الديوان

الاكتئاب مرض ينتشر في صمت

ارتفاع عدد المصابين به داخل الأسر وبين فئات الشباب

 المجهر – نهلة مسلم
أبحاث علماء النفس ظلت تؤكد أن شخصية الإنسان متقلبة المزاج والطباع، فهناك مؤشرات خارجية تثير وتحرك غرائزه الانفعالية وتغير نمط حياته من سعادة إلى كآبة، وقد تؤثر الأخيرة على أداء الإنسان في الحياة.. وهذا يتوقف على طبيعة الضغوطات والصدمات التي يتعرض لها. ويعتبر الاكتئاب النفسي أحد الاضطرابات التي تغير سلوك الإنسان، بجانب أنه لا يصيب فئات بعينها فهو يصيب البسطاء والأثرياء وأصحاب الدرجات العلمية العليا، وفي دراسة جديدة نشرتها منظمة الصحة العالمية أكدت أن عدد مرضى الاكتئاب حول العالم في تزايد مطرد، وفي الآونة الأخيرة ومع التحولات الاجتماعية وقسوة الظروف الاقتصادية عندنا في السودان انتشر مرض الاكتئاب بكثافة داخل الأسر وبين فئات الشباب خاصة المرهقين لم يسلم منه حتى الأطفال.
وعبر المساحة القادمة التقت (المجهر) باختصاصي علم النفس والاجتماع وبعض أفراد المجتمع للتعرف على أنواع الاكتئاب المتمثلة في إصابة الأفراد والجماعات بالاكتئاب الأسري واكتئاب الأطفال والطلاب، وهناك نوع من الاكتئاب البسيط الذي لا يحتاج لتدخل الطب النفسي وهناك الاكتئاب المزمن.
قالت “زبيدة موسى” إن اكتئاب الأسر ينجم عادة عن مشكلات تنشب ما بين أفراد العائلة، وعدته مرضاً نفسياً يحد من قدرات الشخص المصاب عن ممارسة دوره في المجتمع ويجعله يعيش في عزلة مظلمة وخامل اجتماعي، مضيفة أن داء الاكتئاب خطير يبعد الفرد ويجرفه بعيداً إلى عالم التوهان، وأشارت إلى أهمية التفاهم خاصة إزاء إصابة أحد أفراد الأسرة مما يستدعي أن توفر له الجو الملائم وتخفف عنه حالة الحزن التي تخيم على شخصيته، بينما قالت الطالبة “ذكريات النور” إن الإخفاق وضعف المستوى الأكاديمي يؤدي إلى الاكتئاب النفسي لدى الطلاب وكذلك الاغتراب والوحدة وعدم تحقيق الذات وصعوبة تحقيق الهدف لدى الإنسان، ولكنها عادت وأرجعت أن التحلي بقيم الصبر والثبات في الموقف الإيجابي هو المخرج من مرض الاكتئاب، مضيفة أن الجانب الروحي في هذه المرحلة مهم للغاية في تزكية النفس البشرية، وتقول قد يصطدم الإنسان بتقلبات الحياة خاصة في النواحي المادية وزيادة تراكم الأعباء عليه، لذا يتطلب في هذه الحالة إتباع أسلوب التفكير الهادف والبعد عن التوقعات المحيطة.
أما “نسرين محمد” طالبة قالت إن فقدان الصديق المقرب أو الشقيق قد يترك في دواخلك الشعور بالحزن والحسرة، وقد تكون عشت وتقاسمت معه الحلوة والمرة فجأة يغيب عن رؤيتك دون سابق إنذار، وعبرت عن إحساسها أن لحظات الممات مفجعة للغاية يصعب أن تتحمل تلك الأيام العصيبة، وقالت إذا لم تخرج من حالة الحزن وظللت تقبع ساكناً في سرادق السواد حتماً ستصاب بالاكتئاب، لأن هذا يتوقف على درجة العاطفة والارتباط الشديد بالشخص.
أوضحت “مودة سليمان” طالبة في حديثها أن الاكتئاب الذي يصيب الإنسان أثناء مزاولة عمله يرجع لعدة أسباب، منها قد تكون مشكلات أسرية قاسية يصعب معالجتها مما تؤثر على أدائه العلمي وتقلل من مقدراته ومجهوده البدني، بالإضافة لعدم المقدرة والانسجام والتأقلم مع الشغل، ولفتت أن هذا التقصير تنتج عنه قرارات وخيمة يمكن أن تؤدي إلى طرد وفصل العامل عن المهنة نتيجة السرحان والشرود الذهني، وأشارت إلى أهمية التكيف مع البيئة العملية مهم جداً، وأن يوفق الموظف والموظفة يومهم بطرق مدروسة ويتجنب التوترات والمشكلات التافهة ولا ينشغلوا بصغائر الأمور أثناء عملهم.
أما “الطيب سلمان” يرى أهمية توافق العاملين في أداء مهنتهم والبعد عن التكاسل والخمول وإهدار الوقت في المجاملات والانشغال عنها بأشياء أخرى غير مفيدة لهم، ولفت “الطيب” إلى أن التقنيات الحديثة لها ميزات إيجابية إذا حسن استعمالها في الوقت المناسب، وعاب انصراف العامل عن واجبه بدخوله مواقع الدردشة غير المهمة، وقال لـ(المجهر) إنه شاهد نماذج لعاملين بإحدى الدول العربية تفرض عليهم قرارات وتلزمهم بعدم الانشغال بتلفونات غير مهمة تعيق الدوام اليومي، مضيفاً يمكن أن ينظم الشخص وقته بوضع ساعات محددة للترفيه بعد الانتهاء من العمل، لأن النفس البشرية تحتاج في بعض الأحايين لترويح وراحة نفسية بحيث يعود بعدها بقوة عملية جيدة.
فيما قال التاجر “عبد اللطيف ناصر” إن الحالة المزاجية هي التي تسيطر على نمط وشعور الإنسان، بمعنى إذا كانت الأمور سالكة تنتابك للحظة بالشعور النشوى والإحساس الجميل، إلا أن في حالة حدوث أي مشكلة مع الأسرة والأصدقاء قد يتحول المزاج إلى زهج وكدر، موضحاً أن هناك لحظات تفاجأ بها وأنت أثناء ممارسة العمل، لذا مضطر أن تخبئ حزنك أمام الزبائن حتى لا يلحظوا مشهد الكآبة لأن الاستهلالية أسلوب في حد ذاته لجذب التسويق.
فيما يوضح الموظف “محمد” أن الرضا بالمقسوم هو الأفضل لمسيرة الحياة أن يخضع الشخص لمبدأ القناعة، وأن فكرة المرتب نسبته ضئيلة هي من أسباب تجعل الشخص حزين ومكشر، واعتبر الاكتئاب خصماً على رصيده العملي.
فيما ترى الباحثة الاجتماعية “أمال سراج” أهمية توفير الخيارات المناسبة لمجابهة الظروف الاقتصادية التي تؤثر على نفسيات الأشخاص، إضافة إلى إتباع سياسة التقشف وتقليل الاحتياجات غير الضرورية، وأرجعت العمل نتيجة الظروف الاقتصادية الضاغطة، وتقول إن التعاون مع الزملاء والأسرة يقلل من الاكتئاب، مضيفة أن الحياة بطبعها تتطلب التعاون وتخفيف الألم والضغوطات النفسية التي تواجه الأشخاص داخل المجتمع.
فيما عرفت الباحثة النفسية “شذى عبد الحليم” الاكتئاب بأنه الإحساس بفراغ يتعرض له الإنسان، وأشارت الدراسات أوضحت أن الاكتئاب بأنه خلل في القدرات العصبية للمخ ويصيب النساء أكثر من الرجال، وقالت إن الأشخاص المصابين تجدهم يحبون الوحدة والانطوائية وعدم التواصل مع الآخرين.
وأبانت أن إصابة الأطفال والمراهقين بالاكتئاب لا تعرف إلا من خلال الفحص والتدقيق واضحة ومعلومة تظهر في تصرفاتهم وسلوكياتهم، ولفتت إلى أنه يؤثر في اضطراباتهم المزاجية، وأرجعت “شذى” أسبابه إلى العوامل الوراثية والضغوط النفسية الناجمة عن عدم تحقق طموح الأسرة خاصة في مرحلة فشل الأبناء في تحصيل الدراسي، واعتبرته مؤشراً هداماً يؤدي إلى الإحباط وأن المفردة غير المشجعة (يا بليد) والإحساس بعدم الثقة يؤدي إلى الانتحار، وأن علامات المرض الظاهرة المتمثلة في الإصابة بالتهاب الحلق، وأضافت أن الأطفال المصابين بالاكتئاب تجدهم قلقين جداً، وأشارت إلى أن الفئات العمرية ما بين (13 – 17) سنة تظهر على ملامحهم لتدهور ملحوظ في المستوى الدراسي، إضافة إلى تغيير مفاجئ في السلوك من مهذب إلى عدواني، ويفضلون الميل على المخدرات والرغبة في المعالجة الذاتية، وعزت أن داء الاكتئاب يدفع الشخص لارتكاب جريمة اتجاه نفسه وفي حق الآخرين، مشيراً إلى الطرق العلاجية المتمثلة في الاهتمام بالنشاط البدني والرياضي، إضافة إلى تغيير بيئة المنزل (الغرف) والتعامل مع المصاب بطرق توعية ناجحة. وشددت على ضرورة تعزيز الجوانب الروحية والعلاجية بالأدوية والمضادات والعلاج النفسي، بجانب العلاج في شكل مجموعات تعاونية داعمة ومشجعة للمريض.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية