(اليسار السوداني).. عزلة الأوهام!!
{ المجتمع السوداني مختلف عن بقية المجتمعات العربية والأفريقية من حولنا بطبيعته (التعاونية)، فضلاً عن حالة تمازج وتداخل بين مكوناته تؤثر بصورة واضحة في الكثير من تشكلاته وتحولاته وتفاعلاته حتى على الصعيد السياسي.
{ مجتمع منفتح على الآخر.. متضامن ومتكافل رغم ضوائق الحال ونوائب الدهر.. وما يزال الناس في أريافنا القريبة يخرجون لبيوت المآتم بـ(صواني) الفطور والغداء ولبن العشاء!!
{ مجتمع يتأثر في قراراته واتجاهاته بالعلاقات بين قبائله وعائلاته وأفراده، تتدخل العواطف وتسود المجاملات حتى نكاد نخشى على مسار دولتنا المدنية الحديثة.
{ وفي ظل هذا المشهد (الاجتماعي) كامل الدسم، تبرز بصورة لافتة معرفة (الإسلاميين السودانيين) بمفاتيح وأسرار (شفرة) هذا المجتمع المتفرد، وربما كان لهذا أثره البالغ وتأثيراته على مجمل الحياة السياسية في السودان، فدانت لهم السلطة وانفردوا بالحكم لأكثر من (ربع قرن) من الزمان، ليس بقهر السلاح وجبروت الأجهزة الأمنية كما يردد البعض، فقبضة “القذافي” و”مبارك” و”بن علي” كانت أقوى بكثير من قبضة (الإنقاذ) ولا مقارنة.
{ لكن (إسلاميي السودان) موجودون في قلب المجتمع في كل منشط ومكره.. تجدهم أول الناس من رئيس الجمهورية وإلى أصغر مسؤول وصولاً إلى (المقابر)، وأكثرهم مشاركة في دعوات الزواج وعقودات القران بالمساجد، وهم أول من يعودون المرضى، ويعزون اليتامى، ويصلون على الجنازة.
{ وعندما يهمّ الرئيس “البشير” أو نائبه الأول الفريق “بكري” أو “إبراهيم أحمد عمر” أو “غندور” أو “مصطفى عثمان” وغيرهم من قادة (المؤتمر الوطني) وصولاً إلى المجامل المداوم الأخ “حسن فضل المولى” مدير (قناة النيل الأزرق)، يهمّون إلى مقابر “الصحافة” و”أحمد شرفي” أو “البكري” في عز نهار قائظ أو ليل بهيم لدفن أحد كبار رموز أو عوام هذا البلد من مختلف الاتجاهات والولاءات السياسية، فإن زعماء (اليسار) السوداني- مثلاً- تجدهم مشغولين بشؤون وأعمال أخرى أو معتكفين في بيوتهم يسبّون (الإنقاذ) ويلعنونها سراً وعلانية!!
{ متى رأى أحدكم سكرتير الحزب الشيوعي الأستاذ “محمد مختار الخطيب” وأعضاء لجنته المركزية، أو أمين سر حزب (البعث العربي الاشتراكي) الأستاذ “علي الريح السنهوري” وأعضاء هيئة (القيادة القطرية)، أو مسؤول حركة (حق) بعد إجبار الأستاذة “هالة عبد الحليم” على الاستقالة- لا أعرفه- أو غيرهم من قادة أحزاب وحركات (اليسار).. متى رأى أحدكم واحداً من هؤلاء في (مقابر) أو (صيوان عزاء) أو صالة أفراح يجامل سياسياً ولو كان من خصومه في المؤتمر الوطني، كما كان يفعل “الأزهري” و”المحجوب” و”عبد الخالق محجوب” و”محمد إبراهيم نقد”؟!
{ هل رأيتموهم يزورون شاعراً مريضاً (غير الراحل “محجوب شريف”)؟! أو صحافياً فقد عزيزاً لديه؟ أو فناناً فقد صوته مثل هرمنا الكبير “النور الجيلاني”؟!
{ كيف تريد قبائل (اليسار السوداني) أو ما تبقى منها أن تقود الشارع السوداني للثورة والتغيير وهي غائبة تماماً عن أفراحه وأتراحه وملماته؟! هل ينتظرون أن يأتيهم التغيير بغتة من تلقاء (الفيس) و(الواتس) ومواقع الكذب والضلال الإسفيرية؟!
{ اخرجوا من قماقمكم وانفتحوا على الشعب السوداني.. تعرفوا عليه ليتعرف عليكم، ولا تحبسوا أنفسكم وأحزابكم في أوهام الثورة.. فلا ثورة من منازلكم.. لا (بالوادي).. ولا (بالنص)!!