حكاوي من صالون الشيخ "الترابي" بالمنشية في إفطار الاتحاد العام للطلاب السودانيين
المنشية – طلال إسماعيل
في بيت الأمين العام للمؤتمر الشعبي الشيخ “حسن الترابي” تناول رئيس الاتحاد العام للطلاب السودانيين “النيل الفاضل” وأركان حربه، طعام الإفطار الرمضاني في يوم (الخميس) مع القيادة التاريخية للحركة الإسلامية وبحضور مقدر للصحفيين. التواضع كان السمة البارزة منذ دخولنا إلى بيت الشيخ الذي كان يشرف قبل الإفطار بنفسه على تهذيب الأشجار وطلاء جدران البيت، وهو يستعد لاستقبال ثاني أيام عيد الفطر حيث يأتي إليه الناس من كل فج عميق. جلست السيدة “وصال المهدي” تستمع إلى حديث الذكريات والمستقبل للشيخ “الترابي”، وبجوارها “سلمى” و”أسماء” و”إمامة”، بينما غاب الأبناء عن الجلسة الطلابية التي أشرف على تنظيمها الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي “كمال عمر”. الشيخ “الترابي” احتسى الماء بعد التمرة قبل أن ينبه بصوت جهور للصلاة، وفي صلاة المغرب قرأ الشيخ “الترابي” سورة الفتح، والرجل ينظر إلى فتح جديد ومشروع قادم.
طعام الشيخ وكلامه
المعروف أن الشيخ “الترابي” يكتفي بالقليل من الطعام وأصر على أن يتناول مع الطالبات طعام الإفطار وبمعيته رئيس الاتحاد العام للطلاب السودانيين ومدير مكتبه “تاج الدين بانقا”، كان الشيخ يداعب الصحفيين بالحضور ويسأل عن أحوالهم، يحدثهم بالنجوى، قبل أن يقول علناً في صالون الشيخ الشهير وهو يستحضر أحوال الأمة الإسلامية ونشأة الحركة الإسلامية والابتلاءات التي مرت بها، يقول:( هل نحن خير أمة أخرجت للناس؟ انظروا إليها، انظروا إلى الحكام كلهم طواغيت، وكلهم يقتلون بعض ويتحاربون وجهال وليس هنالك إبداعات واختراعات، زمان العرب علموا الآخرين كل العلوم الطبيعية والشرعية، بعد أن جاء الدين إلى أمة العرب المتخلفة، المستعمرون من الرومان والفرس والحبشة تحولوا إلى أمة رائدة وطليعة ليسوا طغاة ولكنهم تقاة ولم يستعمروا الأمم الأخرى، بنوا الناس بأنفسهم، وأي واحد فيكم لو طلع بره السودان يشتغل للعالم الإسلامي وتذكروا هذا الكلام، العالم كله صار واحد).
ويضيف “الترابي”:(الحركة الإسلامية بدأت أولاد وذكور في الجامعة وقدموا من بيوتهم بشيء من محفوظات الدين، وأنا واحد منهم حافظ كل الألفية ولامية صرف الأفعال وحافظ الشاطبية والمعلقات، والدين كان عندنا محفوظات ولم يكن حياً، هل المسجل الذي يبث القرآن الكريم فيه حياة ويستطيع أن يقاتل؟ وهل كل من يحفظ القرآن الكريم يجاهد في سبيل الله؟ تجده جالساً في خلوته ولا يتحرك أبداً بمعاني القران). ويحكي “الترابي” تاريخ الصراع مابين التيار الإسلامي والعلماني قي جامعة الخرطوم ويزيد: (عندما جئنا للجامعة وجدنا الابتلاء، وإذا لم يأتِ الباطل الحق لا يقوم، وجدنا الشيوعيين مسيطرين على الجامعة والخواجات أيضاً مسيطرين عليها وهذا استفزنا جداً، الطلبة الأوائل في الجامعة كانوا الشيوعيين وإخوانا الكبار أغلبهم طلعوا من الحزب الشيوعي، وتلاحظون هذا عندما افترقنا صار اسم من كانوا معنا (الحزب الاشتراكي الإسلامي)، تأثروا بالاشتراكية لكن نحن كنا معبئين بدين تقليدي ونقرأ للطبري، وصرنا نجدد في ديننا ووجدنا أننا من دون بنات وهذه حركة مزورة وضالة لأن الأوائل الذين آمنوا للنبي صلى الله عليه وسلم كانت من ضمنهم امرأة). ويواصل “الترابي” القصص التاريخية: (الدخول كان صعب جداً علينا، عندما دخلنا الشيوعيون كانوا طلبة غلبناهم بعد مدة ولمن جئنا في النقابات غيرنا الاسم إلى اتحاد العمال الوطني لأنهم كانوا يريدون أدوات نقابية حسب أوروبا الغربية أو أوروبا الشيوعية، صارعناهم في كل منطقة، أول مرة لم ندخل الانتخابات، لم نكن نعرف السياسة، الدستور الإسلامي الإسلام دين ودولة وكنا منكرين وغريبين ودراويش يسمونا حزب الله، وواجهتنا الابتلاءات وفي أي قرية دخلنا فلقونا بالحجار ومنطقة مقفولة لسيدي فلان ما تدخلوا هنا وطردونا وكسروا عربياتنا وانضرب فينا الرصاص، كل السودان حمناه عشان نزرع لينا في كل حتة نبت ولو ندفن لكنه يقوم مرة أخرى والحمد لله لا تكاد تدخل قرية وتسأله أهلها إلا ويجاوبونك بأن جدهم يوصيهم بجبهة الميثاق الإسلامي، تعاهدنا ان نكون إخواناً في الله إلى يوم القيامة، وهم يقولون لنا نحن ناس دين ولا نقدر على السياسة، وكلامهم هذا غير صحيح لأن الإمام “المهدي” نفسه كان يتبع للطريقة السمانية وقام بطرد المستعمر عن طريق الجهاد وتبعه أهل السودان وزاهد في الدنيا، وهذا أكبر إسلامي قاوم الاستعمار بس عندنا عيب أكلمكم به في إنا وفي الآخرين وأنا عامل بتاع دستور قانوني درست في انجلترا وارميا وفرنسا الحقيقة أن الحركات الإسلامية عندما قامت انظروا إليها مخلصة حركة سنية استفزتها الشيوعية، مستعدة للجهاد والاستشهاد ولكن عندما يهدمون الباطل يتحير ولا يعرف ماذا يفعل، المهدية دخل الناس فيها بإخلاص لكن أول ما جاء الحكم تحولت إلى ضرب في بعض وقتل ومجاعات).
ويضيف “الترابي”: (أحزابنا الدينية كلها ما فيها امرأة من أولها لآخرها، وهنالك حزب فيه بنت الشيخ فقط وحزب أخر حتى الآن في قيادته لا توجد امرأة وتحسب لحدي مائة من قيادات ذلك الحزب، ولم نجد أيضاً في حركتنا أي تمثيل لجنوب السودان، ووجدنا التمثيل لكل السودان ولكن لم نجد جنوبياً معنا، وصاحبنا جنوبي وصار في قيادة الحركة الإسلامية وليس داخل الإسلام وحسب، وأي حركة ما فيها جنوبي فهي حركة عنصرية وعرقية وليس حركة دينية، لأن الله من آياته اختلاف ألسنتكم وألوانكم، ونحن حاولنا أن نمر من هذا الابتلاء).
وواصل “الترابي” سرده لمعاناة الطالبات اللائي انضممن للحركة الإسلامية في نشأتها بعد التزامهن باللبس المحتشم وأداء الصلوات والشعائر، مما يعد ذلك غريباً في ذلك الوقت.
وأوصى “الترابي” الحضور باستشعار المعاني الكلية والتوحيدية للشعائر وهو يقول: (مشكلتنا ليس لدينا دين مكتوب في السياسة، كتب الفقه تعرفونها؟ أي كتاب فقه مالكي أو شافعي أو حنبلي أو أي حاجة ما فيه ما يعلمك الإدارة ولا السياسة ولا التجارة، كتب الفقه ما فيها شيء يقطعون الصلاة إلى فرائض وسنن وكذلك الوضوء ولا يشرحون لنا لماذا نمسح شعر رأسنا؟، لا يعرفون لها معنى، انتم جيل قادم، ونحن خلاص أقرب للآخرة من الدنيا رصيدنا هنا خلاص، الأعمار بيد الله، اسأل الله أن لا يطيل عمركم فسحب لأنه إذا طال بالسيئات تحاسبون يوم القيامة ونحن هنا أول حركة إسلامية سنية، وحضرنا لقيام الدولة منذ زمن، ذهبنا إلى الصين باسم الجبهة الإسلامية القومية والصينيون يريدون التجارة فقط وذهبنا للسعودية ويوغندا كحزب سياسي نعد لقدام ونفكر لقدام – ذلك قبل قيام ثورة الإنقاذ الوطني – نحن نفكر لقدام وبعد أن سقط نظام الرئيس إبراهيم عبود خرجنا من الجامعة إلى تشكيل حزب سياسي، كنااً حزب ضد الشيوعيين وبدأنا نخطط لقيام حزب جديد، ضربوا الإخوان المسلمين في مصر وسمينا أنفسنا بالإخوان المسلمين ولم نكن فرعاً منهم ونقرأ كتبهم، وبعد انتهاء حكم عبود أسسنا جبهة الميثاق الإسلامي وفيها جماعة أنصار السنة المحمدية والصوفية، عملنا مجهود وقمنا بزيارة معظم أنحاء السودان، كنا نخطط لذلك قبل سقوط عبود، وبعد شهر أسسنا جبهة الميثاق والأحزاب رجعت إلى قديمها ).
حكى “الترابي” كذلك عن معاناته في السجون. وقال: (في أيام مايو – في حكم الرئيس الراحل “جعفر نميري” – دخلت السجن قبل الوزراء، كنا مقصودين، بعد (4) شهور أفرجوا عن كل وزراء الحكومة وأنا طلعت بعد (41) شهراً، اتأذينا أذى بالغ وأنت لا تدري قد تكره شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً، السجون علمتنا وجعلتنا نخطط ونفكر، وإذا كنا خارج السجون كنا مشغولين بالأكل والشرب والمناسبات الاجتماعية،والسجن صلحنا وشد عزائمنا والاضطهاد الكثير في مايو نفعنا، طلعنا مخططين، بعد (15) يوماً فقط اجتمعت الجبهة الإسلامية القومية وجبنا (70) جنوبياً في تأسيس الحزب).
توحيد الحركة الإسلامية قبل رمضان القادم
ونظر “الترابي” إلى القيادات الطلابية وقال لهم: (على ماذا أنتم مختلفون؟ هل تختلفون على أن أمر الدين هذا شورى، نحن ما في يوم اختلفنا وكلمة شيخ دي جابوها لي وأنا في السجن في زمن مايو وما شيخ ولا حاجة، وكانت كود وسمينا كل واحد منا باسم مختلف عشان السجان نديهو الورقة، جاتني اسم ساي ومشت معاي لحدي ما بقت، والناس يطلقون عليهم الأسماء وتمشي معاهم، واستشهد باللقب “الدولب”.
وتوجه “الترابي” بالدعاء: (أسال الله أن تكونوا أنتم أسرع منا، وسارعوا إلى مغفرة من ربكم ورضوان، خاصة وأنتم لا تحملون ثقلاً، نحن وإخوانا بهناك – في إشارة منه للمؤتمر الوطني – جارين تقل من خوف وبيوت وأبدوا لينا إن شاء الله ونحن نجي وراكم، صلوا بنا من أجل توحيد الحركة الإسلامية وبطلوا التجسس وأذى بعضكم لبعض، المؤمنون إخوة، سورة الحجرات تكلمنا عن التآخي، واسأل الله أن يعينكم على ذلك، وقبل أن يتوفانا الله في الحياة الدنيا، ومن قبل كان يمر علينا عام نسمع أنكم سبقتونا، لا تسبقونا إلى شر ولا إلى قروش تشيلوها مننا، كل أمانينا في الحياة التي نقصد بها الآخرة، نمشي إلى الآخرة مع بعض إخوان على سرر متقابلين، نمشي كويسين إلى يوم القيامة).