الحكومة الجديدة وربط الأحزمة ..الاقتصاد يطيح بالموازنات السياسية
وقع الحافر على الحافر، انطبق موقف المؤتمر الوطني ــ الحزب الحاكم ــ مع المثل العربي الرائج (مجبر أخاك لا بطل ) وهو يتأهب لإعلان إعادة تشكيل حكومته الحالية؛ والتي أعلنها في السابع من ديسمبر الماضي، ومضى عليها حوالي الـ (6) أشهر، كأقصر فترة لحكومة منذ مجيئ الإنقاذ 30 يونيو 1989، وعزا الحزب الحاكم الخطوة إلى أنها واحدة من حزمة الإجراءات والتدابير الاقتصادية السياسية في سياق ما يعرف بسياسة التقشف للخروج من الضائقة الاقتصادية التي تمر بها البلاد؛ والتي كان من أبرز عواملها خروج بترول جنوب السودان الذي يساهم بحوالي الـ 36% من ميزانية الدولة.
إعادة هيكلة الحكومة التي ابتدرها رئيس الجمهورية المشير “عمر البشير” أمس (الاثنين)، بإصداره مرسوماً جمهورياً أعفى بموجبه جميع مستشاريه التسعة، بمن فيهم من منسوبي المؤتمر الوطني وأحزاب الحكومة العريضة، جاءت لاحقة لخطوة رفع الدعم عن المحروقات (غاز الطعام، البنزين، الجازولين) رغم تأكيدات قيادات الحزب والحكومة؛ بمن فيهم وزير المالية “علي محمود” بأن هيكلة الحكومة ستكون سابقة لكافة الإجراءات والترتيبات المزمعة.
وبحسب مصدر مسؤول لـ(المجهر) فإن التقليص سيطال 80 % من وزراء المؤتمر الوطني، وأكد أن الحكومة المركزية ستخفض من 83 إلى 32 على مستوى الوزراء ووزراء الدولة، والمستشارين، وأن الحزب الحاكم سيتحمل ما يقارب لـ(80%) من هذه التخفيضات، وسيتم الاستغناء عن 6 وزراء اتحاديين و17 وزير دولة، ووفقاً لإفادات المصدر سيتم إعادة تكليف مستشار واحد للرئيس من حزب المؤتمر الوطني، وأن الاختيار محصور بين البروفيسور “إبراهيم أحمد عمر” والدكتور “مصطفى عثمان اسماعيل” وبما أن البروف أعلن قبل ذلك زهده في تولي المنصب، تبقى الفرصة واسعة أمام “مصطفى عثمان اسماعيل”.
وبالنظر إلى نسبة المؤتمر الوطني التي ستقلص إلى 80% من مجموع 32 شخصاً سيتم إعادتهم في السلطة المركزية ، فإن ذلك يعني أن 23 من المناصب الدستورية الاتحادية ستؤول لأحزاب حكومة الوحدة الوطنية، والإبقاء على مستشار للرئيس من منسوبي الحزب، ونوهت المصادر إلى أن الحكومة الجديدة ستضم(17) وزيراً اتحادياً، و(4) وزراء دولة، وأن القرار سيبقي على (4) من مساعدي رئيس الجمهورية، وعلى رأسهم د.”نافع علي نافع” والعقيد “عبد الرحمن الصادق” و”جعفر الصادق الميرغني” و”موسى محمد أحمد”، وتوقعت المصادر إلغاء وزارات الإعلام والتجارة الخارجية والبيئة والسياحة.
و أعلن مستشار الرئيس “أحمد بلال عثمان” (الذي طاله الإعفاء)عن تخفيض حزب المؤتمر الوطني 11 وزيراً من بين 22 وزير دولة، بالإضافة إلى تخفيضه 6 وزراء اتحاديين من 11 وزيراً، وقال: إن المؤتمر الوطني استغنى عن (6) مستشارين، وتوقع أن يحدث حجم التخفيض داخل الحزب؛ هزة كبيرة، لكنه دعا قطاعات الوطني إلى تقبل المسألة واعتبارها فاتورة لابد من دفعها. .
وأكدت المصادر بقاء منسوبي المؤتمر الوطني في وزارات الداخلية، الخارجية ، المالية، الدفاع، الطاقة، التعدين، الزراعة التي سيتم دمجها مع وزارة الموارد المائية، وأشارت المصادر إلى مغادرة (10) من وزراء دولة من منسوبي المؤتمر الوطني، و ثلاثة من الأحزاب الأخرى.
بحسب مصادر (المجهر) فإن المؤتمر الوطني استطاع أن يحصد تأييد الأحزاب السياسية المشاركة، وحشدها خلف ما انتوى الدفع به، وربما كان قبول تلك الأحزاب بكتاب الحزب الحاكم أنه سيبدأ بنفسه، وسيتحمل الجزء الأكبر من تأثير التقليص، إضافة إلى أنها وما إن تواثقت معه في تشكيل الحكومة الماضية وما سبقها، باتت جزءاً من برنامجه، تتحرك خلف بوصلته.
وبدا واضحاً أن الأزمة الاقتصادية التي دفعت الحكومة لتغيير جلدها، ساقتها أيضاً قسراً لإعداد موازنة توفيقية لجأت إلى تعديلها بأخرى بديلة؛ تلازمها خطة تقشفية، وضع بنك السودان المركزي أساسها مبكراً، وهو يعمد إلى تعديل السياسات المالية والنقدية، و كمية المسموح به من الدولارت للجمهور، للمحافظة على المورد الشحيح من النقد الأجنبي؛ بجانب حظر استيراد السلع غير الضرورية شملت السيارات المستعملة والاسبيرات والأثاث، بجانب اتجاه وزارة المالية لخفض الإنفاق العام وضبطه وغيرها من الإجراءات.
وعد مراقبون تأخر إعلان تشكيل الحكومة الجديدة؛ لجوء النظام القائم للمناورة لحين قراءة تأثيرات خطوة رفع الدعم عن المحروقات على صعيد الشارع الذي عبر على نحو لم يتفق وما كانت تشتهى الحكومة؛ والتي رغم تقليل قياداتها للأحداث التي صاحبت قرار رفع الدعم عن المحروقات؛ لم تجد بداً من التعامل بشكل موضوعي وابتدار إكمال خطوات إنزال بقية الحزم الاقتصادية والسياسية والمعالجات المصاحبة؛ عسى ولعل ، ولكن حزمة أسئلة أوجدت لنفسها مكاناً على سطح تقاطعات الأحداث من جهة، وشروع الحكومة جدياً في إنفاذ كافة حزم الإجراءات الإصلاحية؛ بما فيها تشكيل حكومة جديدة ذلك الأمر الذي لم يكن بالأمر الذي يمكن ابتلاعه بسهولة لا سيما وأن الخطوة وجدت معارضة حادة داخل أروقة الحزب الحاكم، لما لها من أثر سياسي سالب على شراكة المؤتمر الوطني مع أحزاب حكومة الوحدة الوطنية، في وقت تصاعدت فيه أصوات بعض من قياداته بأنه لا جدوى اقتصادية تذكر من خطوة التقليص.
وعطفاً على ما سبق، هل يمكن أن يساهم اتجاه تقليص الجهاز التنفيذي في مستواه المركزي من الناحية الاقتصادية في علاج الأزمة الاقتصادية؟ وما مدى تأثيره السياسي على المظاهرات التي انتظمت بعض أحياء العاصمة الخرطوم؛ وبعض مدن الأقاليم، وما مدى تأثير الأمر على الشراكة ضمن منظومة حكومة القاعدة العريضة ؟
“احمد بلال عثمان” مستشار رئيس الجمهورية السابق، القيادي بالحزب الاتحادي الديمقراطي، وصف ما تم من إعفاءات بأنه ليس استقالة ولا إعفاء بل توافق تم التوصل إليه من خلال مباحثات ثنائية جرت بين المؤتمر الوطني والأحزاب السياسية المشاركة في الحكم، وأوضح أن المؤتمر الوطني قرر سحب مستشاريه؛ لذلك نحن قررنا أن نترك مناصبنا طواعية كنوع من المشاركة السياسية.
وأعلن “بلال” في تصريحات صحفية أمس الاثنين عن احتفاظ حزبه بحصته كاملة في منصب الوزراء الاتحاديين المتمثلة في ثلاثة وزراء، ولفت إلى الحزب الاتحادي الديمقراطي تنازل عن منصب وزير دولة ومستشار، وأبقى على منصب وزير دولة واحد، ولفت إلى أن المؤتمر الوطني أقدم على خطوة التقليص؛ رغم عقده تحالفات مع الأحزاب السياسية، وقال: إن التحالفات لم تكن عبثية، ولم تكن ناتجة عن مطالب جهوية أوسياسية أوقبلية، بل ترمي للاستقرار السياسي، وأن المشاركة كانت تتيح نوعاً من الرضا. وأكد على وقفتهم في خندق واحد لمواجهة الأزمات التي يمر بها السودان، وزاد ” لدينا جميعا المسوقات والاستعدادات بأن السودان سيتخطى المرحلة والإجراءات التقشفية التي تمت ،” ودعا الشعب السوداني للتحلي بالصبر لأن هذا الخيار الأصعب؛ ولا خيار غيره.
ولكن المحلل السياسي د. “حاج حمد”، رسم صورة غير متفائلة حول خطوة تقليص الحكومة وتأثيرها على شكل العلاقة بين المؤتمر الوطني وأحزاب حكومة الوحدة الوطنية، والشارع والوضع الاقتصادي، لافتاً إلى أن حال الاستغناء عن الحكومة برمتها فإن تأثيرها الاقتصادي ضعيف، وأكد أن الأزمة تكمن في الإنفاق على الأمن والدفاع، وقال لـ (المجهر):إن منصرف كل الدستوريين في الحكومة لا يتعدى الـ 9 % مقابل حوالي الـ 70 % للأمن والدفاع، ونبه إلى أن الحل يكمن في ضخ الحكومة لنقد أجنبي وخفض التضخم، وعلق: لو فعلت الحكومة ذلك لكان بإمكانها تلافي الأمر.
ولم يستبعد “حاج حمد” أن تسوء العلاقة بين المؤتمر الوطني وأحزاب حكومة الوحدة الوطنية؛ حال تمسك الأول وإصراره على حصته من السلطة، وقال لكن إذا ما وافق المؤتمر الوطني على مساواة حصته مع بقية أحزاب حكومة الوحدة الوطنية فإنها ستتقبل ما يجري وتجنب الأثر السالب للخطوة، وأضاف: الإجراء دة زي ساقية جحا؛ يشيل من البحر ويودي البحر، لكنه لا يقدم ولا يؤخر، ورأى في الوقت ذاته: أنه لا تأثير للقرار حتى على الناحية الإعلامية، وأكد أن الجميع يحتاج لخطوات عملية تخفض سعر الصرف والسلع، وأن المواطن لا يهمه كل ما يعلن إذا لم يكن له تأثير على معاشه.
ما ساقه المحلل السياسي “حاج حمد” اتسق مع تصريحات لمسؤول رفيع في الحزب الحاكم- تحفظ في ذكر اسمه- وهو يؤكد أن تأثير تقليص الحكومة من الناحية الاقتصادية ضعيف؛ مقارنة بما يثار حوله، وقوله صراحة:(دايرين نقد الدلوكة دي ونرتاح )ــ في إشارة منه لتركيز وسائل الإعلام، وخاصة الصحف على ضرورة إعلان التشكيل الجديد.