أخبار

في ولايتين (2)

{ يواجه شمال القضارف الولاية محلاً وقحطاً جراء نقص الأمطار وشمال القضارف هي الأرض البكر (البطانة) التي كم رفدت هذا الوطن بالنوابغ من الشعراء والأدباء.. وكم غذت شرايين الاقتصاد بصادر الإبل والضأن وقليل من الأبقار. والي القضارف المهندس “ميرغني صالح” قال في اجتماع مجلس وزراء حكومته، إن معدلات الأمطار في كل الولاية خلال النصف الأول من شهر أغسطس تضاهي وتماثل معدلات الأمطار في الموسم الماضي الذي يعتبر موسماً (استثنائياً)، ولكن الأمطار في يوليو كانت شحيحة جداً أقل من نصف المعدل.. إلاّ أن الصورة تكذب الهوة.. والطائرة الرئاسية المروحية تحلق بنا في الفضاء الممتد من القضارف شمالاً نحو الخرطوم  حيث تختفي الخضرة بعد دقائق من مغادرة القضارف، وتحل محلها أرض جرداء يابسة.. تكتسي بلون السواد في المشاريع الزراعية التي بعضها اختار حرث الأرض يابسة في انتظار رحمة السماء.. يعلو الغبار (التراكتورات) التي تحرث اليابسة.. والدكتور “الفاتح الحسن المهدي” مدير مكتب نائب الرئيس يبدو قلقاً على (بطانة أم ساق) من جهة ومطمئناً في ذات الوقت كيف ذلك، يقول إذا لم تهطل الأمطار في البطانة الأيام القادمة تتضور النوق جوعاً وتهجم على المزارع في الجنوب.. ولكن الإنسان في السودان لن يجوع لوجود احتياطي من الذرة يكفي لعامين قادمين.. قطعان الإبل تبحث عن الشجر المورق.. وبعض المشاريع الزراعية لا يزال قصب الذرة من الموسم الماضي يقف صامداً.. واختفت الخضرة من البطانة حتى حلقت الطائرة في سماء شرق الخرطوم لتطل مشروعات أعلاف “أسامة داؤود” الذي كان يحتكر غذاء إنسان السودان بأفضلية الاحتكار.. ويغذي الحيوان في الخرطوم ودبي بدولة الإمارات العربية المتحدة.
{ القضارف الجنوبية تمثل مركز ثقل زراعي يطعم إنسان السودان من الجوع.. ويتم وصفها (بمطمورة) البلاد.. لتخزين الغلال والمطامير هي حفر عميقة داخل الأرض لتخزين الذرة لإنسان عصور ما قبل الحداثة.. لكن في العام الماضي لجأت حكومة السودان لاستعادة المطامير لتخزين الإنتاج الوفير من الذرة في القضارف وسنار حيث (حفرت) الحكومة (224) مطمورة بالقضارف و(45) مطمورة في سنار لتخزين (4) ملايين جوال من الذرة. وقد أشاد مدير عام البنك الزراعي بالمهندسين الذين حفروا الأرض (مطامير) في عهد الحداثة والتخزين الذي تستخدم فيه الكهرباء، وذلك للحفاظ على جودة الذرة لسنوات عديدة.. ولكن في ظل شح صوامع الغلال وضعف السعة التخزينية تلجأ الدولة لحفر المطامير لتعيد بذلك ذكرى تراث قديم محبب لنفوس الجيل القديم.. ولكن مطامير البنك الزراعي مهددة بعوامل الأمطار ورطوبة الأرض وهي حل مؤقت إلى حين أن تنفق الحكومة أموالا لزيادة السعة التخزينية وإذا كانت ولاية الجزيرة قد جمعت بين السودانيين من الغرب والشمال والشرق، فالقضارف زادت على ذلك بأن أصبحت ملتقى لشعوب القارة الأفريقية جاءوا لأرضها قادمين من غرب أفريقيا ومنحتهم الأمان والحنان والجنسية والرقم الوطني، وجاء إليها من الهضبة الإثيوبية آخرون ليتمازجوا مع القادمين من الغرب الأفريقي ومن الجنوب أيضاً.. وإنسان القضارف يمثل (مزيج) من أجناس وقبائل وذلك مصدر ثراء وقوة لأن الجميع يستظلون براكوبة الإنتاج وكسب عرق الجبين.
{ حكومة القضارف تبدو أكثراً تماسكاً وتجانساً حتى العنصر النسوي الذي تم اختياره بدقة تمثله المحامية والبرلمانية “عواطف الجعلي”، وهي من القيادات التي تجهر بما تؤمن به مما جعلها بعيدة عن البرلمان.. وتتفاءل قيادات القضارف بالوالي “صالح” بحسبانه يقف بعيداً عن صراعات الوطني الداخلية ومراكز قواه والقضارف رغم الثراء والإنتاج، تعتبر فقيرة من حيث الخدمات الأساسية من مياه وطرق وصحة ونمو عمراني.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية