(الحرامي).. مجرم يتعب الكبار وشبح يرعب الصغار
وصل عبر الأغاني حتى إلى سرقة القلوب
الخرطوم ـــ سعدية إلياس
بمجرد ذكر كلمة (حرامي) في جلسات الدردشة و”الونسة” العادية تتداعى للأذهان صورة مصحوبة بالرهبة والخوف نشأت منذ الصغر ونسجت شخصية (الحرامي) أو اللص الإرهابية التي تتساوى في فزعها مع الشبح أو (البعاتي).. وكذلك تتقاسم صورة الإرهاب الحيوانات المفترسة.. و(الحرامي) شخص عادي وطبيعي، لكن ربما الظروف أجبرته على أخذ شيء في الخفاء سواء ليلاً أو نهاراً دون علم صاحبه، وفي كثير من الأحيان تكون السرقة حالة مرضية.
وقد حيكت العديد من الروايات والأحاديث حول شخصية (الحرامي)، وعندما يتسلل إلى المنازل في إحدى الليالي يقام أمام المنزل المسروق مجلس عامر بالسرد حول تفاصيل السرقة، تبدأ حبكتها.. بـ(من هنا تلب أو نط).. وتبدأ تفاصيل عن هيئته وطول قامته ولون بشرته وقياس حجم رجله (انظر إليها كيف تبدو كبيرة؟).. وقد تدمع أعين الصغار أثناء الحديث عن (الحرامي) لما يتصف به من منظر مفزع عندما يدخله خوف من أن يتعرف عليه الناس، قد يوصله حد القتل.
{ أسماء وصفات
سمي (الحرامي) بعدد من الأسماء منها (حرامي الحلة، حرامي السوق، الجيب، الأحذية، الحبل “الغسيل”، المناسبات، الغنم، الجداد، الدهب، البنوك وحرامي السيارات)، ومؤخراً ظهر (حرامي الموبايل) الذي تخصص في سرقة الرصيد، و(حرامي الانترنت) الذي تخصص في سرقة المصنفات الأدبية.
وعبر الأغاني وصل (الحرامي) حتى إلى (سرقة القلوب).. ويقال إن (الحرامي) الذي يفزع الآخرين هو أكثر شخص (خواف) وما يدل على ذلك أنه إذا شعر بأية حركة في المنزل أو المكان الذي يحاول سرقته يترك ما أتى من أجله ويبحث عن منافذ الهرب خوفاً من الإمساك به.. لكن هناك (الحرامي) الذكي، ذاك الذي يسرق دون أن يترك أي أثر وراءه.. أما (الحرامي الغدار) فهو يغدر بمن يلحق به وقد يقتله.. وهناك أيضاً (الحرامي الشهم) الذي يساعد أصحاب الحاجات، والكريم الذي يسرق من الأثرياء ليعطي الفقراء والظريف، و(الحرامي الحاقد) الذي يلجأ للسرقة بدافع الحسد.
وهنا نورد قصة رجل أعمال سوداني- رفض ذكر اسمه- الذي روى لنا قائلاً: (قبل عدة شهور زار حرامي مكتبي بقلب الخرطوم في صباح باكر وعندما لم يجد المال الذي كان يتوقع وجوده تبرز على وسط المكتب وغادر).
{ قصص وروايات عن (الحرامي)
ولان (الحرامي) إنسان يؤثر ويتأثر بما يمر به من مواقف وأحداث، كتبت العديد من القصص التي تحكي عن (حرامية) تابوا عن السرقة وعادوا للكسب الحلال والاعتماد على الله سبحانه وتعالى.. وواحدة من تلك القصص المؤثرة هي قصة ذلك المجرم الذي عرف أن هناك منزلاً به مبالغ كبيرة من المال تعادل الـ(5000 دولار) وصاحب المنزل عاجز عن الحركة فقرر سرقتها وعندما دخل المنزل واستولى على المال أحس به صاحب المنزل، الذي ما كان بمقدوره إلا أن يرفع صوته بقراءة آيات من القرآن الكريم وتلى قوله تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا).. فسمع اللص هذه الآية، وتبسم ورفع هو أيضاً صوته منادياً صاحب البيت: (يا هذا أنا منذ أكثر من عشر سنوات أسرق كل ليلة وما زالت يداي سليمتين وأنا الليلة أتحداك أنت وربك).. وعند الصباح أصيب بمرض غريب في يديه وخرج من بيته مسرعاً إلى عيادة قريبة ودخل على الطبيب الذي أخذ عينة من جلدة اليد وأرسلها إلى المختبر واتضح أنه سرطان ينتشر بسرعة، وعندما سأل اللص عن تكاليف عملية قطع اليد أخبره الطبيب بأنها (5000) دولار، وهو نفس المبلغ الذي سرقه تماماً.
وبينما اللص عائد إلى بيته ليأتي بثمن العملية إذا به يسمع من أحد المساجد صوتاً كأنه يناديه (الله أكبر.. الله أكبر)، فالتفت إلى الصوت وتذكر جرأته ليلة أمس، وكيف أنه تحدى الله تعالى، فندم على ما قال وتاب توبة نصوحة، وبكى بكاءً شديداً وتوضأ ودخل المسجد وطلب المغفرة، وعاد ليقطع يده، وما أن وصل إلى العيادة حتى ناده الدكتور وقال له إن الفحوصات سليمة.. وفور سماعه هذا النبأ اتجه إلى صاحب البيت المقعد الذي سرقه وقص عليه القصة وطلب منه أن يسامحه فسامحه الرجل وأعطاه المبلغ ليبدأ به عملاً شريفاً.
هذه واحدة من آلاف القصص عن (الحرامية) التائبين.. ورغم أن (الحرامي) شخص عادي رسمت له شخصية (زول مخيف)، فإنه يظل ذلك المجرم الذي يتعب الكبار، والأسطورة التي تخيف الصغار.