دعوة للفرح من غير (عشاء) !!
شهدت خلال الأعوام الأخيرة عدداً من حفلات الزفاف بصالات الخرطوم المختلفة لمشاركة عرسان وعائلاتهم المحترمة الأفراح والليالي الملاح .
ملاحظتي الأولى أن فاتورة الصالة مع العشاء (غير الفاخر) صارت هي الأعلى بين جميع فواتير تكلفة الزواج، لعروسين متوسطي الحال من عامة الأسر السودانية . فإيجار صالة الأفراح وغالباً تلزم إداراتها العرسان بأن تكون خدمة العشاء ضمن الاتفاق، لا تقل عن (50) ألف جنيه، فأدنى طبق يكلف (40) جنيهاً، وهذا يعني أن الـ(ألف صحن) تحتاج لـ(40) ألف جنيه، فما بالك بـ(ألف وخمسمائة صحن) للذين يتوقعون أفواجاً من الضيوف من أهل العريس والعروس!!
هذا غير قيمة إيجار الصالة ولا تقل عن (10) آلاف جنيه .
ثم تأتي فاتورة الفنان، ومعظم عروسات الزمن دا .. يطالبن العريس إما ب”جمال فرفور” أو “عاصم البنا” أو “طه سليمان” أو “حسين الصادق” .. (والله يا حبيبو .. لو جبت لي فلان للحفلة .. تكون ما قصرت) !! وأي واحد من هؤلاء المذكورين أعلاه، لا تقل حفلته عن (15) ألف جنيه، وبقوا لا بجاملوا في جنيه .. ولا بعرفوا المجاملة .. الظروف صعبة !!
وإذا أضفنا للفواتير أعلاه فاتورة (الكوشة) وهي في حدود ألفي جنيه وأكثر، و(المكياج) الذي حققت من وراء صنعته شابات ضعيفات التجربة ثروات طائلة، أصبح حكاية تانية حيث تجني الواحدة منهن (3) إلى (7) آلاف جنيه للعروس الواحدة مقابل (جلبطة) العروس بمجموعة كريمات ومساحيق غير متناسقة . وكم من فتاة جميلة قبل الزفاف، تتحول لكائن أسطوري غريب في ليلة زفافها، بحاجبين عجيبين، وألوان بيضاء وحمراء وبنية بدرجات (أوفر)، فيبدو الوجه كلوحة اندلقت عليها علبة ألوان مائية !!
إذن .. جملة التكلفة تقارب الـ(80) ألف جنيه و قد تتجاوز الـ(100) ألف .. كل حسب اختياراته !! لاحظ أننا لا نقصد بهذه الحسابات (المتواضعة) زيجات عائلات الخرطوم الأرستقراطية، فهؤلاء لا قبل لنا بحساب فواتيرهم .. بعرفوها براهم !!
ولأن الأمر عسير على الأكثرية، فقد صارت الأسر تحت ضغط (العروسات) حريصة جداً على حجز الصالات والفنان، هذه هي الأولوية، أما وجبة العشاء التي يصر أصحاب المناسبة على ذكرها في كروت الدعوة : (مشاركتنا الأفراح .. و تناول طعام العشاء) فلم تعد أولوية قصوى، ولهذا فإن الدعوة توجه لأكثر من (ألف شخص) مع أسرته الكريمة، ولكن الميزانية لا تتجاوز (700) صحن !! ويرجع من (300) إلى (400) مدعو مع أسرهم الكريمة .. جعانين .. وينقنقوا لحدي ما يصلوا البيت !!
أنا شخصياً .. خرجت من مناسبة أسرة ثرية وسمعت (بأضاني) سيدات فضليات يمشين أمامي وهن يرددن: (أم العروس .. جابتنا وجوعتنا .. ما عندها تقدير للناس) !!
طبعا الكلام في الأكل عيب .. لكن كمان لما يبقى في صرف يصل لـ(80) مليون، وبعد دا يبقى في لوم وشيل حال .. حقو تكون في مراجعات (اجتماعية) لجملة هذه المظاهر غير المفيدة .. خاصة لغير القادرين على أذى الصالات وتكاليفها الباهظة .
والأمر إذا ذاك .. وقد صار يتكرر .. حيث ما أن تدخل صالة فرح حتى لا تكاد تجد كرسي .. دعك من طبق عشاء بربع فرخة ناشفة وقطعة جبنة .. فإن الأوجب إلغاء (بند العشاء) نهائياً .. وألا ترد في الدعوة أي سيرة من قريب أو بعيد لحكاية العشاء ..
تعالوا نبتكر أساليب جديدة للفرح لا تكلف (15) ألف جنيه .. أضبحوا خروف خروفين في بيت المناسبة .. مافي داعي لمكياج بـ(5) آلاف ولا عشاء بـ(40) و ( 60) ألف .. فليأت المدعوون متعشين في بيوتهم .. أو يغشوا محلات الفول بعد انتهاء الحفل .. والفنانين عاوزين يجوا ب (4 و 5) آلاف يجوا .. ما عايزين شوفوا البعدهم .. هي كلها أقل من ساعة .
يجب أن تنتفض الجمعيات والاتحادات وعلى رأسها اتحاد المرأة واتحاد الشباب لمحاربة ظاهرة غلاء الصالات والفنانين وخبيرات التجميل أخصائيات (الجلبطة) .
في تحقيق نشرته (المجهر) قبل أيام جاء فيه أن أكثر من (5) ملايين شاب سوداني فوق سن الـ(35) غير متزوجين !! فكيف يتزوجون وليلة واحدة تحتاج لـ(80) ألف جنيه، هذا غير تأثيث البيت .. غرفة النوم .. والجلوس والتلاجة والبوتاغاز وشاشة التلفزيون و …. ؟!
فلتكن الدعوة كالآتي: (ندعوكم لمشاركتنا الأفراح وتقديم التهنئة للعروسين فلان وفلان .. وشكراً )..
لا عشاء .. لا جوطة .. لا فلان اتعشى وفلانة ما اتعشت . .
ودامت أيامكم أفراحاً .