تقارير

دورة تدريبية ترسم ملامح مشوار على حوض النيل.. المياه الفرص والتحديات

أيام في عاصمة (بلد الألف تل) (كيغالي)
(83) مليار متر مكعب إيراد سنوي لنهر النيل ومواضيع شائكة حكى عنها الخبراء
كيغالي – رقية أبو شوك
من عاصمة (بلد الألف تل) تفاصيل في غاية الأهمية عن المياه والفرص والتحديات الماثلة الآن بدول حوض النيل وتحليل أثرها على كل دولة، وذلك من خلال أضخم الدورات التدريبية التي نظمتها مبادرة حوض النيل بمشاركة مندوبين وممثلين من دول الحوض.
تضمنت الدورة التدريبية المخصصة للصحافيين وضباط الاتصالات ممثلين عن (10) دول.. تلقى السودان وفقاً لهذه الدورة دعوة كريمة من المبادرة ضمت (3) من الصحافيين، بالإضافة إلى مسؤولين من وزارة الموارد المائية والري والكهرباء.
مشاهد مختلفة كانت ماثلة خلال هذه الدورة، ونحن نقف على ملامح من بلد شهد تناقضات اجتماعية، وأشهر عمليات الإبادة ولكنها، باتت اليوم شيئاً من التاريخ، فعادت روندا ذلك البلد السياحي الجميل، وتلك العاصمة التي تحفها النظافة والنظام والرقي المبهر.
مواضيع شائكة
الدورة التي انعقدت في الفترة من (12 ـ 16) من ديسمبر الجاري، ركزت في علوم المياه في الجوانب الهيدرولوجية، وذلك لتمكين الصحفيين من الفهم الصحيح، فيما يتعلق بمواضيع المياه العابرة بين الدول والتي يعتبرها المراقبون بأنها مواضيع شائكة ومعقدة، بالإضافة إلى الدورات القانونية والمؤسسية والدبلوماسية.
ومنذ أن تلقينا الدعوة تحت رعاية وزارة الموارد المائية والري والكهرباء عبر (الإيميلات)، كان هنالك ترتيب تام، حيث تمت إحاطتنا ببرنامج الدورة والمشاركين من كل دولة، كما تم مدنا بخطاب دعوة رسمية يتم تقديمه للجهات المعنية بأمر التأشيرة للدول المعنية.
وتم إخطارنا بموعد القدوم لدولة رواندا قبيل بدء الدورة بيوم والذي حدد له (11) من ديسمبر الجاري.
بداية المشوار
تحركنا من الخرطوم وعبر صالة الحج والعمرة في تمام الرابعة والنصف، أي فجر(11) ديسمبر، عبر الخطوط الكينية للعاصمة الكينية نيروبي أولاً، ومن ثم لدولة رواندا… مكثنا يوماً في نيروبي لنصل العاصمة الرواندية كيغالي فجر الاثنين (12) من ديسمبر، وهو اليوم المضروب لبدء الدورة التدريبية، وكان (فندق فيلا بورتوفينو) وهو مكان إقامتنا ومكان إقامة المحاضرات.
وفي يوم الاثنين (12) من ديسمبر، بدأت الدورة بافتتاحية التعريف للمشاركين من دول المبادرة، ومن ثم تم الدخول في المحاضرات التي تمتد حتى السادسة مساءً، وتم في ختام الدورة توزيع شهادات للمشاركين في الدورة.
أيضاً كان من ضمن البرنامج زيارة إلى نهر “ريسمو” والذي يقع على الحدود التنزانية ويضم ثلاث دول (رواندا وبورندي وتنزانيا)، والذي أنشيء على ضفافه سد لتوليد ما يقارب (80) ميقاواط.
شهدت الدورة أيضاً تميزاً ملفتاً للنظر من المحاضرين من دولة السودان، حيث البروفيسور “سيف الدين حمد” الخبير المائي المعروف ووزير الري الأسبق ورئيس الجهاز الفني للموارد المائية، بالإضافة للخبير الدولي في قوانين المياه د. “سلمان محمد أحمد” والذي قدم محاضرة عن السياسة الدولية للمياه.
(83) مليار متر مكعب إيراد سنوي لنهر النيل
ركزت المحاضرات على ضرورة التعاون، وأشار أحد المتحدثين إلى أن الإيراد السنوي لنهر النيل يصل إلى ما يقارب (83) مليار متر مكعب، مشيراً إلى أن هناك أجزاء كبيرة من حوض النيل لا يتولد منها جريان النيل. وقال: إن عدد السكان في حيز النيل يبلغ (220) مليون نسمة، معرباً عن توقعاته أن يصل مليار نسمة، بحلول 2050م، ودعا إلى ضرورة التعاون بدول الحوض. وتشير (المجهر) هنا إلى أن المبادرة هي الموافقة الأولى لدول حوض النيل مجتمعة للتعاون الجماعي أو المتعدد، حيث تركزت مهامها في تسهيل التعاون بين دول الحوض وإدارة وتنمية المصادر المائية، كما أن إستراتيجية (2017 ـ 2027) م، للمبادرة تسعى إلى توسعة الوعي لمخاطر الحوض المتوقعة، وتضمين أصحاب المصلحة في تحديد ومعرفة تحديات إدارة المياه ومصادرها وتقوية آليات التعاون.
طفرة كبيرة في المجال التعاوني
إلى ذلك أكد الخبير المائي المعروف بروفيسور “سيف الدين حمد” لـ(المجهر) أن هذه الدورة تعتبر من الأهمية بمكان لأنها ستمكن الصحفيين من الفهم الصحيح والدقيق للفرص والتحديات الموجودة الآن بدول حوض النيل وتحليل كميات المياه وأثرها في كل دولة والأمطار والإطماء والتبخر، مؤكداً حدوث طفرة كبيرة في المجال التعاوني مقارنة بفترة التسعينات، مشيراً إلى أن مبادرة حوض النيل جاءت بفكرة ورؤية متقدمة، حيث تمثلت رؤيتها في اقتسام المنافع بدلاً عن اقتسام المياه حتى استطاعت هذه الرؤية المتقدمة إزالة فتيل النزاع الأساسي، مؤكداً أن هذا يعتبر تحولاً كبيراً في الأفكار، معرباً عن أمله في زيادة التعاون بين دول الحوض. وقال: إن وجود مصر خارج التعاون قد أثر على مسيرة التعاون، الأمر الذي انعكس على مصر ودول حوض النيل بسبب تجميد مصر للتعاون.
وقال: إن مفهوم التعاون الآن قد تغيَّر من قسمة للمياه إلى المنافع المشتركة.
مشاهدات:
(ـ) الوفد السوداني من الصحفيين ومسؤولي الاتصال ضم بالإضافة إلى شخصي الأستاذ الدكتور “خالد التيجاني” والأستاذ “محمد حامد جمعة” ومن وزارة الموارد المائية والري والكهرباء البروفيسور “سيف الدين حمد” مشارك أساسي، والدكتور والخبير الدولي “سلمان محمد أحمد سلمان” والمنسق الإعلامي بالوزارة الأستاذ “محمد جاويش” والأستاذة “رقية الجيلاني”.
(ـ) السفير السوداني برواندا “صلاح الجنيد” جاء لزيارة الوفد السوداني أكثر من مرة، وقد تفضل بدعوتنا إلى مأدبة عشاء بمنزله العامر، كما دعانا للطواف بالمدينة بواسطة سيارته، وقد كان، حيث زرنا المتحف بـكيغالي والذي عرض به كل الصورة الخاصة بالمشاكل التي حدثت برواندا، وأدت إلى الإبادة الجماعية، كما تعرفنا على المباني السيادية والسفارات ومباني الإسكان الشعبي والتي صممت على طراز حديث.
التحية للسفير السوداني الأستاذ “صلاح الجنيد” وطاقم سفارته الذين باتوا يمثلون الوجه المشرق للسودان.
(ـ) ونحن في دولة كينيا والتي مكثنا فيها يوماً للذهاب لرواندا طفنا بها ونحن في طريقنا إلى الفندق الذي سنمكث لليوم التالي، وشاهدنا الفندق الذي شهد اتفاقية نيفاشا، فمطار نيروبي يبعد كثيراً عن المدينة، حيث الخضرة والجمال الذي يحيط بكل الجنبات، الأمر الذي يجعلك تتلفت يمنة ويسرة.
(ـ) ما لفت انتباهنا، ونحن بدولة رواندا، الطبيعة التضاريسية الجميلة والعمران الراقي والخضرة والجمال والنظافة التي جعلت من عاصمتها كيغالي المدينة السياحية الأولى، والتي تعتمد في اقتصادها على السياحة، مورد أساسي في رفد خزينتها بالموارد، حيث استطاعت وفي فترة وجيزة من الإبادة الجماعية بها والتي توقفت من العام 1994م، أن تتحول إلى مدينة سياحة حتى كتب الكتاب من شاكلة (رواندا من الإبادة الجماعية إلى دولة سياحية).
(ـ)أيضاً المستوى العالي من النظافة، حيث تم تخصيص يوم (السبت) بكيغالي ليكون يوماً للنظافة.. تخرج الأسر أو من ينوب عنها لنظافة المدينة والتي تغتسل يومياً بالأمطار التي تهطل بمستوى يومي.
(ـ)المواتر بكيغالي وسيلة للمواصلات لمن أراد أن يصل في وقت وجيز والتي تشبه وسيلة (الركشات) بالسودان.
(ـ) في طريق عودتنا للسودان مكثنا أيضاً يوماً كاملاً بنيروبي وكان فندق “المريديان” هو محل إقامتنا، وبعدها تحركنا للسودان ووصلنا فجر (الاثنين).
جمال نهر “ريسمو”
(ـ) تذكرت مقرن النيلين عندما زرنا نهر “ريسمو” والذي يربط أربع دول (رواندا وبورندي ويوغندا وتنزانيا)، فقد يجسد نقطة الالتقاء بين بورندي ورواندا، وكأنه مقرن النيلين.
(ـ) ونحن في طريقنا من النهر الذي يشبه في اقترانه ملتقى النيلين، لكيغالي تمت استضافتنا لتناول وجبة الغداء، وكان من ضمن الأصناف التي عرضت في الوجبة (البليلة) التي اشتهرت بها الولاية الشمالية وقد اخترتها من بين الأصناف المعروضة.
(ـ) بعد انتهاء كل محاضرة نجد كل المحاضرات التي قدمت خلال اليوم في (الإيميلات) مدعَّمة بالصور، كما تم مدنا بكل ما هو مطلوب، بالإضافة إلى تكوين قروب في (الواتساب) يضم المشاركين لسهولة التواصل.
د. “سلمان محمد أحمد سلمان” الخبير الدولي المعروف، قدم ورقة عن القانون الدولي للمياه، وركز على اتفاقية الأمم المتحدة للمجاري المائية باعتبارها اتفاقية إطارية متوازنة، وأشار إلى أنها تمثّل عصارة التجارب الإنسانية في قانون المجاري المائية الدولية، وكيف أن لجنة القانون الدولي درست ذلك على مدى ثلاثة وعشرين عاماً.
وذكر “سليمان” أن الاتفاقية أنبنت على مبدأ التعاون بين الدول المشاطئة للمجرى المائي المشترك، وأكّدت أن القانون الدولي للمجاري المائية هو قانون التعاون.
ونبَّه في ذات الوقت إلى أن الاتفاقية تعطي كل دولة من دول المجرى حقوقها في ذلك المجرى، لكنها تفرض عليها واجبات تجاه دول المجرى الأخرى، وتجاه المجرى المشترك نفسه.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية