مفاجأة الرئيس
تفاجأ كثير من قيادات المؤتمر الوطني بالنقد الذي وجهه الرئيس “البشير” لأداء الحزب خلال الفترة الماضية، بعد أن وضع أصبعه على مكمن الداء وهو ضعف الأداء الحزبي للمؤتمر الوطني في الأحياء والقرى و(الفرقان)، والأخيرة قد تحتاج إلى شرح وهي تعني مضارب الرحل في البوادي. وأقر الرئيس بحقائق الواقع الذي يعيشه حزب المؤتمر الوطني على المستويات الدنيا، بينما للحزب وجود على الصعيد السياسي العام. ويكاد الحزب يسيطر على الساحة الوظيفية في الخدمة العامة وفي الجامعات.. ووسط الطبقات الوسطى والعليا في المجتمع.. وضعف حزب المؤتمر الوطني في القاعدة الأساسية كما قال الرئيس يتمثل في دوره السلبي في الأحداث القبلية والصراعات في دارفور.. وقد اختفى الحزب من مسرح الأحداث تماماً واتكأ على ظهر الحكومة بينما الذين يقاتلون هم قاعدته من الجماهير التي حملتها الحمية والعصبية لرفع السلاح في وجه بعضها البعض.. بل أن قيادياً كبيراً ووالياً للولاية الثانية في السودان بعد الخرطوم من حيث الكثافة السكانية (جنوب دارفور) قد طالب جهراً أعضاء شورى الوطني بالتوصية بحل مجالس شورى القبائل التي ينشط فيها منسوبو المؤتمر الوطني أكثر من غيرهم.. وقال “آدم الفكي” في مداولات الشورى إن مجالس شورى القبائل تشكل خطراً بالغاً على وحدة الصف.. مما يستدعي حلها.. وهو ذات ما ذهب إليه القيادي “حسين الطاهر أبو حجيل” حينما قال (لقد أصبحت ولاية الخرطوم حاضناً للنظام الأهلي وما كان للخرطوم أن تصبح كذلك، لو أننا تدبرنا خطورة تكوين مجالس الشورى القبلية والإدارة الأهلية).
إذا كانت قيادات المؤتمر الوطني على أرفع مستوى تجأر بالشكوى من ضعف الحزب في المستوى القاعدي وانصرافه عن مسئولياته، فإن لهذا الضعف أسباب عديدة صمتت عنها قيادات الحزب خاصة في الولايات، وبما في ذلك ولاية الخرطوم التي سجلت صفراً كبيراً في الانتخابات الأخيرة وتذيلت القائمة مما عجل بالتغييرات الأخيرة، إلا أن القضية ليست في الأشخاص بقدر ما هي غياب التنافس وضعف الأحزاب الأخرى وانصرافها عن النشاط السياسي إما بسبب المضايقات التي تتعرض لها.. أو ليأسها من قدرتها على منافسة المؤتمر الوطني الذي ابتدع صيغة التنازل عن الدوائر الجغرافية للأحزاب حتى تجد لها موطئ قدم في البرلمان والمؤتمر الوطني (لا تنقضي عجائبه). وقد جهرت قيادات مخلصة في الشورى بنقد صيغة إخلاء الدوائر لبعض الأحزاب الضعيفة التي حملها المؤتمر الوطني على (كتفيه) من أجل توطينها في البرلمان.
إذا كان الوطني حريصاً على وجوده هو في القواعد عليه فتح أبواب الحرية للأحزاب لتعمل دون قيود.. لأن ذلك من شأنه بعث روح التحدي وسط القواعد وشعورها بخطورة الآخر، وما يقوم به الآن حزب المؤتمر السوداني من نشاط في الأسواق والساحات العامة بتحريض الناس على الحكومة قد يبدو نشاطاً غير قانوني وتحريضياً، ولكنه نشاط مفيد للمؤتمر الوطني ويبعث في جسده الحركة والنشاط.. وحينما كانت الحركة الشعبية جزءاً من الممارسة الديمقراطية فاز المؤتمر الوطني بالانتخابات التكميلية في جنوب كردفان بصعوبة بالغة و(قام) نفس الحزب من بورتسودان حتى الجنينة، ولن تستقيم الممارسة ويكسب الوطني عضوية ملتزمة ومتماسكة ويتجنب الصراعات والتصدعات والانقسامات الداخلية، إلا في حال وجود منافسين حقيقيين في الساحة بدلاً من الأحزاب التي يضطر الوطني لحملها على ظهره، وأن تصبح الانتخابات معياراً للمشاركة في السلطة ولكن أن يفشل حزب في الحصول على مقعد واحد في البرلمان ويسقط في كل الدوائر ورغم ذلك يمنح المقاعد الوزارية ليحكم الناس، فتلك هزيمة للعملية الانتخابية قبل أن تكون هزيمة للمؤتمر الوطني نفسه.