إلى الفريق "صلاح قوش" .. مع خالص تحياتي
ليس صحيحاً ما قاله مدير جهاز الأمن والمخابرات السابق الفريق أول “صلاح قوش” في حديثه الصحفي مع الزميل المحاور الجيد “صديق دلاي” بصحيفة (السوداني) قبل أيام، عندما سئل عن مواقفه من الصحافة السودانية فقال: (الهندي عز الدين هاجمني عندما كنت في المعتقل، ولم يهاجمني عندما كنت مديراً للجهاز وما كتبه خصم من رصيده والشعب يعرف صلاح قوش).
ورغم أن تأثر الفريق “قوش” بما كتبنا، واختصاصه بالذكر لمقالاتنا دون غيرها، وتسفيهه لأقلام أخرى مهمة، يحسب عندنا في إطار التقدير لا التقليل، والتزكية لا الطعن، باعتباره كان المسؤول الأول عن كل مصادر المعلومات ومعامل تحليلها داخل الدولة، وبالتالي هو الأعرف بمواقع ومنابر التأثير والقدرة على قيادة الرأي العام أكثر من غيره، إلا أنني في حاجة لتذكير سعادة الفريق بأنني هاجمته كثيراً من خلال نقدي لطريقة ومنهج إدارته للملفات الأمنية والسياسية خلال فترة رئاسته للجهاز، وبالطبع لم يكن ممكناً، ولا مسموحاً حتى بموجب قانوني الأمن والصحافة أن أكتب بمباشرة في ما يتعلق بأداء قادة القوات النظامية والأمنية على طريقة: (“صلاح قوش” فشل في كذا وكذا .. أقيلوا “قوش” من رئاسة الجهاز … ) !!
لكنني – والأرشيف موجود بدار الوثائق السودانية – كتبت مراراً وتكراراً عن فشل الدولة في التعامل الفطن مع ملف (التعاون مع السي . آي . أيه . في مكافحة الإرهاب) .. وظللت أردد لسنوات إبان حقبة الفريق “قوش” أن السودان قبض الريح، ولم يحقق أي مكاسب من هذه العلاقة، وأن سيف العقوبات الأميركية ما زال مسلطاً على رقبة حكومتنا كل عام !!
وكتبت عديد المرات عن مخادعة نظام “القذافي” لحكومتنا، ودعمه وتمويله للحركات المسلحة في دارفور، وكذا الحكومة التشادية في تلك الفترة، رغم العلاقات الوثيقة التي كانت تربط مدير مخابراتنا السابق بقادة النظامين، ورغم توالي زياراته السرية والعلنية للعاصمتين “طرابلس” و”انجمينا”، ولكن النتيجة كانت صفراً كبيراً، ومزيداً من (القلاقل) والمؤامرات والمتحركات الغازية عبر حدود الدولتين الجارتين !!
وإذا كنت قد ظللت انتقد تلك السياسات وأحدث الناس عن تلك الأخطاء، بغرض الإصلاح العام، لا التجني على أحد أو استهداف فرد، فإنني بالتأكيد قد (هاجمت) “صلاح قوش” أثناء توليه المنصب الرفيع الحساس، ولم أهاجمه كناقم عليه، أو حامل ضغينة ضده، فللحقيقة والتاريخ أنني لم اعتقل ساعة في عهد “قوش”، ولا منعت من الكتابة، ولا صودرت لي صحيفة .
صحيح أنه صودرت لي الكثير من الأعمدة خلال فترة (الرقابة القبلية) سيئة الذكر، ما اضطرني للإضراب عن الكتابة لنحو أسبوعين في العام 2008، وغادرت البلاد مبتئساً وغاضباً، فأوعزت السلطات لبعض الصحف والصحفيين أن يكتبوا في أبواب (الأسرار) أن “الهندي” يقضي إجازته السنوية في “المغرب”، كما ورد في (الانتباهة) حينها، مع أنني كنت في (المشرق) وليس (المغرب)، كما أنني لم أطلب إجازة سنوية طيلة سنوات عملي بالصحافة !!
المهم أنني لم أتضرر من “قوش” كما تضرر منه “حسين خوجلي” – مثلاً – وليست لدي مشكلة نفسية أو شخصية معه، ولا مع كل الذين أهاجمهم (بالاسم)، وما استخدام الأسماء عندي – في حالة المسؤولين – إلا طريقة خاصة للتقريب والتبسيط والمباشرة ، وتحديد عنوان الرسالة .
غير أنني كنت أرى وما زلت .. أن الفريق “قوش” تمدد بالجهاز إلى أعماق (مياه سياسية) وأقتحم أراضي الجهاز السياسي عملاً بنظرية (سد الفراغات) التي ابتدعها، ومع استمرار حالة التمدد، ضعف الأداء المهني وانشغل مدير المخابرات بالسياسة داخل وخارج مهام التكليف، وبرزت طموحات (الجنرال المهندس) فاصطدمت – وكان لابد أن تصطدم يوماً – بمواقع نفوذ سياسي مختلفة داخل الدولة، فكان ما كان .
عزيزي الفريق أول مهندس “صلاح قوش” .. مع اختلافنا في الرؤى تجدنا نحترم جداً شجاعتك .. وفروسيتك .. وقوة عزيمتك .. وحبك المتواصل ودعمك الغزير لأهلك في “مروي” (شايقية) و(عبدلاب) .. فهم بعض من أهلنا السودانيين الأصلاء .. واعلم بأننا حتى وإن هاجمناك وأنت في (المعتقل)، فلأننا كنا نعلم يقيناً أنك في (استراحة محارب) .. ولن تذهب إلى (الدروة) كما اقتيد إليها “هاشم العطا” و”بابكر النور” و”فاروق حمد الله”، وضباط حركة (رمضان) من البعثيين والقوميين العرب- رحمهم الله جميعاً- كنا نعلم أنك ستعود للعمل العام يوماً (نائباً) إن لم تعد (وزيراً) ..
مع خالص تحياتي.