النصف الآخر
القرار الذي أصدره الرئيس بتشكيل لجنة تقصي حقائق حول ملابسات أحداث فندق (السلام روتانا) بين مكونات اتفاقية الدوحة للسلام، يضع القرار نقطة على سطر الأزمة.. ويفترض بعد القرار أن (تسكت) الأطراف عن الحديث .. وتكف الصحافة عن الحفر عميقاً في أخدود الحدث وتترك للجنة وزير العدل مولانا “عوض الحسن النور” أداء واجبها.. وهي لجنة تقصي حقائق وليست أكثر من ذلك.. ترفع تقريرها لرئيس الجمهورية ليقرر بعدها ما سيحدث. وقد درجت الحكومة على إصدار قرارات بحظر النشر في مثل هذه الحالات بادعاء أن النشر يؤثر على سير العدالة.. وأي قضية حظر النشر فيها (دخلت) دهاليز الصمت والظلام خاصة إذا كانت ذات طبيعة مالية تتعلق بالفساد.. لكن النزاع بين فرقاء الدوحة هو نزاع سياسي وجزء من مخطط داخلي.. وخارجي يتسق بعضه مع بعض للإجهاز على البلاد بقرارات أممية يعد لها منذ فترة بذريعة الحرب والأوضاع الإنسانية في دارفور.. وبدأت نذر المواجهة من خلال تقارير مفوضية الاتحاد الأفريقي.. ومعركة (السلام روتانا) بين “أبو قردة” و”السيسي” ما هي إلا قطعة متناثرة من مخطط كبير جداً لا تعلم الحكومة إلا اليسير جداً منه .. وتتعاطى معه بحسن نية ولا مبالاة.. واتفاقية الدوحة التي صمدت طوال السنوات الماضية أحدثت اختراقاً حقيقياً في جدار الأزمة الدارفورية وفتحت أبواب السلام مع مجموعات مؤثرة جداً على الأوضاع في الإقليم، مثل مجموعة “دبجو” التي هي جزء من حركة العدل والمساواة المنشقة على نفسها، ثم جاءت حركة “حمدين بشر” العسكرية التي تم استيعابها الآن.. وتحقق قدر من الرضاء لأهل دارفور داخلياً من خلال المشروعات التي نفذتها الحكومة في دارفور وهي مشروعات كبيرة جداً لم تحدث مثلها منذ أكثر من (30) عاماً.. وإزاء ذلك نشطت محاولات داخلية وخارجية لإجهاض اتفاقية الدوحة.. أولاً بتقسيم الحركات الموقعة عليها على خلفيات اثنية وقبلية وعرقية.. ثم ضرب حركة التحرير والعدالة الموحدة إلى حزبين أو أكثر وتحريض الحركتين على بعضهما.. وإزاحة د. “التجاني سيسي” الذي رفض كما قال في حديثه لـ(المجهر) كتابة تقارير تدين الحكومة وتعزز مزاعم وجود انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان.. بل قدمت للسيسي إغراءات مالية ولوجستية لتكوين حركة مسلحة جديدة.. وحينما رفض ذلك بدأت محاولات إبعاده من موقع رئيس السلطة وتمزيق جسد الاتفاقية.. وضرب العلاقة بينه و”بحر إدريس أبو قردة” لدفع أمرها للتمرد مرة أخرى.. حتى يكتب شهادة على نفسه وعلى اتفاقية الدوحة بأنها (ماتت) وما عادت تشكل وصفة لعلاج القضية الدارفورية، ولابد من تفاوض جديد وفق مسار جديد.. وقد تكشفت هذه النوايا من خلال حديث مجلس السلم والأمن الأفريقي عن عملية سلام واحدة في السودان بمسارين.. أحدهما خاص بدارفور وآخر خاص بجنوب كردفان والنيل الأزرق.. ولذلك قضية النزاع داخل حركة التحرير والعدالة بجناحيها ليست قضية جنائية وأعمال شغب محدودة في فندق (السلام روتانا)، بل هي قضية سياسية عميقة.. ولن تفلح لجنة مولانا “عوض الحسن النور” إلا في تحديد مسئولية الأفراد الذين قاموا بأحداث الشغب في تلك الليلة، ولكن من وراء هؤلاء الأفراد؟؟ وكيف تستطيع الإرادة السياسية للدولة تجاوز المطبات الهوائية التي تتعرض لها اتفاقية الدوحة الآن، وإجهاض المؤامرة الكبيرة على “السيسي” و”أبو قردة” معاً.. وقبلهما أهل دارفور وحكومة السودان.