزب والدولة سألته لماذا لا نطلق على أحد أهم شوارع الخرطوم اسم أمير دولة قطر الشقيقة، سواء أكان الأمير الحالي أو الأمير السابق.. ولماذا (لا نسمي) مشروعاً كبيراً باسم العاصمة “الدوحة”، وقد وقفت قطر دون سائر البلدان العربية مع السودان في عسره ومرضه، ودفعت من خزائنها المال لإنقاذ اقتصاده وإطعام شعبنا.. بل جمعت قطر الفصائل الدارفورية لأيام وشهور وسنوات فتحت لهم الفنادق والقاعات، وسهلت الترحال بين العواصم وصحارى دارفور من أجل إيقاف نزيف الدم السوداني الذي شعر به القطريون كأنه دم قطري.. لم تمتن علينا “الدوحة” أو تطعننا في كبدنا!! ولكن قطر السياسية شيء.. وقطر الشعب شيء.. وقطر الإعلام شيء آخر.. وخاصة القناة الرياضية (بن أسبورت) الابن الشرعي للجزيرة الرياضية التي (ذابت) في (بن أسبورت) الواسعة الانتشار الآن، وهي تحتكر بث الدوريات الأوروبية في المنطقة من الدوري الانجليزي إلى الفرنسي والألماني والأسباني والإيطالي وحتى البرتقالي ودوري أبطال أوروبا وكأس الاتحاد الأوروبي، ولم تترك غيرها إلا كـأس اسبانيتا الذي احتكرته أبو ظبي الرياضية.. القناة القطرية الناقل الحصري لبطولة الأندية الأفريقية الأبطال لم تحتفِ بوجود ناديين من السودان في نصف نهائي النسخة الحالية.. ولم تخصص برامج لناديي الهلال والمريخ كيف صعدا معاً إلى نصف النهائي؟؟ وما هي فرصهما في نيل البطولة.. ولكن القناة (القطرية الفرنسية) ذرفت دموع الحزن على وداع الفرق الجزائرية والمغربية.. تحدثت طويلاً عن أسباب تدني مستوى وفاق سطيف ولماذا تلقى المغرب التطواني الهزيمة الخماسية من مازيمبي وما هي فرص فريق اتحاد العاصمة الجزائري ممثل العرب في البطولة لنيل كأس الأميرة الأفريقية.!
وكأن فريقي الهلال والمريخ لا يمثلان العرب!! ولا يعتبر صعودهما معاً لنصف النهائي حدثاً يستحق أن (نفرد) له المساحات.. ليت الناديين يتأهلان للمباراة النهائية معاً لنشاهد ونسمع ماذا تقول القناة القطرية التي تحصد من اشتراكات السودانيين أضعاف ما تحصده من أموال في بلدان الخليج، بما في ذلك قطر صاحبة القناة ومالكها!! ولماذا لا يقول اتحاد الكرة كلمته في تجاهل القناة الناقلة لحقوق الهلال والمريخ في الحديث عن لاعبي الفريقين وإبراز مقدراتهما، وحتى فرص احترافهما في الدوريات العربية والأوروبية.. فهل فريقان من بلد واحد يبلغان الدوري نصف النهائي لأكبر بطولة في القارة الأفريقية، ليس في صفوفهما لاعبون يلفتون الأنظار أو حتى تلتفت إليهم القناة القطرية.