"الترابي" يكشف عن وحدة الإسلاميين ويحذّر من الأمريكان.. ويرفع سبابته في نشيد "سيد قطب"
من بيت الشهيد “عادل نقد” بالخرطوم.. الأمين العام للمؤتمر الشعبي يفجر المفاجآت للمرحلة القادمة
تقرير– طلال إسماعيل
لم يجد الأمين العام للمؤتمر الشعبي “حسن الترابي” غير أن يرفع سبابته إلى أعلى في بيت الشهيد “عادل نقد” بالخرطوم حينما أنشد المجاهدون يوم (الخميس) عقب تناولهم الإفطار الرمضاني كلمات الشهيد “سيد قطب”: (أخي أنت حر وراء السدود.. أخي أنت حر بتلك القيود)، ذلك النشيد الذي يربط التيارات الإسلامية في العالم بمحنة الإخوان ومواجهتهم للأنظمة السياسية أو من يحاول أن يعرقل مشروعهم لقيام دولتهم التي ينشدون من خلالها قيم العدل والمساواة والحريات، وإن انحرف نظام الحكم عن ذلك.
لكن الشيخ “الترابي” في إفطاره الثاني مع المجاهدين– بعد إفطار “ود إبراهيم”- الذين قدموا لسبيل فكرتهم كل غالٍ ونفيس، يبدو أنه أكمل ملامح مشروعه القادم حينما كشف عنه بعد أن واجهته الأسئلة الصعبة في بيت الشهيد “نقد”، لم ينس “الترابي” أن يربط الجهاد بقيم الشورى وتمسكه بإتاحة الحريات ودفاعه المستميت عنها، مما كلف الرجل كثيراً في حياته، و”الترابي” يستشهد بتبديلات الفصول والطبيعة، ويشير إلى أن كل سنة تتغير من السنوات القمرية وهي أصغر من الشمسية، ويقول: (وتدور بنا.. رمضان مرة يأتينا في الحر نعطش شديد ومرة في الشتاء ونحتاج للأكل، أكل كثير). لكن “الترابي” الذي يكمل كلماته بالإشارات ولغة الجسد وضع بوضوح معالم وحدة التيارات الإسلامية في السودان ومواجهة الولايات المتحدة الأمريكية في المستقبل القريب.
ويقول الترابي: (قبل الإنقاذ لكم أخوة ذهبوا إلى فلسطين وتدربوا على الجهاد قبل قيام الإنقاذ لأننا كنا نعد لقدام، لأننا نعمل للغد ونعمل للآخرة.. ذهبنا إلى الصين، وهذه من نعمة الله على الجبهة الإسلامية القومية، ولم نذهب إلى الصين للتجارة ولنجلب السلع أبداً، ولكننا ننظر هنا في يوم إذا قامت هنا قائمة الدين سوف يقوم الغرب كله علينا، فلابد أن نبحث عن من نستنصر بهم كما استنصر النبي باليهود في المدنية). وكشف “الترابي” عن التفكير الإستراتيجي للجبهة الإسلامية القومية في الاستفادة من علاقاتها الخارجية لمواجهة التحديات بعد استيلائها على الحكم قائلاً إن كل تلك كانت إعدادات من خلال محاولات المجاهدات في فلسطين وغيرها، وطبعاً في يوم من الأيام هذا البلد لم يكن يأمن إلا عندما قام المجاهدون- في إشارة منه إلى مشاركة كوادر الحركة الإسلامية في القتال بالعمليات بالإضافة إلى مشاركتهم في تأمين الحكومة عند قيام الإنقاذ في سنواتها الأولى- المجاهدون مهنهم لم تكن عسكرية، كانوا يطلبون التعليم وكانت مهنتهم التجارة، كلها تركوها، تركوا المهن وتركوا التجارة، وكلهم تولوا يقاتلون في سبيل الله ورفعوا كلمة الإسلام تماماً وصدوا تماماً الهجمات الأولى- في إشارة منه للغزو على السودان في جبهات القتال بجنوب السودان قبل الانفصال- حتى صد الناس عنا، ثم من بعد ذلك أصبحوا يأخذون علينا بالضغوط الاقتصادية.. وأضاف “الترابي”: (وطبعاً إذا جوعوك كثيراً فهذا من باب إن لم يستطيعوا عليكم بالقوة يأتوكم بالبطن، وكثير من الناس شهوات البطن بالنسبة لهم مهمة جداً)، وبسخرية ردد مقولات السوق الأسود: (الدولار طلع.. الدولار طلع والقيامة لا يتذكرونها، والدولار طلع .. الدولار طلع).
واستعرض “الترابي” مجاهدات الحركة الإسلامية ومواجهتها للأنظمة السياسية في السودان منذ الاستقلال وقال: (النبي صلى الله عليه وسلم لم يدخل المدينة فاتحاً وما دخل غازياً، لأن الله أمره ألا يغزوا ” إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ”.. لكن نحن كلما اقتربنا إلى السلطة….)- هنا سكت ثم واصل: (مع النميري هل تذكرونه؟ يعني راوضناه وذكرناه، وجاته توبة في آخر زمانه بعد أن كان سكيراً في حنتوب أصبح هو الذي منع الخمر، والحمد لله، وما فعل ذلك إلا وجاءه قوم من تلقاء الغرب– في إشارة منه لوفد من الولايات المتحدة الأمريكية- وقالوا له نحن نعلم من الذي فعل بك تلك الأفاعيل- يقصدون الجبهة الإسلامية القومية- لما منعت الخمر ولما أقمت الحدود؟ وقالوا له إذا أردت أن تتعالج وتأتي عندنا لابد أن تقضي على هؤلاء.. وألقى بنا إلى سجن بعيد في جنوب الفاشر وذهب ولم يعد غفر الله له، لم يعد حاكماً يعني.. ذهب مرة واحدة).
{ المهدية والحركة الإسلامية
وتناول “الترابي” بالشرح التاريخي دور الإمام “محمد أحمد المهدي” في مواجهة الاستعمار بالسودان قائلاً: (الجنوب لم يكن به ناس.. يعني كل قبلية لوحدها.. وجاء محمد علي باشا الذي لا دين له وأخذ أغلب طلاب الأزهر وعلمائهم وذهب بهم إلى فرنسا، وأغلبهم عادوا مرتدين وجاء يلبس جبة الأزهر وعمة الأزهر، وقال معليش أدوا الله الصلاة، والباقي “الله لا يعرفه” إن كان في السياسة أو الاقتصاد والفنون والرياضة وكله- في إشارة للعلمانية- وهذا الذي جعل حركة الإسلام في مصر تنهض وتقوم لأن طلبة الأزهر ارتدوا كلهم.. نحن الحمد لله قامت قومة إسلامية إسلامية، جمعت السودان ببعضه البعض.. “المهدي” لم يقل لنا عندكم رواتب، ولم يعطنا أسلحة، ولم يقل لنا سوف نعمل لكم مشاريع، ولم يقل مدارس أو مستشفيات، ولكن في سبيل الله فقط نجاهد الكفار وجاهد الناس من كل القبائل، لا وجود لقبلية أكرمكم عند الله اتقاكم. وكل الطرق الصوفية جاهدت في سبيل الله وطردوا الاستعمار تماماً بعد أن تولى الاستعمار أغلب البلاد الإسلامية.. لكن مرة أخرى عندما جاء السلطان الناس انتكسوا مرة أخرى، وبدأوا بضرب القبائل وبدأت المجاعات، وبدأ الضرب، وبدأ القتل، وانتكست المسألة، وجاء الكفار مرة أخرى، علوا علينا.. “وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ”.. ودارت علينا مرة أخرى).. وأشار “الترابي” إلى الأهداف التي من أجلها تسلمت الحركة الإسلامية كرسي الحكم في السودان بعد التجارب السياسية التي خاضتها وقال: (وقامت الإنقاذ يا أخوانا، نحن لا نريد بعد الإنقاذ أن تقوم أية فتنة من السلطان إن شاء الله ولا فتنة مال.. عايزين الإنقاذ تعمل مثال للعالم الإسلامي، العالم الإسلامي يا أخوتي كلكم تنظرون إليه، لا يعرفون كيف يقيمون الدولة الإسلامية.. ولا يعرفون السلطان وكلهم مخلصون مثل أنصار الإمام “المهدي”، ومخلصون مثل الأفغان، والأفغان عندما ذهب الروس لا يعرفون كيف يقيمون الدولة، كانوا مقاتلين فقط، ولذلك عندما ذهب الروس بدأ الأوزبيكي يقاتل الطاجيكي والقبائل تتقاتل في أفغانستان حتى جاء الأمريكان وركبوا عليهم.. والجزائريون طردوا مليون فرنسي مستعمر مستوطن في الجزائر كمحافظة فرنسية ثلاثة أرباع مليون منهم جيش، كل هؤلاء صدوهم في الخارج. لكن انتكسوا بعد ذلك.. وبعد كل هذه الدماء جاءوا بالاشتراكية، وإلى الآن لم تقم لها قائمة).
{ “الترابي” يعلن مشروع وحدة التيارات الإسلامية
لأول مرة في خطاباته في المناسبات العامة يتكلم “الترابي” بوضوح عن الأهداف المستقبلية لمشروعه السياسي والفكري بعد أن كثرت التفسيرات حول معالم النظام الخالف الذي يطرحه، ووسط تكبيرات المجاهدين والمقاتلين قال: (وبعد كل مائة سنة يجدد الله بكل حركة لتجدد ونحن لدينا مائة إن شاء الله، ليس أنا المتكلم، ولكن كل الذين لديهم تاريخ إسلامي في هذا البلد، كلهم بدأوا يتذكرون وبدأت تأتيهم، وكلهم يتداعون ويوماً ما غير بعيد في هذا البلد سيتداعى كل هؤلاء الناس وينسون الأيام التي فتن بينهم الشيطان وضرب بعضهم بعضاً.. وسجن بعضهم بعضاً.. وأذى بعضهم بعضاً.. ح يتلموا كلهم).. هنا تعالت هتافات وصيحات المجاهدين بالتكبير والتهليل، وتوقف الشيخ “الترابي” وواصل قوله: (إخواننا الصوفية لن يحصروا الدين في الخلوة والدين سينطلق إلى الخارج.. الصوفية ديل ناس مستعدين يجاهدوا في سبيل الله، “المهدي” نفسه كان سماني في الأول لكنه خرج للجهاد، وقال لهم إن ذلك في سبيل الله ولسنا مشغولين بالدنيا وزهاد في الدنيا نريد الآخرة.. نحن نريد أن نجمع كل الإسلاميين والناس أغرتهم الفتن الاشتراكية وأوغلوا في الاشتراكية.. تحدثنا إليهم وذكرناهم فتذكروا.. أمس القديم جاءنا الرجل الثاني في الحزب الشيوعي ودخل في الجبهة الإسلامية القومية.. والآن في الاشتراكيين والبعثيين والناصريين.. وهنالك الليبراليون الذين اضطربوا وأصبحوا قروداً للغرب، يريد الواحد منهم أن يلبس ويتحدث مثل الغربيين، وإذا قالوا له نذهب بك إلى أمريكا فكأنهم قالوا له سنذهب بك إلى الجنة.. من كل هؤلاء نجمع الناس يا إخواني “أكلمكم النصيحة” ما بنقول كتير كدا- في إشارة منه إلى أنه لا يريد أن يكشف تفاصيل التنظيم السياسي الجديد القادم بعد الحوار الوطني- لأن الأمريكان إذا عرفوا سوف يأتون لضرب السودان بأية طريقة.. بأي طريقة ح يضربوه.. لكن إن شاء الله الدين إذا انزرع في الأرض سيقوم إن شاء الله، وإذا تأخر الخريف هذه السنة سوف يأتي الغيث إن شاء الله وتأتي رحمة الله تصب، ويقوم في الأول “ضعيييف كدي”، لكن بعد ذلك يقوى ساقه ويغرز في الأرض ويكبر ويثمر إن شاء الله، ويخضر إن شاء الله.. ونحن لا ندري بالآجال المعروفة لدى الناس.. العمر عند الله، والآجال عند الله، قد يموت شاب منا بعد قليل تضربه سيارة.. لا ندري الآجال.. لكن اسأل الله قبل أن يتوفاني في هذه الدنيا أن نرى إن شاء الله نهضة جديدة ثانية للدين في هذا البلد، نهضة إن شاء الله ولكل العالم الإسلامي تنطلق من هذا البلد وتقوم قومة أخرى، وناس يتركوا قبليتهم هذه وعصبيتهم هذه وكلنا نتآخى في الله إن شاء الله.. ويتركوا فسادهم في السلطة وفسادهم في المال العام.. كلهم أوفياء إن شاء الله لبعضهم).