نصف الحقيقة
{ لو قررت الحكومة تحت وطأة الضغوط التي تتعرض لها الآن أن يعمل الوزير والمعتمد والوالي مجاناً بدون مرتبات وحوافز وبدلات، فالأوضاع الاقتصادية لن تتحسن، ودون الفقراء ستبقى على حالها إذا كانت الأنظار تصوب نحو هامش الأزمة، ولا يجرؤ أحد على وضع إصبعه على الجرح النازف والعلة والمرض!!
{ الوزراء في الحكومة (خشوم بيوت) والنظرة لمرتب الوزير ومطلوباته والأثقال التي على عنقه تختلف من حالة لأخرى، تبعاً لمرجعية الوزير الاجتماعية وتكوينه النفسي، وعلاقته بالمنصب الوزاري متى بدأت، وأية وزارة يجلس الوزير على قيادتها.. بعض الوزراء جاءوا مع الرئيس البشير في 30 يونيو 1989م ولمدة (22) عاماً هم في كرسي السلطة (أكلوا) خريفها، وجاء اليوم (صيفها)، ومثل هؤلاء الوزراء ينبغي لهم التبرع برواتبهم كاملة لمصلحة الشعب السوداني في مسغبته الحالية وفقره وسنوات القحط القادمات، ولن ينقص التبرع بمرتب الشهر والحوافز لمدة عامين أو أربعة شيئاً من مدخراتهم.. الوزراء القادمون لتوهم من الأمصار والقرى وأشباه المدن ولا تزال (الحنة) في أصابعهم، لا يملكون عقارات في الحي الراقي والمنشية وأركويت وكافوري، ولم يطوفوا الدنيا من الدوحة حتى ماليزيا، ولا يملكون منازل في جزيرة النخيل، هؤلاء حرام على الحكومة تخفيض رواتبهم المحدودة أصلاً.. من وزراء الحكومة من يفيض منزله بالضيوف القادمين من الأصقاع البعيدة، ومنهم من يدفع رسوم طلاب من عشيرته وأصدقائه، ومنهم صاحب القدح (والصينية) التي تخرج لضيوف (الديوان) ثلاث مرات في اليوم، هؤلاء إذا خفضت رواتبهم وسحبت سيارات الحكومة عن منازلهم إما تقدموا باستقالتهم طوعاً واختياراً هرباً من منصب أضحى عبئاً ثقيلاً، وإما (مدوا) أيديهم لمال الدولة و(أكلوا) حقوق المواطنين.. بطبيعة الحال هناك وزراء لا يطرق أبوابهم أصحاب حاجات ولا يدفعون (ديات) قتلى، ولا يدخل بيوتهم ضيوف هجعة الليل، يأكلون مع زوجاتهم وأولادهم ما تجود به (الأنفال)، هؤلاء (المنصب) عندهم جزء من الشخصية.
{ فئة رابعة من الوزراء أصحاب ثروة وتخصصات نادرة في الطب والزراعة والهندسة، لم (يأخذوا) من الحكومة إلاّ التسهيلات البسيطة و(عيونهم مليانة) منذ الصغر، إذا قررت الدولة أخذ كل مخصصاتهم لن ينقص ذلك من ثروتهم شيئاً.
{ لكن الهجمة الشرسة على الوزراء والمسؤولين والطعن اليومي في ذمم الناس ستجعل الوظيفة العامة (طاردة)، ويتأفف منها أصحاب الضمائر ومن لهم سمعة يخشون خدشها، وتصبح الوظيفة العامة منطقة طاردة لا يقبل تكليفها إلاّ من لا مهنة له غيرها..
فلماذا التهويل من قضية مخصصات الدستوريين وهي لا تنبي مشروعاً، ولن تنهض باقتصاد وطننا (المعروفة علته للقاصي والداني) ولكن من يجرؤ على الكلام؟!