النائب الأول يطلع الرأي العام على الأوضاع في الساحة
في لقاء فوق العادة…
بالرغم من أن عنوانه العريض يقول إنه مؤتمر صحفي حول إصلاح الدولة إلا أننا يمكن أن نطلق عليه أنه لقاء فوق العادة عقده النائب الأول لرئيس الجمهورية، مع قيادات المؤسسات الإعلامية ومناديب الوكالات والصحف بالقاعة الرئيسية لمجلس الوزراء التي تستضيف لأول مرة منذ إنشائها لقاءً بهذا النوع. ولعل ما يجعل ذلك الوصف منطبقاً تماماً على الموصوف هو سعة الصدر الكبيرة والبشاشة والمرونة التي أبداها الفريق أول ركن “بكري حسن صالح” في الاستماع لأسئلة أهل الإعلام، وكذلك في الرد عليها على الرغم من أنها لم تخلُ في كثير من الأوقات من الحدة والنقد، ليخرج اللقاء في مجمله بالكثير من المعلومات التي تقدمها (المجهر) لفائدة القارئ في المساحة التالية:
رصد ـ نزار سيد أحمد
إصلاح الدولة رؤية كلية
ابتدر النائب الأول لرئيس الجمهورية الفريق أول ركن “بكري حسن صالح” حديثه في المؤتمر الصحفي الذي عقده بالقاعة الرئيسية لمجلس الوزراء بالتذكير أن برنامج إصلاح الدولة يندرج ضمن مسارات خطاب الوثبة الذي أعلنه رئيس الجمهورية في يناير قبل الماضي، وأكد أن قضية الإصلاح التي تتبناها الدولة قضية محورية وأساسية يشترك فيها الجميع لبناء دولة متقدمة في جميع النواحي. وأشار إلى أن لقاء أهل الإعلام يأتي من باب الحرص على تمليك الحقائق بوصف الإعلام جديراً بعكس الحقائق على المواطنين بجانب دوره الذي يلعبه في تقديم النصح وتقييم النتائج الكلية. وأكد أن كثيراً من القضايا والمشروعات المهمة ضاعت بسبب الإهمال وعدم المتابعة الدقيقة، لكنه بالمقابل تحدث عن جملة من الآليات لمراقبة برنامج إصلاح الدولة، بجانب مواقيت ملزمة لتنفيذ القرارات والتشريعات التي يتم التوصل إليها بشأن الإصلاح. وقال إن نهاية العام 2016م هو الموعد النهائي لإنزال كافة القرارات فيما يختص بالإصلاح. ومضى النائب الأول في حديثة مؤكداً أن برنامج الإصلاح في محاوره الثلاثة برنامج وطني محض، بالرغم من محاولات البعض لنقله خارج البلاد. وأشار إلى تشكيل (6) لجان أساسية لمتابعة الإصلاح، وأبان أنه في مجال الاقتصاد سيكون الإصلاح في جميع النواحي بالتركيز على ترقية معاش الناس. وفيما يتعلق بالإصلاح الاجتماعي أوضح النائب الأول أن تقوية الشرائح الضعيفة وحمايتها عبر الصناديق والتمويل الأصغر قطع شوطاً كبيراً، وسيكون الاهتمام بتجويد الأداء وتبسيط الإجراءات هو الشغل الشاغل خلال المرحلة المقبلة. وفي مجال الخدمة المدنية أكد النائب الأول أن تعتمد بشكل أساسي في برنامجها الإصلاحي على الخدمة المدنية، قاطعاً العهد بإعادة الخدمة المدنية إلى سيرتها الأولى، من خلال سن القوانين والتشريعات والتدريب والشفافية التي تقود في مجملها إلى الإصلاح المنشود.
وعن محور العلاقات الخارجية اعترف الفريق “بكري” بوجود بعض القصور الذي شاب علاقات السودان الخارجية خاصة في محيطه العربي، إلا أن الوضع تغير الآن بعد زيارات رئيس الجمهورية والتفاهمات الكبيرة التي أجراها مع قيادات بعض الدول والتي أثمرت بفوائد كبيرة. وأشار إلى زيارة رئيس الجمهورية إلى جمهورية مصر خلال الأيام القادمة، وإلى زيارته للجزائر التي ستعقب زيارة مصر وجميعها تصب في خانة مد جسور التواصل مع دول العالم، هذا بجانب العلاقات المتميزة مع دول أفريقيا والاتحاد الأفريقي. وأبدى استعداد السودان لفتح علاقات متوازنة مع جميع دول العالم دون التفريط في سيادة وأمن ووحدة البلاد. وفيما يتعلق بمحور الإصلاح القانوني والتشريعي والعدلي أكد الفريق “بكري”، الحاجة إلى تجديد ومراجعة كثير من القوانين والتشريعات. وأفصح عن إنشاء نيابة عامة مستقلة عن وزارة العدل حتى تمكن من الاطمئنان على ميزان العدالة. وحول الإصلاح الإعلامي أشار “بكري” إلى أن إصلاح الإعلام يحتاج لجهد كبير بوصفه لسان حال الدولة والمجتمع، بجانب كونه سلطة رابعة تراقب أجهزة الدولة. وأبدى ثقته في الإعلام السوداني في لعب دوره الأساسي في عملية البناء لا الهدم، بالرغم من ما أسماه بالمخاشنات المتكررة التي تحدث بينه والدولة، وبينه والأجهزة الأمنية. وبشأن الإصلاح الأمني والدفاعي أشار الفريق “بكري” إلى أن بعض الأجهزة الأمنية تحتاج إلى إصلاح، لكنه لم يسمِّ تلك الأجهزة. وقال إن الإصلاح الأمني والدفاعي لن يكون بمعزل عن قضايا بعض المناطق التي تشهد توترات مثل دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان .
الحوار الوطني
أفسح النائب الأول المجال أمام الحضور الإعلامي الكثيف لتقديم تفسيراته بشأن إصلاح الدولة، حيث كان الحوار الوطني مثار تساؤل مستمر من حيث توقيتاته وضماناته وإلى غير ذلك من القضايا التي ظلت موضع جدل بين مكونات الحوار الوطني من طرف، وبين القوى الممانعة من طرف آخر، وفي أوساط وسائل الإعلام التي طرقت كثيراً على هذه القضية التي تمثل إحدى ركائز خطاب الوثبة. واعترف النائب الأول بتقدم إصلاح الدولة على الحوار الوطني لكنه سرد جملة من المبررات التي رآها منطقية بشأن هذا التقدم، من بينها أنه لا غضاضة في أن تعلو مخرجات الحوار الوطني حال الاتفاق عليها على مخرجات برنامج إصلاح الدولة. وأشار في هذا الصدد إلى أن الدولة لا يمكن أن تنتظر طويلاً الحوار الوطني في الوقت الذي تحتاج فيه الكثير من القضايا إلى الإصلاح، مبدياً التزام الدولة بتنفيذ مخرجات الحوار الوطني، الذي قال إنه ليس ألعوبة كما يعتقد البعض. وقطع بأن الدور الذي يلعبه الوسيط الأفريقي بشأن الحوار هو دور داخلي لا مجال بعده للخروج بالحوار إلى الخارج، معتبراً أن إجراءات بناء الثقة والضمانات التي تطلبها القوى الممانعة والحركات المسلحة مقدور عليها، منوهاً في هذا الصدد إلى أن إعلان رئيس الجمهورية أكبر ضامن أخلاقي وديني يمكّن الحركات دخول الحوار، وبالرغم من ذلك أكد الفريق “بكري” استعدادهم لتقديم ضمانات إضافية للحركات، وألمح إلى إمكانية تجميد قرارات المحاكم بشأن بعض قادة الحركات المسلحة حتى يتمكنوا من الدخول إلى البلاد والخروج منها في حالة عدم الاتفاق. وختم “بكري” حديثه بشأن الحوار الوطني بالتأكيد على جدية الحكومة لمحاورة الآخرين وأنه لا مناورة أو مزايدة في هذا الجانب. وأضاف بالقول: (أنا شايف صفارة ضربت حول قضية الحوار الوطني وأنه في يوم (الأربعاء) سيعقد رئيس الجمهورية اجتماعاً مع آلية 7+7).
جدلية الكهرباء
من القضايا التي ثار فيها نقاش كبير في المؤتمر الصحفي هي قضية معاش الناس التي تندرج تحتها الكثير من القضايا من بينها موضوع الكهرباء، حيث قال النائب الأول في رده حول أزمة الكهرباء (قطوعاتها والزيادة المقترحة من قبل وزارة الكهرباء)، قال إن الفيصل الحقيقي حول هذا القضية هو ما قاله رئيس الجمهورية بأن زيادة الكهرباء على المواطن الضعيف خط أحمر لا يمكن المساس به. وأضاف قائلاً: (لن تكون هناك بركة في برنامجنا الإصلاحي إذا زدنا تعرفة الكهرباء على المواطن الضعيف)، لكنه رجع وألمح إلى زيادتها على الشرائح الأخرى المقتدرة، مشيراً إلى أن ذلك لن يتم دون دراسات، وأن الأصل بعد ذلك كله هو العدالة وزيادة الطاقات. وأشار إلى وجود مناطق حول الخرطوم لا تصلها الكهرباء مما يعني افتقار الأمر للعدالة في التوزيع. وقال إن إنتاج البلاد من الكهرباء هو (2983) ميقاواط، وأن البلاد تحتاج خلال الخمسة أعوام القادمة إلى (5) آلاف ميقاواط الأمر الذي يحتم زيادة موارد التوليد. ولفت إلى أن أزمة الجازولين التي حدثت خلال الأيام الماضية نبعت من الزيادة في عمليات التوليد الحراري، ضرب في ذلك مثالاً حينما قال إن محطة قري الحرارية وحدها تستهلك (1500) برميل من الجازولين لليوم الواحد. وبعث النائب الأول بتطمينات للمواطنين، بأن الكهرباء المدعومة لن يتم المساس بها بأي حال من الأحوال.
قفة الملاح
موضوع معاش الناس أو ما أصطلح عليه بقفة الملاح أخذ حيزاً كبيراً من النقاش، واعتبر النائب الأول للرئيس أمر معاش الناس من الأولويات حيث يضعونها في عين الاعتبار،. واعترف بوجود معاناة في الحصول على سبل العيش الكريم وأن الدولة في أعلى هرمها تحس بما يعانيه الناس، ولأجل ذلك يعكفون على مراجعة المرتبات والأجور عن طريق لجنة يرأسها وزير الدولة بالمالية “عبد الرحمن ضرار”. وأشار إلى وجود منافذ لتهريب السلع الأساسية مثل السكر والدقيق. قال إن الدولة تعمل على اختلاق آليات تمنع تهريبها إلى دول الجوار. وأكد أن الدولة ماضية في سياسة التحرير الاقتصادي وعلى ضبط حركة السوق لاستقرار أسعار السلع .
الفساد والأورنيك القشرة
قضية الفساد ظلت واحدة من الهموم التي تثقل كاهل الحكومة فعملت على خلق الكثير من الآليات لضبطها وإحكام السيطرة عليها، كما أن الحكومة ظلت في كثير من الأوقات التي يتم التطرق فيها إلى قضية الفساد تنفي عن نفسها هذه التهمة، وتطلب ممن ينتقدونها وخاصة الصحف تقديم أدلة منطقية لاتهاماتهم، لكن النائب الأول لرئيس الجمهورية أقر بوجود فساد مع وجود اختلاف في حجمه. وكشف عن وجود بعض القضايا حول الأمر لدى الأجهزة العدلية. وقال إن الفساد في كثير من الأحيان لا يتجاوز مرحلة الظن أي أن الأمر يحتاج إلى إثبات، وشبه الفساد بالسوس الذي ينخر في جسد البلد ويدمر أخلاق الناس. وأشار إلى وجود إجراءات حقيقية منها ما يرد في خطاب المراجع العام أمام البرلمان والذي بدوره يحيله إلى رئاسة الجمهورية، التي بدورها تتابع عمليات المحاسبة مع الوزارات أو غيرها من المؤسسات، بجانب إجراءات إبراء الذمة. وقال إن القضية محل اهتمام الحكومة التي وضعت لها آليات كثيرة منها مفوضية الفساد التي ستقوم برفع تقريرها لرئيس الجمهورية في غضون اليومين، واعتبر أن الإجراءات الجديدة التي اتبعتها وزارة المالية بإحالة ما أسماه بالأورنيك(القشرة) أورنيك (15) إلى مزبلة التاريخ، يندرج ضمن سياسات إحكام الرقابة على المال العام. واعترف أن العديد من الرسوم لم تكن ترد إلى خزينة الدولة. وأضاف قائلاً: (الأورنيك مافي أي زول بيلقى فيه عضة).
العلاقات الخارجية
في محور العلاقات الخارجية تحدث النائب الغول عن قضايا معلقة قال إنها سببت للدولة انتكاسات (وسبوبة) يتدخل بها الآخرين، خاصة في دارفور وجنوب كردفان التي قال إنها ليست بحجم أزمة الجنوب التي استطاع السودان أن يحلها بالحوار. وأشار إلى أن الحصار الاقتصادي المفروض على البلاد هو ضمن الآليات التي يستخدمها الغرب ضد السودان. واعتبر كل تلك القضايا بما فيها الربيع العربي الذي شمل عدداً من دول الجوار، جعلت الوقوف مع الذات والمراجعة أمراً حتمياً حتى لا يكون السودان عرضة لمشاكل كتلك التي تمر بها بعض الدول في المحيط العربي. وأضاف: لولا ظهور الذهب وانشغال الناس بالذهب عبر التعدين التقليدي لكان الربيع العربي قد شمل السودان، لكنه عاد وقال إنه في عالم اليوم ليست هناك خصومة دائمة وأن السودان سيعود إلى موقعه الطبيعي عربياً وأفريقياً، مشيراً إلى الدور الكبير الذي لعبه في أزمة سد النهضة الذي يندرج في هذا الإطار.
هيكلة الدولة والولايات
قضية إصلاح الدولة أو هيكلتها كنتيجة للإصلاح بجانب موضوع الخدمة المدنية وإصلاحها تم تسليط كثير من الضوء عليها، من الفريق “بكري حسن صالح” الذي أكد عدم ممانعتهم في هيكلة الدولة إذا جاء ذلك نتيجة للحوار الوطني. وأشار إلى وجود لجنة برئاسة النائب الأول تعمل على مراجعة الحكم الفدرالي سيما بعد أن تكشف لهم أن تقسيم السلطة والثروة بالولايات خلق كثيراً من الجهويات، معتبراً أن التعيين قطع الطريق أمام كثير من الممارسات السالبة في الولايات، التي قال إنها انحرفت كثيراً في تنفيذ البرامج التي تطرحها الحكومة ومن بينها الإستراتيجية القومية الشاملة التي لم يتعدَّ تنفيذها الـ(59%). وأشار إلى أن تقارير الولايات الخاصة بتنفيذ البرامج التنموية كانت في إطارها النظري جيدة لكنها مجرد حشو في الواقع العملي. وأكد عقد لقاء مع ولاة الولايات خلال الأيام القادمة بشأن برنامج إصلاح الدولة، وشرح النائب الأول الدوافع الفعلية لزيادة عدد الوزارات ودمج بعضها، التي قال إنهم سيزيدونها إذا كان ذلك سيجنب البلاد الحرب ويجلب السلام .
الخدمة المدنية
في إطار إصلاح الخدمة المدنية أشار الفريق “بكري” إلى أن المؤتمر الوطني لن تكون له أي يد في الخدمة المدنية بعد اليوم. وقال إذا كان للحزب الحاكم مبرراته في السابق فإن تلك المبررات قد ولت، وأنه من حق أي سوداني أن يتقدم للوظيفة التي يرى أنها تناسبه، وأن معيار الاختيار سيكون الكفاءة. وأشار إلى أنهم يعملون على إعادة الدور الطليعي لوكلاء الوزارات في ضبط الأداء، وأقر بوجود خلل في أداء بعض المؤسسات إلا أنه أكد مقدرتهم على معالجته خلال المرحلة المقبلة. ووجه الوزارات بالالتزام بعامل الوقت وعدم إهدار وقت المواطن والدولة في مواضيع ليست أساسية. وقال إن الخدمة المدنية هي رأس الرمح في عملية إصلاح الدولة. وأقر بضرورة إحداث تغيير في قيادات الخدمة المدنية .
محور الإعلام
وجد الإعلام حظه من حديث النائب الأول لرئيس الجمهورية الذي تعهد بتوفير المناخ المناسب له من خلال العمل على تنفيذ مخرجات مؤتمر الإعلام. وأكد العمل على معالجة أوضاع الصحفيين ومعالجة قضايا الصحافة، فيما يتعلق بمدخلات الطباعة والمخاشنات التي تحدث بينها والدولة من حين لآخر. واعتبر أن الحريات المتوفرة الآن جيدة. وأبدى ثقته في الدور الذي يلعبه الإعلام في تنزيل برنامج إصلاح الدولة من حيث الرقابة والنصح والنقد، كما أبدى ثقته في المسؤولية والأمانة التي يتمتع بها الإعلام السوداني. وقال إنه جاء الوقت للإجابة على السؤال ماذا تريد الحكومة من الإعلام، وماذا يريد الإعلام من الحكومة.
الذهب و(سودانير) والخطوط البحرية
تطرق الفريق “بكري” بالحديث عن الذهب والاتفاقية الأخيرة التي وقعتها الحكومة مع الجانب الروسي في هذا المجال. وقال إن البلاد موعودة ببشريات كبيرة في اكتشاف الذهب خاصة بما تمتلكه روسيا من إمكانيات في عمليات الاستكشاف. وأكد أن البلاد تزخر بالكثير من المعادن في باطن الأرض، معتبراً خروج نفط الجنوب من المعادلة الاقتصادية بالبلاد مكن من الالتفات إلى الذهب، مما كان له الأثر الكبير في امتصاص الصدمة التي ضربت اقتصاد البلاد.
وفيما يتعلق بالخطوط الجوية السودانية (سودانير) قال النائب الأول، إن إصلاح سودانير مطلوب بمثلما أن قضايا الخصخصة تحتاج إلى مراجعة. وأشار إلى أنهم سيستقرون على وضعية للخطوط الجوية في القريب العاجل. أما بشأن الخطوط البحرية أكد أنها تحتاج إلى ما أسماه بالـ(النفضة). وكشف عن وجود الوزير “مكاوي محمد عوض” بالصين لزيادة المواعين البحرية.