حوارات

وزير الصحة بالسلطة الإقليمية السابق "عثمان البشرى" في حوار المكاشفة مع (المجهر)

قرار التمديد للسلطة الإقليمية لدارفور فيه مجاملة!!
السلطة الإقليمية منذ يومها الأول انحرفت.. الرئيس دكتاتور  والوزراء (تعبانين)!!
هذه قصة المواد الغذائية الفاسدة التي كلفت مليارات الجنيهات..!!
“السيسي” (يخاف) من النازحين وقيادات الحركات ويريد أن يكمل السلام مع “أمين حسن عمر”!!
مقدمة:
منذ فترة ظل ملف دارفور يشهد تجاذبات بين الموقعين على اتفاقية الدوحة أنفسهم، وتطورت هذه التباينات في المواقف ووجهات النظر حتى قادت إلى تكوين حزبين ممثلين لحركة التحرير والعدالة الموقعة على اتفاقية الدوحة، وكانت هناك اتهامات متبادلة محورها الفشل والقصور في جانب السلطة الإقليمية لدارفور التي يترأسها “التجاني السيسي” وصلت حد اعتراض بعضهم على تجديد الثقة فيه مرة أخرى.
 الدكتور “عثمان البشرى” وزير الصحة بالسلطة الإقليمية السابق والمرشح من قبل حزب حركة التحرير والعدالة لمنصب رئيس السلطة الإقليمية خلفاً للدكتور “التجاني السيسي” جلست إليه (المجهر) في حوار للحديث عن واقع دارفور الحالي وبخاصة السلطة الإقليمية التي تم التمديد لها بقرار من رئيس الجمهورية بعد انتهاء أجلها وتناول الحوار عدة جوانب كانت خلاصته الحوار التالي..
حوار – نزار سيد أحمد 
{ أولاً.. كيف تقرأ واقع دارفور الآن من النواحي الأمنية والتنموية؟
_ قضية دارفور تحتاج أن يتم الحديث عنها بكل شفافية ووضوح لأن الأحداث متلاحقة، ونحن كأبناء لهذه الرقعة من الوطن علينا بين حين وآخر أن نراجع الموقف سواء أكنا في السلطة أو خارجها، ومن هم خارج السلطة أقدر على تقييم الواقع من الذين هم في داخلها، وأنا جربت الاثنين معاً، وبدأت أراجع الإخفاقات ومكامن القوة والضعف، وهل كان بالإمكان أننا من خلال وجودنا في السلطة أن نقوم بعمل أفضل من الذي قمنا به!!
{ إلى ماذا توصلت من خلال هذه المراجعة؟
_ تقديري أن السلطة لها مهام وأولويات، ونحن استبشرنا وكذلك أهل دارفور والذين لديهم اهتمامات بالقضية على مستوى الإقليم أو حتى على مستوى العالم في أن تستطيع السلطة الإقليمية العبور بدارفور من الأزمة الخانقة خلال فترة وجيزة، وعلى هذا الأساس كان الدعم منصباً بشكل أساسي على السلطة الإقليمية كجهاز تنفيذي لأهداف بعينها.
{ مثل ماذا؟
_ مثل قضية تسوية أوضاع النازحين، وعودة اللاجئين وتسوية قضاياهم، وإذا تحدثنا عن النازحين كنا نعول على أن يتم اختراق في قضية النازحين الموجودين لأكثر من (10) سنوات في المعسكرات حيث التزمت دولة قطر بتقديم دعم مالي لكل شخص يريد العودة طواعية، لكننا كسلطة إقليمية فشلنا أن ندير هذا الملف بشكل كبير، وبالتالي بدلاً عن أن نعيد النازحين أو نساعدهم حدث العكس. ووفقاً لإحصاءات مفوضية العودة الطوعية نجد أن أعداد النازحين في تزايد سواء أكان للمدن أو للمعسكرات، أما اللاجئون فحدث ولا حرج، وفي هذا أقول إن السلطة الإقليمية أجرمت عندما دخلت في برامج التغذية للنازحين، بحيث إنها ساعدت في تقنين أوضاعهم، حيث كان الأفضل تنفيذ برنامج قرى النازحين.. ومن ناحية الأمن نجد أن دارفور دخلت في أزمة حقيقية حيث انتقل القتال من قتال سياسي ضد الدولة إلى قتال قبلي..
{ (مقاطعة).. ما هي الأسباب التي جرت الإقليم من النزاع السياسي إلى النزاع القبلي؟
_ أولها ضعف الحكومة من ناحية المقدرات والإمكانيات.. الحكومة لابد أن تكون هي الباطشة والقابضة والحاسمة لأي تجاوزات، وأعتقد كذلك أن دور السلطة الإقليمية هو إعادة النازحين ومعالجة أوضاعهم.. هذه الأشياء كانت ستعطي الدولة حافزاً لتقوية الجانب الأمني في دارفور، لكن لأن السلطة الإقليمية منحلة وليس لديها برنامج جعلت الدولة تستكين وتترك الأمور تسير هكذا.
{ حسناً.. الآن عمر السلطة الإقليمية انقضى ورئيس الجمهورية مدد لها من جديد.. إلى أي مدى يمكن القول إن هذا القرار كان صائباً؟
_ أعتقد أن قرار التمديد فيه مجاملة، لأنه ليس هناك ما يشجع على التمديد.. السلطة الإقليمية انتهى أجلها، والكل يعلم حتى رئاسة الجمهورية تعلم أنها لم تفعل شيئا في دارفور، وبالتالي ليس هناك داعٍ لمجاملة رئيس السلطة، وأرجو أن لا تستمر بالشخص الحالي وإنما يأتي شخص آخر لإكمال المسيرة.. صحيح هناك ضرورة لعملية انتقال السلطة الإقليمية للولايات، لكن لابد أن يتم ذلك بمهام جديدة ورؤية واضحة خلال هذا العام الإضافي لينتقل العمل من السلطة الإقليمية المركزية إلى الولايات الخمس.
{ إلى ماذا تعزو الفشل في الاتفاقية.. هل لضعف في الوثيقة أم في التنفيذ؟
_ الاتفاقية ممتازة جداً، لا أقول منزهة من الأخطاء لكن ليس بالإمكان أفضل مما كان، ودائماً نحن جيدون في النصوص وفي القوانين، لكن عندما نأتي للتنفيذ يحدث الخلل.. فالسلطة الإقليمية منذ يومها الأول انحرفت، وأول مظاهر هذا الانحراف أن المؤسسة التنفيذية في يد رجل واحد، وبالتالي فقدت الشفافية والمقدرة على ابتدار الأفكار، وهذا نابع من عدم وجود أي اجتماعات للسلطة الإقليمية لتكون هناك رؤية متفق عليها، كل مفوضية تعمل حسب رؤيتها من خلال التوافق الثنائي بين رئيس السلطة والوزير أو المفوض، وبالتالي مجلس وزراء السلطة كان غائباً تماماً.
{ هذا الغياب الذي تحدثت عنه لضعف في الوزراء والمفوضين أم لقبضة الرئيس؟
_ لدكتاتورية الرئيس وضعف الوزراء، وعدم وجود فهم لطبيعة العمل، وإلى غير ذلك.. وزراء (تعبانين) ورئيس دكتاتور، وبالتالي لم تكن هناك مؤسسة بالفهم المعروف.
{ أين دور الدولة.. هل كانت على علم بكل الذي يحدث وظلت تتفرج؟
_ الدولة لها مكتب لمتابعة الاتفاقية، وهو مسؤول عن المتابعة وتقديم التقارير.. لكن المكتب لم يقم بدوره كاملاً، بل  أصبح جزءاً من الخلل الذي حدث، وظهر ذلك جلياً من خلال الصراع الذي دار بين “التجاني السيسي” و”أبو قردة” يفترض أن يكون حاكماً بين الجانبين، لكنه انحاز لجانب “السيسي” وصار طرفاً في الأزمة.
{ هل تريد أن تقول إن مكتب سلام دارفور بقيادة الدكتور “أمين حسن عمر” منحاز  للدكتور “التجاني السيسي”؟
_ نعم، هو منحاز لـ”السيسي”.
{ هل هناك شواهد أم هو مجرد اتهام؟
_ الشواهد كثيرة ويكفي أنه في طواف الآن مع “التجاني السيسي”.
{ أنتم كوزراء لماذا لم تتحدثوا عن الخلل في السلطة الإقليمية؟
_ نحن لم نصمت عن الأمر بل تحدثنا عن الخلل، وطالبنا بتنظيم الاجتماعات، لكن للأسف تم إبعادنا واستبدلنا بأشخاص ضعاف حتى بياناتهم رفضت وقيل لهم إن تلك البيانات لا ترقى لمستوى قيادات في مجلس الوزراء، وهذا يعود بي إلى الوراء.. حركة التحرير والعدالة حركة (ملصقة، وملتقة) لم تكن موحدة الفكر أو الرأي أو الإرادة أو الأهداف، لذلك منذ البداية كان هناك تعثر في الحركة مما انعكس على السلطة.
{ كثر الحديث حتى من قيادات السلطة الإقليمية نفسها عن وجود فساد في هذا الجسم وأنت كنت وزيراً.. ما مدى صحة الاتهامات؟
_ ما شاهدته وأنا جزء من السلطة، أقول في وزارتي الهيكل الوظيفي لديّ (40) موظفاً، ومن تم تعيينهم حتى تاريخ مغادرتي للسلطة (18) موظفاً، فارق الـ(24) موظفاً تم اعتماده ومرتباتهم ترد، لكن لا أدري أين تذهب هذه الأموال.. أي ما يعادل الـ(60%) من هيكل الوزارة معتمد، وأموالهم تخرج لكنها لا تصل إلى الوزارة.. تحدثت في هذا الأمر ورفعت تقارير لكن لم يحدث شيء، وهذا الأمر ينطبق على الكثير من الوزارات في السلطة، كذلك هناك شواهد فساد كثيرة منها استجلاب مواد غذائية فاسدة (عدس، وذرة) بمليارات الجنيهات، وتمت إعادتها، ورفض تسلّمها من بعض الجهات.. هناك أيضاً فساد إداري، من شواهده أنه منذ شهر أبريل الماضي حتى الآن تم تعيين خمسة أشخاص في وظائف قيادية درجة أولى من قبيلة واحدة.
{ الآن برز صراع علني على منصب رئيس السلطة الإقليمية بعد قرار التمديد؟
_ هذا الصراع غير موضوعي ونتائجه غير سليمة.. إذا سألنا أنفسنا لماذا الصراع على الكرسي الأول؟ الإجابة عن هذا هي أن لهذا الكرسي مكاسب ربما تتعدى المكاسب الظاهرة إلى أشياء أخرى.. القصة ليست في المنصب وإنما في المنهج، أنا من ضمن الذين تم ترشيحهم لمنصب رئيس السلطة الإقليمية، وأعتقد أنه لو كان القدوة أو الرئيس الحالي لديه منهج واضح لما برز هذا الصراع ولما ترشح أي شخص آخر في مواجهته.. لكن من التجربة خلال الأربع سنوات اكتشف أهل دارفور أن “السيسي” شخص دكتاتور، يفتقر نهجه إلى أبسط قواعد العدالة، وبالتالي لم يترك لنفسه فرصة حتى يقول الناس يجب أن يتم إبقاؤه في منصبه.. وأعتقد أنه لا يمكن أن يأتي شخص أسوأ نهجاً من “التجاني السيسي” حتى وإن جاء من خارج الحركات.
{ هناك أمر مهم وهو الاستفتاء على الوضع الإداري في دارفور؟
_ هناك أشياء كثيرة في الاتفاقية لم تتم، من بينها مجلس السلطة الذي لم يتم إلا بعد عامين، حيث كان معطلاً من قبل “السيسي”، وهناك مفوضية الخدمة المدنية لم يتم فيها أي شيء حتى الآن.. أنا شخصياً ضد فكرة الاستفتاء.
{ أنت ضد الاستفتاء أم تخشى الخيارات التي يمكن أن تأتي بعده؟
_ أنا ضد الاستفتاء كخيار لأن فيه رائحة الانفصال، وأعتقد أن مسألة الاستفتاء كانت خطأ إستراتيجياً في الاتفاقية نفسها.. صحيح لدينا رأي في تقسيم الولايات، لكن يمكن أن نقوّم الحكم الإقليمي بتنفيذ إصلاحات تمكن دارفور من المشاركة في الرأي.
{ كيف تقرأ واقع الحركات التي تحمل السلاح من حيث التأثير على الأوضاع في دارفور؟
_ مشكلتنا الآن في دارفور ليست الحركات المسلحة وإنما الصراعات القبلية.. أما بالنسبة للحركات فمجرد خروجها من السودان وذهابها لدولة الجنوب دليل واضح على أنها في تناقص، وهذا ما حدث بالفعل من خلال الضربة الأخيرة لـ”جبريل إبراهيم” التي تعطي عدة مؤشرات من بينها أن هناك تصدعاً في الجبهة الثورية، وبالتالي كل حركة تعمل بطريقتها الخاصة، بل إن الجبهة الثورية فشلت في تطبيق الاتفاق السياسي بالتداول السلمي لرئاسة الجبهة الثورية.. ومن النواحي العسكرية أبرز دليل هو خروج العدل والمساواة للقتال دون تنسيق مع باقي الفصائل، وهنا أقول إن العدل والمساواة فقدت قوتها بخروج مجموعة “دبجو”.. “مني أركو مناوي” أيضاً بعد خروج “محمدين” صار ليست له قدرة على القتال، وأيضاً مقتل “علي كاربينو”.. كل تلك المعطيات دليل واضح على ضعف الحركات المسلحة الدارفورية.
{ هل يمكن جلب هذه الحركات للصراع في ظل هذا الضعف؟
_ أعتقد أن واحدة من مهام رئيس السلطة الإقليمية هي الجلوس مع هذه الحركات، لكن لم نسمع حتى الآن أن “التجاني السيسي” اجتمع مع رئيس حركة مسلحة.. رئيس السلطة يخشى النازحين، وقادة الحركات المسلحة.. فهل جلوسه مع “أمين حسن عمر” يحل قضية دارفور؟!
{ حسناً.. الآن تم ترشيحك لرئاسة السلطة الإقليمية من قبل حركة “أبو قردة”.. ماذا أنت فاعل حال فوزك؟
_ لو فزت أنا بمقعد رئيس السلطة الإقليمية فيمكن أن يؤدي هذا إلى موت “التجاني السيسي” حسرة.. أنا الذي اختار “التجاني السيسي” لهذا المنصب بشهادة الفريق “صديق” و”إبراهيم سليمان” و”نصر الدين أحمد عمر” و”أحمد حامد النحلة” و”شمار”، وأول من وجه له ضربة هو أنا.. والآن آتي رئيساً للسلطة.. (سيموت).
{ أخيراً.. ماذا تريد أن تقول؟
_ أقول إن الانقسام الذي حدث في حركة التحرير والعدالة هزم قضية دارفور.. بالنسبة للقضية هزمها بشكل أساسي.. أما بالنسبة للشعب فقسمه إلى معسكرين، معسكر للزغاوة، وآخر للفور.. أعتقد أن أسوأ نتيجة خرجت بها التحرير والعدالة هي انشقاقها، حيث صار الأمر قبلياً.. الآن كل شخص يتمترس خلف قبيلته، ينبغي أن نعي هذا الدرس جيداً، وعلى أخوتنا حاملي السلاح الدخول في تسوية سياسية لإنهاء النزاع الدائر الذي يزيد المعاناة، خاصة أولئك الموجودين في المعسكرات.. ومن هذا المنبر أدعو (أخونا) “عبد الواحد” أن يحس بأوضاع الموجودين في المعسكرات.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية