وزير الكهرباء : سبب الأزمة الطلب أكبر من العرض
خوف بالقطاع الصناعي من زيادة تعرفة الكهرباء
الخرطوم : وليد النور
أول مواجهة للبرلمان المنتخب مع الجهاز التنفيذي كانت حول أزمة الكهرباء التي تفاقمت في الفترة الأخيرة. ففي الشهرالمنصرم رفضت لجنة الطاقة مقترحاً لوزير الكهرباء بزيادة تعرفة استهلاك الكهرباء. وكان البرلمان السابق قد رفض أيضاً، زيادة تعرفة الكهرباء، بيد أن الأمر قد اختلف، فقد تم – لاحقاً-عقد اجتماع على مستوى رفيع برئاسة رئيس الجمهورية وبحضور كبار المسئولين لمعالجة الموضوع. وخلص الاجتماع إلى قرار بزيادة جزئية، على تعرفة الاستهلاك، تستثني الشرائح الضعيفة.
لكن خبراء استطلعتهم المجهر رأوا من حيث المبدأ أن أزمة الكهرباء لن تحل عبر زيادة التعرفة، أيا كانت، في ظل التدهور المريع الذي تعانيه بعض المحطات الحرارية.
وكان القصر الجمهوري، قد شهد يوم (الأربعاء) اجتماعاً مهماً لمناقشة أمر الكهرباء، عقب رفض البرلمان لمقترحات الوزير بالزيادة. وقد ترأس الاجتماع رئيس الجمهورية المشير “عمر البشير” في حضور نائبيه ووزراء رئاسة الجمهورية ومدير جهاز الأمن والمخابرات، إلى جانب المسئولين في وزارات النفط، والكهرباء والموارد المائية، وامتد زمن الاجتماع إلى أكثر من خمس ساعات.
عقب الاجتماع قال وزير الموارد المائية في تصريحات مقتضبة للصحف: “أعرف أمرين، الأول أن الكهرباء تباع الآن بــ 20% من تكلفتها والناس فيها سواء الغني والفقير. والأمر الثاني أن رئيس الجمهورية وضع خطاً أحمراً بعدم المساس بأصحاب الدخول المحدودة والمتوسطة. وفي هذا الإطار يتم التداول وسنرى ما يأتي به المستقبل.”
توقعات باستثناء:
الخبير الاقتصادي د.” محمد الناير” قال لـ المجهر في إطار قراءة لمخرجات الاجتماع كما عبر عنها الوزير، قال: أنه لا يتوقع أن تشمل الزيادة المتوقعة في تعرفة الكهرباء القطاع الصناعي أو التجاري، مضيفاً أن القطاعين ظلا على الدوام في شكوى مستمرة من القوة المحركة سواءً طاقة كهربائية أو فيرنس، بيد أن الزيادة ستؤثر سلباً على القطاع في ظل التكتلات الاقتصادية لاسيما الكوميسا والدول التي تنافس السودان مثل مصر، حيث تكلفة الطاقة فيها أقل بكثير من السودان. وتوقع د. “الناير” أن يكون التعديل في الأسعار يشمل القطاع السكني. وفي هذا الصدد اقترح أن يكون السقف المحدد للأسعار(600) كيلو واط / ساعة للشهر بحيث يدفع المواطن للـ (200) كيلوواط الحالية 17 جنيهاً، والـ (400) كيلو الثانية مبلغ (26) جنيهاً، على أن يدفع أي مواطن يزيد استهلاكه عن الـ (600)كيلو كامل استهلاكه بالتعرفة الجديدة، مشيراً إلى أن معظم المواطنين يترواح استهلاكهم ما بين (200و600) كيلوواط / ساعة خلال الشهر، مضيفاً أن هذه الطريقة ستكون أقرب إلى توجيهات رئيس الجمهورية التي شدد فيها على ضرورة الرفق بالفقراء، والتي ستجعل كافة المواطنين، كما قال، يلجأون إلى ترشيد الاستهلاك الكهربائي الذي سيوفر كميات إضافية للطاقة ستساعد في تقليل القطوعات خلال الأشهر الصعبة.
إغلاق المصانع:
لكن الأمين العام لإتحاد الغرف الصناعية ولاية الخرطوم “عادل ميرغني علي” أكد بداية في حديثه لـ (المجهر) تعليقاً على زيادة التعرفة المتوقعة، إن أي زيادة في أسعار الكهرباء ستؤثر سلباً على إنتاج المصانع الوطنية وستساهم في كساد للمنتجات. وشدد على أنه في حال إصرار الدولة على زيادة أسعار الكهرباء، فإنها ستدفع بأصحاب المصانع للتخلص منها عن طريق البيع أو الإغلاق. وأضاف “عادل” أنهم في اتحاد الغرف الصناعية سبق أن تقدموا بمقترح للحكومة بغرض إنشاء شركات لتوليد الكهرباء شراكة مع البنوك على أن تكون إدارتها للاتحاد، ولكن قوبل طلبهم بالرفض. وطالب الدولة بضرورة دعم القطاعين الصناعي والزراعي.
وتفاقمت أزمة الكهرباء بشكل خاص في الأسابيع القليلة الماضية، حيث شهدت
أحياء واسعة بولاية الخرطوم خلال الأسابيع الماضية قطوعات في الإمداد الكهربائي لساعات طويلة مما خلق حالة من التذمر وسط المواطنين الذين تأثروا أيضاً تبعاً لذلك بانقطاع الإمداد المائي في بعض الأحياء. وفي إطار سعيها لاحتواء الموقف، دفعت وزارة الموارد المائية للرئيس البشير بوثيقة ترمي لتطوير واستدامة التيار الكهربائي على عدة مراحل، حيث وافق البشير على اعتمادها، وعد بمتابعة مراحل عملها عن كثب.
عجز محدود
وتكمن جذور المشكلة، حسب إفادة للوزير، في عجز محدود في الكهرباء لا تتجاوز نسبته الـ(5%) من إجمالي (2500) ميغاواط يومياً في ساعات الذروة وليس طوال اليوم، كما قال، بما يعادل (4) ساعات يومياً في شهرين من العام، وبرر الوزير هذا العجز بأن كمية التوليد المتاح أقل من الطلب، لكنه قطع بعدم وجود تمييز أو استهداف لأحياء دون الأخرى في القطوعات التي أكد بأنها تتم بعدالة لتخفيف الإحمال في ساعات الذروة، ووعد بأن القطوعات المبرمجة ستتوقف بمجرد دخول فصل الخريف وانخفاض درجات الحرارة، مبيناً بأن كل درجة حرارة تعادل (50) ميغاواط.
تذبذب المياه
وقال الوزير “معتز موسى” في تفصيل إضافي أن العجز في الإمداد الكهربائي يعود إلى عدم استدامة الوقود، بجانب تذبذب مستوى المياه في النيل و البحيرات الرئيسة في سدي مروي والروصيرص، فضلاً عن بعض الإشكالات المتعلقة بالاختناقات في شبكة التوزيع والنقل. وأكد في تصريحات صحفية عقب الاجتماع أن الوزارة وضعت المعالجات التدريجية التي أدت إلى تحسين الإمداد بنحو أفضل مما كان عليه سابقاً، نافياً وجود برمجة للقطوعات حالياً. وأوضح أن الوثيقة التي قال أنها وجدت اهتماماً من الرئيس ونوابه قسمت الأعمال إلى مدى قصير لمعالجة العجز في التوليد بأنواعه المختلفة والاختناقات في شبكات النقل والتوزيع للعام (2015 – 2016م) مع استدامة بعض الصيانات وتعزيز التوليد بإضافات إسعافية بجانب خطة متوسطة المدى للأعوام (2017 – 2020 م) ومؤشرات هادية لمرحلة ما بعد العام 2020 م. وبشأن التوليد في سد مروي، قال وزير الموارد المائية: ” إن الوحدات العشر في السد جاهزة للعمل.” واستدرك بالقول “إلا أن في هذه الفترة من كل عام يكون مستوى البحيرة منخفضاً جداً”، مشيراً إلى أن الأيام العشرة الماضية كان إيراد النهر فيها منخفضاً دون المعدل مما يعني انخفاضاً كبيراً في القدرة على التوليد وهو أمر خارج سيطرة البشر، على حد تعبيره. وقال “الوزارة أعادت إدارة التخزين المائي بالبلاد على نحو منظومة واحدة لتعديل الأوضاع نحو الأحسن في مروي، وهو ما يجري هذه الأيام”.
ظواهر موسمية
واستطرد الوزير في توضيحه للموقف قائلاً: إن ازدياد كمية المياه خلال الخريف يجعل حجم المياه أمام وخلف السد متقارباً مما يتسبب في انخفاض التوليد مرة أخرى في سد مروي، مشدداً على أنها ظواهر موسمية لا تتعلق بالأداء في سد مروي، بل تؤثر على كافة السدود . وذكر “موسى” بأن انفصال الجنوب وفقدان البلاد لموارد مهمة من العملة الحرة أدى إلى انخفاض التوليد الحراري، إلى أدنى مستوياته، مشيراً إلى أن الإنتاج الحراري ارتفع من 19% إلى 40% من الشبكة القومية. وتوقع أن يرتفع حجم التوليد الحراري من 900 ميغاواط إلى 1350 ميغاواط العام القادم. وحول استيراد الكهرباء من إثيوبيا أكد الوزير أن الطلب على الكهرباء في إثيوبيا أصبح عالياً ومن ثم انعدم الاستيراد خلال الشهرين الماضيين مما أثر على حجم الإمداد لأنه كان جزءاً من حسابات الكهرباء.
وكان الوزير قد أكد عقب اجتماعه مع لجنة الطاقة بالبرلمان في الشهر المنصرم أن كل وحدات التوليد بالبلاد تعمل ولا توجد بها أعطال، فيما تحفظ على الإجابة عن سؤال يتعلق بما إذا كان هناك اتجاه لزيادة تعريفة الكهرباء. واكتفى بالقول أنه موضوع طويل، وبرر “موسى” عدم الإعلان عن القطوعات بأن وضع الشبكة متحرك ولا يمكن التنبؤ بزيادة الإحمال على الشبكة.
وكانت مصادر برلمانية قد كشفت عن تقديم وزير الكهرباء والموارد المائية “معتز موسى” مقترحاً للبرلمان لزيادة تعرفة الكهرباء لمقابلة القطوعات المتكررة، إلا أن النواب قابلوا طلب الوزير بالرفض بسبب ما أسموه الظروف الاقتصادية التي يمر بها المواطن.
ووجهوا الوزير للبحث عن معالجات أخرى منها اللجوء لترشيد الطاقة.
وقال الوزير خلال مرافعته أمام اللجنة إن تعرفة الكهرباء ظلت كما هي ولم تطرأ عليها أية زيادة منذ 2004م، بل تم تقليصها في 2009م، مشيراً إلى أسعار الحاجيات الحياتية متزايدة بينما أسعار الكهرباء ثابتة، وقال: (العربية الكنت بتشتريها في 2004 ب 60 ألف الآن ب 500 ألف جنيه، بينما سعر الكيلو واط ثابت).