رأي

الحركة الإسلامية من المهد للنظام الخالف (4)

بقلم: الدكتور علي السيد المحامي

هذه المقالات ليس المقصود منها التوثيق للحركة الإسلامية إنما هي دراسة لفكر (إخوان السودان) منذ النشأة إلى اليوم أعني بها الجيل الجديد خاصة الذي أتى الدنيا في عهد الإنقاذ أو قبلها بقليل موضحاً كيف تخلت الحركة عن الدعوة لله واتجهت للسلطة والجاه .
حل الحركة الإسلامية
 بعد نجاح الانقلاب طرح في مجلس الشورى تقليص المجلس بإخراج 60% والإبقاء علي 40% من العضوية الملتزمة لإفساح المجال للمستقطبين والعسكريين الذين ساهموا في الانقلاب  من غير أعضاء الجبهة الإسلامية القومية، وطلب من الحاضرين ممن يرغب في التخلي عن موقعه مغادرة مكان الاجتماع فلم يفعل أحد، وأخيراً أجريت القرعة بين الحاضرين وتم إخراج 60% من العضوية وتبقي 40% فقط في ذلك الاجتماع، تم اختيار آخرين من المستقطبين لمجلس الشورى ومجلس قيادة الثورة من غير الإخوان وآخرين من دونهم، لهذا ليس صحيحاً ما يقال أن الترابي قام بحل الحركة الإسلامية، فهذه هي الصورة التي تم بها الأمر بما يعني حل الحركة الإسلامية بصورتها القديمة، ومن وقتها دب الخلاف داخل الحركة فخرج من خرج دون عودة إلى يومنا هذا، لهذا يقال أن بناء حركة إسلامية جديدة اقتضتها ظروف الانقلاب العسكري .لابد أن أشير هنا  إلى أن قرار تشكيل الحركة الإسلامية، بما يساعد على استيعاب غير الملتزمين بفكر الحركة تم بناءً على قرار من مجلس الشورى ووفقاً للأسس التنظيمية للحركة، وتم في اجتماع ترأسه السيد الدكتور “إبراهيم أحمد عمر” ومجلس الشورى هو الجهاز الذي من حقه إصدار مثل ذلك القرار في غياب المؤتمر العام.  حيث أن الضرورة وقتها تقتضي ذلك، وقد أشار لذلك “عبد الرحمن عمر محي الدين” بقوله: إذ أن طرف اقره مجموعة العسكريين الذين شاركوا في التنفيذ فكان لابد أن يستقطبوا في شكل التنظيم الجديد، بالإضافة لتوسيع مواعين الشورى لتشمل قطاعات كثيرة من القوى الفاعلة في المجتمع، وقد تم الاتفاق على تسمية (المؤتمر الوطني) باعتباره هو الحركة الإسلامية بتشكيلها الجديد، غير أن المؤتمر الوطني توسع بعد ذلك توسعاً كبيراً ودخلته عناصر لا علاقة لها بالحركة الأسلامية، بل ليس لهم علاقة حتى بالإسلام نفسه، ومن وقتها ارتفعت بعض الأصوات رافضة لهذا التوسع، وأن الحركة الإسلامية في طريقها للذوبان، وأن من المجموعة التي اسند لها إعادة تشكيل مجلس شورى الحركة قد تجاوزت التفويض الذي أوكل لها، رغم أن المجموعة التي قامت بالتعديل ورأت قيام المؤتمر الوطني أسسته بنفس هيكل الحركة السابق: مؤتمر عام، مجلس شورى ،مكتب قيادي، الأمانة العامة، رغم كل هذا هناك من يرى أن التفويض الذي أعطي للذين اسند إليهم إعادة هيكلة الحركة (وجلهم من الذين نفذوا الانقلاب العسكري) أنهم استغلوا التفويض إلى أقصى حد ممكن، وأن التفويض كان لأجل محدود، عبارة عن فترة انتقالية، إلا أن من اسند إليهم الأمر لم يلتزموا بحدود الفترة الانتقالية.الحقيقة أن التفويض لم يحدد أجلاً له، وأن الظروف لم تسمح لهم بذلك في بداية الثورة، وفي هذا يقول الترابي في كتابه الفقه الإسلامي (ولذلك كانت الحركة لأول عهدها تدعو الأفراد فتزكي دينهم وتربي قوتهم، أما بعد ثورة الإنقاذ فقد استمر أول العهد التعويل على طلائع الوعي المتجدد، وعلى شريحة القيادة في الحركة الإسلامية، التي غالبت قوى الباطل التي كانت تطارد الإسلام قهراً من ساحة السلطان، فقبلتها وسيرت الأمور بعد الفتح سراً بدائرة محدودة من أعضائها، ولربما راودنا الغرور بحركتنا إذا آثرنا الاستغناء عن المجتمع، بالعكوف عنه تفرغاً لتطهير ساحة حياته العامة، وتأسيس أركانها وتأمين مشروع التوجه الإسلامي والانصراف عن هدايته وتزكيته لأجل مسمى، والاكتفاء بتعبئته ومخاطبته  جولات، حيثما لزم ليبذل أو يصبر في شأن ذي بال، ومن بعد أحطنا الشعب وأظللناه بأشكال هياكل صورية من “المؤتمر الوطني” لا تحيا بإجماع رأى حي، وولادة صف قوى مخلص، بل تعلق الناس بخيوط الولاء إلى الجهة العليا لتقطع وشائج الولاءات  المهزومة) أخلص من هذا أن الاتهام الذي وجه للترابي بأنه حل الحركة الإسلامية ليس صحيحاً .
 الشرعية الدستورية (حل مجلس الثورة)
في سبيل إرساء أركان النظام وبعد ان ثبتت ثورة الإنقاذ أقدامها رأت ان تتحلل من قبضتها العسكرية، حيث أن أهل السودان لا يقرون بالأنظمة العسكرية، ويرون أنها أنظمة مؤقتة مصيرها للزوال مهما طال بها العهد، صحيح أن الانقلابات العسكرية تجد الترحيب في بداية عهدها، حيث يكون الشعب قد سئم خلافات الأحزاب وصراعاتها الكثيرة، وانشغالها بنفسها.  حيث يرون أن الانقلاب العسكري سوف يرحمهم من ذلك، بالإضافة للشعارات التي يرفعها الانقلاب العسكري، إلا انه لا يمضي زمنٌ حتي يسأم الشعب من ذلك الانقلاب العسكري، ويطالب بالديمقراطية والحرية وعودة الأحزاب، ومن ثم تدور الدائرة.رأت ثورة الإنقاذ وبعد بقائها زمناً وبسبب المقاومة السياسية والضغوط الخارجية أقرت بضرورة العودة للحرية السياسية وشرعية الأحزاب،  ومن ثم رأت أن تتحول إلى حزب جامع (المؤتمر الوطني) فحذفت حتى كلمة إسلام من اسم الحزب، هذا من حيث الشكل. أما من حيث البرنامج، فإنه نفس برنامج الجبهة الإسلامية القومية، تم هذا التوسع الهائل بوعي ويقظة، حتى لا يذوب الأخوان في عموم  الحركة، وتذوب  الحركة في المؤتمر الوطني، ذلك الوعاء الجامع، عملاً برأي “شيخ حسن” المتعلق بالتوسع (وكانت الحركة أكثر ما كانت توكلاً على الله ثم على متانة نموذجها حين دخلت بجماعة الأخوان المسلمين،  وهم ألوف في الجبهة الإسلامية القومية، وهي مئات ألوف وكان حظ الأوائل مقام الإمام في نمط الفكر والعمل والتنظيم، فما ذابوا ذوبان انحلال وانطماس، بل وجدوا في حشد الجبهة بعضاً ممن كانوا على ذات مستواهم وبعضا اهتدوا واقتدوا).لتغيير وجهها العسكري والتحول تدريجاً نحو النظام المدني، رأت الإنقاذ أن الأمر يقتضي حل مجلس قيادة الثورة حيث كانت تعتبر الحركة أن القبضة العسكرية مرحلة مؤقتة لمعرفة الحركة بطبيعة أهل السودان، ومن ثم لابد من مد ذراعها نحو الحرية والديمقراطية، فقررت حل مجلس الثورة والتدرج لمرحلة الشرعية الدستورية والاعتراف بالأحزاب والحريات العامة وإيقاف الحرب، ثم العودة للنظام الديمقراطي، التي كانت تأمل أن يؤول الأمر لها فيه، هذا بالإضافة للضغوط الداخلية والخارجية التي مورست عليها، وهذه هي طبيعة الأنظمة الشمولية العسكرية العقائدية .

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية