منصوريات
كتب الأستاذ “فضل الله رابح” القيادي في الاتحاد الوطني للشباب السوداني تعقيباً على مقالة (الأربعاء) الماضي التي جاءت تحت عنوان “ويشتم الضيف المضيف”، وجاء في تعقيب “رابح ود فضل الله”:
كتب صديقي “يوسف عبد المنان” في عموده المقروء بأخيرة (المجهر) الأربعاء 1 يوليو 2015م مقالاً قال فيه إنني قد شتمت الدكتور “منصور خالد” على خلفية لقائنا معه بداره. واستنكر “يوسف” بأن ننزل ضيوفاً على الرجل الذي فتح لنا قلبه وداره ثم ننتقده. أولاً- أخشى ألا يكون أخي يوسف قد قرأ المقال بتمعن لأنه إذا قرأه بعمق لا يمكن أن يسقط عليه كل تلك الاتهامات التي وصمني بها، لأنني لم أفرط في عرضي لمرتكزات الجلسة الفكرية التي التأمت بدار “منصور خالد” عقب صلاة التراويح، ولم يستضفنا في مأدبة رمضانية إكرامية، فهي كانت جلسة مقصدها الأساسي الحوار ولم تكن سرية ولا خاصة، فهي مفتوحة وليس فيها ما يتحفظ عليه. نحن جئناه بفكرنا وهو لديه فكره، وأتيناه للحوار ولم نأته لننهل من فكره السياسي الذي يفترض الحرية المطلقة غير الخاضعة لموروث الدين والمجتمع، فهل تريدنا أخي “يوسف” أن نلين مواقفنا ونجامل الرجل ونتبنى أطروحاته الفكرية لمجرد أننا دخلنا داره، التي في نظر البعض كأنها دار “ابن خلدون أو مفتي الأمة وإمام الأئمة العالم “أبو حامد الغزالي”.. القضية أكبر من دار “منصور خالد”، لكن السؤال لك: هل تغيرت قواعد اللعبة السياسية؟ أم تغير “منصور خالد” الذي جردت نفسك للدفاع عنه حماية لسوره من خدوش (الموهومين)-على حد تعبيرك؟؟ أخي “يوسف” إنني لم أحضر اللقاء بصفتي عضواً موفداً من اتحاد الشباب الوطني الذي هاجمته وهاجمت رئيسه الخلوق الدكتور “شوقار بشار”، وإنما جئت بصفتي الصحافية الاحترافية، وجادلت الرجل بهذه الصفة. وللأمانة كان “منصور خالد” منشرح الصدر للحوار ومستوى النقاش ولم يبدِ غضباً أو ضجراً، لذلك اندهشت للمقال العدائي الذي سطره يراع صديقي “يوسف” الذي اتجه لمزيد من العداء وإنتاج الكراهية وهو منهج لم يرد في مقالي ولا في ثنايا الحوار الذي رأى فيه “يوسف” بأنه مكرمة وتفضل من “منصور خالد”، بيد أنه لقاء فكري عميق في القضايا الوطنية مثار الجدل الآن، ولم يكن لقاءً لاحتساء القهوة. وإن كان كذلك لما لبيت الدعوة، لذلك حتى “منصور خالد” كان استعداده وتحضيره للحوار والجدل بالحسنى أكبر من أن يعد مأدبة عشاء ولا حتى شاي، وبالتالي مقال صديقي “يوسف” جانبه الصواب وفيه تشويه لجو الحوار وطبيعته التي سار عليها، ولم يعلق على أم القضايا التي كانت مثار النقاش، وأخشى أن يكون ابتساراً متعمداً.. هناك أمر آخر أن “يوسف” قد أورد صفات لم أنعت بها الرجل لا صراحة ولا تلميحاً، ولا ادري من أين أتى بها “يوسف”.. مثال لذلك قوله إنني قلت إن (منصور إمبريالي وعميل أمريكي)، فإنني للأمانة لم أقل هذا البتة، ولم أورد كلمة إمبريالي إطلاقاً ودونكم الأرشيف.. إنني قلت “منصور خالد” (ليبرالي) تعليقاً على نزوعه المنحرف نحو التحرر السياسي والاقتصادي المطلق ورأيه الواضح الداعي إلى تنحية الدين بعيداً عن الحياة العامة!! لجهة أن “منصور” يدعو لضرورة منح الآخرين حرية ما يريدون. لكنني لم أخوّن الرجل في وطنيته، ولم أقل إنه (إمبريالي) يعمل من أجل السيطرة والتسلط السياسي والاقتصادي، وهو منهج أهل الإمبراطوريات التي تعيش حالة توهان حتى اليوم.
لقاؤنا مع منصور أخي “يوسف” لم يكن بعيداً عن السياسة، وإنما من صميمها، وتبادلنا له الرأي لا يعني أن نعترف بأفكاره المنحرفة، ومع ذلك نقدنا لا يعطينا الحق في إطلاق الأحكام النهائية على الآخرين، ولم نسلب الرجل الذي ترى فيه أنه من أهل النظر حقه في أنه مطلع ومفكر ورفد المكتبة العربية والأفريقية وليس السودانية بالكتابات، اتفق الناس أو اختلفوا حولها، ظل منتوجاً فكرياً وإنسانياً واجب الاطلاع عليه.. أخي “يوسف” رجل يقول الحل الأوفق في موضوع الجنائية بإيقاف “أحمد هارون” وتسليمه، هل تريدنا أن نوافقه في هذا التفكير المعوج والفكر المشروخ؟ وفي تقديرك أن مخالفتنا له تعتبر سوء أدب وفاحش وبذيء قول.. صديقي “يوسف” إننا نحترم الرأي والرأي الآخر.. ولم أكن متطرفاً وأعتقد أن “منصور خالد” كذلك، ولم نغرز سكيناً في كبد الرجل، ولم نتزلف “منصور خالد” حتى ينزلنا مقاماً علياً.. نحن أيضاً أهل فعل ونظر، نعترف بتجربة رجل مثل “خالد” ولكن نحن أجيال علينا أن نراجع هؤلاء النخبة في فكرهم، طالما هم حتى الآن لم يتوافقوا على تعريف الدولة الوطنية أو الهوية السودانية، وطالما لا يزالون يتهمون بعضهم البعض ولم يتفقوا على دستور دائم لحكم البلاد.. من حقنا أن ننقذ أنفسنا حتى لا نذهب للمشانق السياسية ونحن معصوبي العينين، فهي ليست خطيئة “شوقار” ولكنها محمدة تحسب له، فهو الذي جمعنا على أمل التفاكر وتجاوز بعض هوامش نقاط الخلاف.. فلماذا تعملون صديقي على تصعيب اللقيا واستمرار الهجران والغياب وتنحرفون بحوارنا مع الرجل؟؟ ويبقى الود.
فضل الله رابح
انتهى التعقيب المطول للأخ “فضل الله”، وفي التعقيب رد على بعض ما ورد في صدر المقال بعجزه.. يقول “رابح” لم يذهب إليه إلا بصفته كصحافي وكاتب، ولكنه يستخدم كلمات من شاكلة (ذهبنا) و(كنا) و(لنا) و(فكرنا)، فهل لو كان الأمر مطارحة ومناظرة فكرية بين رجل علماني، كما تدعون، وبين قيادات حركة إسلامية حاكمة البلاد بأسنة الرماح، منذ 1989 لأصبح “منصور خالد” في كفة و”فضل الله رابح” و”شوقار” وبقية ثلة الاتحاد الوطني في كفة أخرى، أم كان الطرف الآخر هو “علي عثمان” و”أمين حسن عمر” و”سيد الخطيب”؟.. وهل لو عرض الأمر على د. “منصور خالد” كمناظرة فكرية أرتضى المناظرة والحوار الفكري؟!
لم يقل “رابح” (إمبريالي) و(علماني)، ولكن إذا أردت وصف الحمار بذكاء فلتقل إنه حيوان أليف شديد الغباء له ذيل طويل وأذنان ويمتطيه الإنسان.. فماذا يكون غير الحمار يا “رابح”؟! وقصة “منصور” مع الكُتّاب الذين ينتهجون التجني ومحاولات اغتيال قلمه متعددة لم تبدأ مع التيار الإسلامي الحديث، لكنها تمتد لحقبة الستينيات، مع “عمر مصطفى المكي” رئيس تحرير صحيفة (الميدان).. ثم في السبعينيات كانت معارك د. “عبد الله علي إبراهيم”، وانتاشته سهام د. “محمد إبراهيم الشوش”، والراحل العلامة “عبد الله الطيب” بسبب موقف “عبد الله الطيب” من الجنوب والجنوبيين، ومطالبته باكراً بفصل الجنوب بزعم أنهم لا يشبهون الشماليين، وكان متقدماً على “الطيب مصطفى” في نظرته العنصرية. ولم يشأ د. “منصور خالد” الرد على كل المتهافتين والذين تحركهم حكومات وأحزاب.. انصرف لما هو أهم في التأليف والكتابة الرصينة وهو العالم بأصول الدين.. فقد ولد “منصور خالد” في بيت صوفي كبير وجده كان عالماً اختلف مع الخليفة “عبد الله التعايشي”، وكان نصيبه سجن (الساير) في أم درمان.. لست مدافعاً عن “منصور خالد” عن حب أو أعجاب.. ولكن إحقاقاً لحق الرجل الذي لم نسمع له رأياً سالباً في مولانا “أحمد هارون” كشخص، و”أحمد هارون” كحالة، وإن قال ذلك فتلك رؤيته نحترمها ونقدرها.. فأنا لست “حسين السيد” ولا “عبد الله محمد علي بلال”.. “هارون” أخي وصديقي.. مؤمن جداً بقدراته، ولكن لا يمثل معيارية في علاقاتي بالناس إذا ساءت علاقته بأحد تبعته مغمض العينين.
وما كتبه الأخ “رابح” رداً على زاويتي فيه الكثير جداً من عدم التقدير لرجل استضاف اتحاد “شوقار”، بل لم يخلُ من الهمز واللمز والغمز عن الشاي ووجبة العشاء. وظني وتقديري أن الوفد خرج مشبعاً بأطروحات مهمة من رجل له تجربة تستحق أن يستفيد منها شباب اتحاد “شوقار”، ولكن دون الإساءة له، والتجني عليه. و”رابح” قلم يكتب يومياً بما يروق له في الشأن العام، ولكن تجربته لا تؤهله حتى اليوم ليضع رأسه نداً لـ”منصور خالد”، ويجعل من نفسه مناظراً له أو حتى “بشار شوقار” الذي عرف في ميادين العطاء والوظائف والمبادرات من أهل الفعل، ولم تعرف عنه (فروسية) في ميادين الفكر حتى تحمله لمناظرة د. “منصور خالد”.. ولكم مودتي.. وكل جمعة وأنتم بخير.