رأي

النشوف اخرتا

أعمل حسابك
سعد الدين ابراهيم
عندما حدثني صديق بممارسة فلان لهذه الظاهرة: أعمل حسابك منو!! اندهشت أولاً وفغرت فاهي ثانياً واستغربت ثالثاً ورابعاً.. وعاشراً.. هل وصل الأمر بالناس إلى هذا الحد ليس من الفراغ والفياقة فحسب بل مدعومة بتتبع زلات النفس الإنسانية.. قال صديقي إن فلاناً هذا يسجل مكالمتك وفيها قد يسوقك إلى التحدث عن فلان وربما قلت رأياً سالباً فيه.. ماذا يفعل بهذا التسجيل؟.. لإشعال أوار الفتنة ونقل قول فلان (بالثابتة) وهي في لغة التحري.. توفر أركان الجريمة جميعاً بحيث لا تحتاج التهمة إلى إثبات أكثر مما تم ضبطه.. عندئذ يسمع فلان “قطيعتو بأضانو”.. خطورة هذه الظاهرة لا تتمثل في كونها سخيفة وفيها ترصد للناس للإيقاع بينهم وبين بعضهم فحسب.. لأن كلامك عن هذا الفلان يعتمد على حالتك النفسية ومدى تصالحك مع نفسك عندئذ تعتبره لغو كلام وتعذره لأنك أنت ذاتك قبل كده قلت في فلان ده ذاتو.. كلام ذي كلامو ده وأمكن أقسى ويعتمد على تعاملك مع هذا الصديق هل هو قريب منك الآن أم بعيد.. هل تصرف معك على نحو لم يرضيك بصورة أو بأخرى كل أولئك يمكن أن يتسبب في أن تقول كلاماً سالباً في هذا الصديق وقد يزول بزوال المؤثر.. وإنك قلت هذا الكلام تحت تأثير عتابك له.. أو زعلك..  الخطير في الأمر إنه للوقيعة يتعمد إسماعك جزء من الكلام وربما كان على طريقة “لا تقربوا الصلاة” كأن يقول ليك في الفترة الأخيرة عثمان ده بقى سخيف؟.. هنا يقوم بإسماعك الجزء الذي مؤداه.. عثمان ده سخيف.. دون في (الفترة الأخيرة) ضرورة هذه الجزئية تتمثل في أنها تعني فترة محددة.. بما يعني أنك قبل الفترة الأخيرة لم تكن سخيفاً وربما بعد الفترة الأخيرة أيضاً لن يكون سخيفاً.. فإذا قست على ذلك، فإن هذا الشخص يصبح مجرماً عديل كده.. لأنه قام بعمل “مونتاج” للكلام.. وجيٌره لصالح فكرة الإيقاع بك.
فالذي يسجل للناس مزاج ساكت.. ماذا تقول فيه سوى أنه مريض.. أما إذا كان يسجل للناس بسبب في نفسه أن يستخدمه كسلاح حين يقتضي الأمر عندئذ يصبح هذا الشخص شريراً وأنانياً لا يرى الخير إلا في نفسه وينظر إلى الآخرين بعين الريبة وتوقع الشر منهم على الدوام.. ثم أنه ينطوي على فراغ وسقوط همة في أن تنشغل بمثل هذا الأمر الشاق على النفس الإنسانية السوية.
وحتى يتم الرصد الأمين للظاهرة ومن ثم نعمد إلى تحليلها وتشريحها ومحاولة اللحاق بها حتى لا تستشري بين الناس وتجعلهم يعيشون حياة مرتبكة بالإحساس بالترصد.. تفقد أفراد المجتمع الثقة في بعضهم.. تتسبب في مشاكل اجتماعية لا حصر لها.. لذلك فمن يمارسها فليقلع.. مرة أراد مرافقي إسماعي بمكبر الصوت مكالمته مع طرف آخر فطلبت منه أن لا يسمعني ففي هذا تضليل.. فاسقط في يده فقد ظن أنني سأستمتع بتجسسي على الرجل.. استغرب من تصرفي هذا لأنه لا أحد يزجره عندما يقوم به.. وكان ينبغي فعل ذلك.. فلو عرفت أن فلاناً كان يستمع إلى مكالمتك الخاصة مع من تتكلم منه.. حتى لو لم تتورط في قول أي كلام سالب.. ستتضايق حتماً..
يا رب ساعدنا على قمع هذه الظاهرة في مهدها إن لم تكن في طور التسنين أو على مشارف البلوغ!!

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية