الديوان

حكايات وحكم توثق لنباهة وفطنة الشيخ "فرح ود تكتوك" حلال "المشبوك"

(السفر بالبيوت والكلام بالخيوط)
استعراض – يوسف بشير
الشيخ “فرح ود تكتوك” أحد الشخصيات السودانية التي اختلطت فيها الأسطورة بالواقع في التراث الشفهي الشعبي، وهذا أمر مرده إلى ضعف النقل للثقافة الوطنية عبر الأجيال، للطبيعة الصوفية التي انطبعت بها الذهنية الشعبية، حيث تميل إلى حفظ قصص الكرامات والخوارق أكثر من تسجيل الأحداث والوقائع، والشيخ “فرح” رغم اختلاط سيرته بكثير من الأساطير والحكايات، فهو يعد من الفقهاء الذين كان لهم إسهام واضح ودور تاريخي في قمع البدع ومحاربة الانحرافات السلوكية والعقدية في عصره.
من هو وأين عاش؟
يقول المؤرخ “نعوم شقير” في كتابه إن الشيخ “فرح ود تكتوك” اسمه بالكامل “فرح بن محمد بن عيسى بن عبدل بن عبد الله بن محمد بن الأبطح”، وينتمي الشيخ “فرح ود تكتوك” إلى قبيلة البطاحين. عاش مع (العبدلاب) واشتهر بالحكمة والفراسة والأقوال الخالدة مما يدل على نباهته وفطنته. واشتهر كذلك في تلك الفترة بحلال المشبوك نسبة لإجادته للحل السريع في أية إشكالية مهما عظمت. وعاش ودفن بقرية “ود تكتوك” ريفي الضيفان بـ”سنار” في زمن مملكة الفونج. واشتهر بين قومه بالحكمة فكان الناس يتناقلون كلماته وينتظرون كل ما يأتي به من أقوال حتى ملأ صيته الآفاق ولهجت به الألسن في كل بقاع السودان بنوادره الطريفة. ومما لا شك فيه أن سبب خلود حكمه وأقواله هي نظرته الواقعية إلى الحياة وفهمه العميق لنفسية الناس الذين كانوا يحيطون به في تلك الفترة، فكان بمثابة فيلسوف القرية يعالج مشكلات الناس ويستمد براهينه من الظروف والملابسات الملموسة.

أقوال خالدة
(ود تكتوك) رجل صالح وزاهد وحكيم زمانه، وقد حدث كل ما تنبأ به مثل مقولته (السفر بالبيوت والكلام بالخيوط)، السفر بالبيوت  يقصد السيارات والقطارات والطائرات السفن وغيرها، والكلام بالخيوط هي التلفونات والهاتف الجوال، في حين إنه في ذلك الزمن لم يسمعوا بالقطارات أو السيارات أو الهواتف مما يجعلنا في يقين تام أنه شيخ من شيوخ السودان الورعين الذين أسهموا في نهضة الفكر والثقافة السودانية الشعبية التي بعضها متداول بقوة حتى اليوم، ومنها ما لم يوثق له، ولكن أشهر حكمه وقصصه نوردها على حسب ما كتبه المؤرخون وما زالت متداولة مثل قوله:
الكذب والصدق
 يحكى عنه أن أحد الرجال كان هارباً من الجنود، فقال للشيخ “خبيني عندك”، فقام الشيخ بأخفائه تحت كومة من نبات القصب، وعندما حضر الجنود سألوا الشيخ إن كان قد رأى الرجل الهارب، فقال لهم إنه تحت كومة القصب، فلم يصدقه الجنود ظناً منهم أنه يريد أن يمنح الرجل فرصة للابتعاد وهم يبحثون في أكوام القصب، فلما ذهبوا خرج الرجل وهو غاضب، وقال له كيف تخبر الجنود بمكاني، فقال له قولته المشهورة والتي تقال حتى اليوم (لو ما نجاك الصدق ،الكذب ما بحلك).
كل يا كمي قبل فمي
(كل يا كمي قبل فمي)، وهذه القصة تروى عن الشيخ حين دعي إلى وليمة في دار أحد الأعيان الأثرياء، فلما وصل الدار منعه الحراس من الدخول لمظهره المتواضع ظناً منهم أنه متسول، فخرج إلى داره وأحسن لبسه وعاد ففتحت له الأبواب، وأحسنوا ضيافته، فلما حضر الطعام مد الشيخ طرف قميصه من اليد وصاح بأعلى صوته (كل يا كمي قبل فمي).
تعليم البعير
ومن النوادر التي حدثت للشيخ وكانت بها غرابة شديدة قصة تعليم البعير، ويروى فيها أن أحد ملوك مملكة الفونج راهن بعض جلسائه في قدرة الفقهاء والأولياء على تعليم بعيره الكتابة والقراءة، وطلب منهم جمع الفقهاء وألزمهم بالتصدي لهذه المهمة ولم يجدوا غير الشيخ “فرح”، فقبل وكان شرط الملك أن يتم تعليم البعير خلال أربعة أعوام فقط، وتوعده بالويل إن لم ينجز. وبعد أيام زاره بعض الناس وسألوه عن الحل من هذه الورطة، وفسر لهم: تمضي السنوات الأربع، وينفذ القدر إما في الأمير، وإما في البعير، وإما في الفقير. فرد عليهم قائلاً: بأن ملك سقيم العقل مثل هذا لن يدوم أكثر من هذه المدة، وفعلاً مات البعير والأمير وبقي الفقير.

جهوده في محاربة الانحرافات
تميز الشيخ “فرح” بمدرسة فقهية واجتماعية مناهضة للانحرافات التي كانت واقعة في عصره بكافة أشكالها، أول ذلك تأكيد هذه المدرسة على قيمة العمل والكسب ومناهضة التبطل والذي كان يمارسه من يسمون بـ”الفقرا” فكان يحرص على أن يعمل ويعمل تلاميذه وأتباعه
يا إيـد البدري = قومـي بـدري
اتوضي بـدري = صـلي بـدري
أزرعي بـدري = حـشـي بـدري
أحصدي بدري = شوفي كان تنقدري
وهاجم المنكرات السلوكية مثل شرب الخمور وغيرها من خلال وصفه لأنواع الرجال:
الرجال فيهم بحور = وفيهم رخم فيهم صقور
وفيهم ردي ولد تكور = ضيع عمره في شرب الخمور
هذا قليل من كثير تحويه سيرة هذا الشيخ الورع الذي ظل يعلم الناس أصول الدين بالحكمة والموعظة الحسنة.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية