تقارير

المصريون في أول تجربة ديمقراطية.. من يكسب الرهان؟!!

تجري هذا الأسبوع أول انتخابات ديمقراطية في مصر لاختيار رئيس الجمهورية بعد الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بالرئيس الأسبق حسني مبارك، ويحق التصويت فيها لحوالي 50 مليون نسمة؛ من مجموع  82 مليون نسمة، وسيبدأ الانتخاب بعد غدٍ الأربعاء، ويتم الاقتراع خلال يومي 23 / 24 من شهر مايو الجاري، ويبدأ الفرز في يوم 26 من الشهر نفسه، وسيخوض منافسة الرئاسة المصرية 13 شخصاً؛ وفقاً للإرهاصات الأولية، فإن المنافسة تنحصر بين خمسة أشخاص هم، الأمين العام للجامعة العربية الأسبق “عمرو موسى” ورئيس الوزراء في نظام حسني مبارك البائد “أحمد شفيق” و”محمد مرسي” مرشح حزب الحرية والعدالة، والقيادي السابق بتنظيم الأخوان المسلمين دكتور “عبد المنعم أبو الفتوح”  والناصري”محمدين صباحي”. هذه الانتخابات تجد اهتماماً كبيراً من المواطن المصري الذي يعتقد أنه لأول مرة سيشارك في انتخاب من يحكمه بكامل حريته، ووفقاً لقناعاته السياسية والفكرية، والرئيس هذه المرة لابد أن يعبر عن إرادة شعبه الذي قاد ثورة 25 يناير وأسقط “حسني” أو هكذا يظن مفجروها، وبالمقابل يترقب الخارج هذا الحدث الاستثنائي في مصر، ويتابع تفاصيل انتخابات الرئاسة للتعرف على القادم الجديد الذي ستؤثر سياساته على توازنات القوى الدولية والإقليمية، فأمريكا مثلاً تنظر للتطورات المقبلة في مصر من واقع حرصها على الأمن الإسرائيلي، بينما ترى دول إقليمية أخرى ضرورة إحداث تغيير بحجم الثورة الشعبية يعيد دور مصر الاستراتيجي في المنطقة، وحتى نستطيع تقريب الصورة لابد من التعرف على المرشح الأوفر حظاً للظفر بكرسي الرئاسة. 
* الناظر للمتنافسين الخمسة يصل إلى أن هناك صراعاً مركباً بين الإسلاميين من جهة؛ وبين اللبراليين من جهة أخرى، وإذا ابتدرنا الصراع  بالإسلاميين نجد أنه  محتدم بين الإخوان المسلمين والسلفيين، خاصة بعد اختلاف القيادي بتنظيم  الإخوان المسلمين السابق دكتور” عبد المنعم أبو الفتوح” مع حزبه  واتخاذ قرار بخوض الانتخابات مستقلاً، والآن- بحسب المعطيات- فإن أبو الفتوح يعتبر من الشخصيات الأكثر حظاً للفوز بالرئاسة، فأبو الفتوح يحظى بدعم السلفيين، كما يجد تأييداً من رجل الشارع العادي الذي يحفظ للدكتور وجوده في قلب الميدان؛ الذي تمخضت من رحمه هذه الثورة الشعبية، ومن شخصيات قومية إسلامية معروفة بشعبيتها في مصر، مثل الشيخ” يوسف القرضاوي” الذي أعلن في برنامج (الشريعة والحياة) وقوفه مع أبو الفتوح، كما أفتى بحرمة التصويت لشخصيات ذات صلة بالنظام السابق     
* القبول الذي وجده أبوالفتوح كان أحد الأسباب التي أدت إلى تراجع شعبية  تنظيم الإخوان المسلمين، فهو رجل منفتح وموجود وسط الناس، وقبل ذلك نشأ في أحضان أسرة فقيرة، وفي بداية حياته كان يعتبر “عبد الناصر” مثله الأعلى؛ لكن بعد التحاقه بالجامعة انضم لتنظيم الإخوان المسلمين، وكان ذلك في عام 1971   وتميز بالنشاط وسعة الأفق؛ لكنه مؤخرا اختلف مع تنظيمه وفضل الانفصال. 
* بجانب منافسة أبو الفتوح للإخوان المسلمين، يعتقد المراقبون أن هناك  أسباباً أخرى قد تعيق تقدمهم تتعلق بممارسات تنظيم (الإخوان) بعد سقوط النظام السابق؛ التي اعتبرها المراقبون أخطاء فادحة، فبعد سيطرة الإخوان على مجلس الشعب، قال رجال القانون كان بإمكان الإخوان إلغاء القوانين الدستورية إلا أنهم عملوا على تعديلها؛ بعدما استمعوا إلى نصيحة المجلس العسكري  كما يقول الدستوريون، الأمر الذي جعل الناس يتحدثون عن أن المجلس العسكري استطاع تمرير قراراته عبر الإخوان وهناك مواد الآن تهدد الإخوان حال عدم فوزهم بالرئاسة؛ لأنه- بحسب القانون-  رئيس الجمهورية يمكنه حل البرلمان الذي يتمتعون بأغلبيته، ولهذا السبب الآن الإخوان والسلفيون أصبحوا يطالبون بتعديلات تحقق التوازن بين الرئيس والبرلمان، كذلك لجنة الاقتراحات والشكاوى بمجلس الشعب كانت قد وافقت  على اقتراح مشروع قانون بشأن المحكمة الدستورية العليا، وأخذ على الإخوان المسلمين حديثهم عن مؤسسة القضاء الأمر الذي اعتبره أعضاء المحكمة محاولة لذبحهم وعزلهم، وإعادة تشكيل هيئتها، وفقاً لوجهة نظر الإخوان.
 وعلى أية حال أدت هذه الأشياء إلى إشاعة جو من عدم الثقة.
* بعض المواطنين كذلك- بحسب إفادات  متابعين- ماعادوا يثقون في الإخوان بعد تجربتهم في مجلس الشعب؛ ولكن مقربين من الإخوان لم يستبعدوا أن تكون هناك حملة؛ تمت وسط رجل الشارع العام الذي صوت لصالحهم في انتخابات المجلس، مفادها ماذا فعل هؤلاء لكم؟؟ بغرض التخويف، في حين أن الإخوان لم يكن في يدهم شيءٌ ليفعلوه؛ لأن السلطة بيد المجلس العسكري وحكومته الانتقالية.
* قيادي إسلامي في السودان عندما زار مصر بعد الثورة قال: إن الإخوان تنظيم قوي؛ لكنه حتى الآن لم يخرج من إطاره الخاص إلى فضاءات عامة الناس؛ لاسيما أن الثورة كانت مولوداً ينتمي إلى عامة الشعب، فيما لا يزال الإخوان منشغلين بقضاياهم فقط ، رغم ذلك يؤكد القادمون من مصر أن الإخوان الآن من أكثر التنظيمات الفاعلة في المجتمع، ويديرون معركتهم عبر ما أسموه (السلسلة البشرية) التي تعتبر من التجارب الجديدة كأطول سلسلة عرفها العالم، في مثل هكذا انتخابات، ولهذا السبب لا يستبعدون أن يفاجئ الإخوان الناس؛ بإحراز نتيجة متقدمة خاصة أن مرشحهم    الدكتور “محمد مرسي” نشأ كذلك في كنف أسرة بسيطة بقرية (العدوة) بمحافظة الشرقية وسبق أن حصل على أعلى الأصوات في انتخابات مجلس الشعب دورة 1995 /2000 واعتقل أيام ثورة يناير في 28 يناير 2011 حتى لا يشاركوا في اعتصام غضبة الجمعة. 
* في حالة انقسام أصوات الإسلاميين بين أبو الفتوح ومرسي؛ يتوقع المحللون أن يكون  الأمين العام للجامعة العربية الأسبق “عمرو موسى” الأوفر حظاً بالفوز بمقعد الرئاسة المصرية، فعمر الذي ولد بالقاهرة في العام 1936 يتمتع بقبول وسط المواطنين، رغم مشاركته في النظام السابق كوزير للخارجية من العام 1991 /2001 وشغله لمنصب الأمين العام للجامعة العربية، وبالمقابل هو رجل دبلوماسي من الطراز الأول، ويعتقد كثير من المحللين أن لعمر موسى طموحاً شخصياً دفعه للترشح للرئاسة، يريد أن يختم حياته بمنصب رئيس، بينما يرى آخرون أن وجهه مقبول على المستوى العالمي.
* لكن كما يتنافس المحسوبون على الإسلاميين على أصوات الإسلاميين، يعتبر الناس كذلك أن عمرو موسى وأحمد شفيق رئيس وزراء حكومة حسني السابقة بجانب الناصري حمدين صباحي سيتنافسون حول أصوات اللبراليين في مصر، وأن يبدو حتى الآن أن عمرو موسى هو أكثرهم تقدماً، كما الحال بالنسبة لـ”عبد المنعم أبو الفتوح” في الاتجاه الثاني الإسلامي، والسبب يعود إلى أن “احمد شفيق” يعتبره المصريون أحد وجوه عناصر النظام السابق الذي عملوا على إطاحته، وإعادته تعني استنساخ نظام مبارك مرة أخرى، لكن المشهد العام يدل على دعم المجلس العسكري لأحمد شفيق؛ الذي تقول سيرته: إنه ولد في القاهرة في تشرين الثاني – نوفمبر 1941.وتخرج في الكلية الجوية عام 1961 عمل طياراً بالقوات الجوية المصرية، وشارك في كل الحروب التي خاضتها مصر عبر عمله في المؤسسة العسكرية المصرية.
ويعد أحمد Error! Hyperlink reference not valid.أحد المسؤولين المقربين من الرئيس مبارك، وتدرج- مثله- من المؤسسة العسكرية التي خدم فيها في سلك الطيران؛ حتى وصل إلى رتبة فريق قبل أن يتولى حقيبة وزارة الطيران في الحكومة المصرية عام 2002.تولى رئاسة أركان القوات الجوية عام 1991، ثم عين قائداً للقوات الجوية في ابريل/نيسان 1996، وقد بقي في منصبه حتى عام 2002 حيث عين وزيراً للطيران المدني في الحكومة المصرية.
وظل Error! Hyperlink reference not valid.لوقت طويل عسكرياً مهنياً بعيداً عن ممارسة النشاط السياسي، لذا بدا بالنسبة للكثيرين من شخصيات الظل البعيدة عن مقدمة المشهد السياسي المصري.
وقد تعطيه هذه الصفة جواز قبول في الشارع المصري أو في المؤسسة العسكرية ووفقاً لتوقعات المؤيدين له. 

•   لكن هناك من يتخوفون من وقوف  قوة خارجية إلى جانبه حتى تقطع الطريق أمام الإسلاميين؛ لأن فوزهم يعني بالنسبة للغرب السيطرة على دولة ذات أبعاد استراتيجية، ظلت طوال السنوات الماضية تمثل الحصن المنيع لأهداف وأغراض بعض الدول الغربية؛ لذلك يرى معظم المراقبين أن الانتخابات إذا تمت بشفافية ونزاهة فإن غالبية الشعب المصري لن ينتخب أحمد شفيق، وهناك ثمة إشارات  تعضدد هذا الاعتقاد؛ يمكن أن يلحظها الناس في أحداث الشغب التي صاحبت ندوته بمدينة أسوان.
• أما المرشح “حمدين صباحي” فقد ولد بـ(لطيم) بمحافظة كفر الشيخ عام 1954 وينتمي أبواه إلى الأغلبية الساحقة من المصريين، ويحسب له أنه خاطب عقل الشعب المصري عندما قال في أحد مخاطباته: إنه سيوقف تصدير الغاز إلى إسرائيل؛ لكنه سيلتزم باتفاقية السلام “حمدين” من المؤيدين للفكر الناصري؛ وكان زاهداً في أصوات الإسلاميين حينما أشار في أحد تصريحاته إلى أن التيار السلفي أصبح مصدر إزعاج، ووصفه بالمتطرف، وواضح أن هذه التصريحات ستدعو اليسار  والتيار المنفتح في  مصر؛ إلى دعمه؛ لكن هل هذا ما يريده المواطن المصري وأين موقع شباب ثورة 25 يناير من مرشحي الرئاسة، توجهت بهذه الأسئلة  لأحد شباب الثورة، فأكد أن أصوات الثوريين منقسمة بين الدكتور عبد المنعم ابو الفتوح وحمدين صباحي والسبب يعود إلى وجودهم في الميدان أيام اندلاع الثورة
•  في الختام يمكن القول: إن المنافسة  محصورة بين الشخصيات الخمسة هذه ويتقدمهم عبد المنعم أبو الفتوح وعمرو موسى فهل سيصعد الإسلاميون أم سيظل النمط الليبرالي هو القابض على الحكم في مصر.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية