تكليف د. "مصطفى عثمان" على طريقة "نافع" و"غندور" في ملف السلام
“مصطفى البطل”.. هل أتاك حديث التمرد الآن؟؟
الولاة الجدد ثوريون أم يلعنون سلفهم بالفساد؟؟
حديث السبت
يوسف عبد المنان
يكتنز كثير من الوزراء الذين غادروا مواقعهم أخيراً خبرات يصعب على حكومة راشدة ودولة سوية التخلي عنها (هكذا).. في الإدارة والاقتصاد تجلس الآن في الأرصفة خبرات مثل “عبد الرحيم حمدي” ود. “عوض الجاز”.. ولا يمكن لحزب المؤتمر الوطني الاستغناء سياسياً عن “علي عثمان محمد طه” أو د. “نافع علي نافع” أو د. “الحاج آدم يوسف” لمجرد أن دورات التغيير والتجديد اقتضت أن يذهبوا بعيداً عن مواقعهم التنفيذية.. وقد جاء في الأخبار أن الحكومة تعتزم تحريك ملف المفاوضات مرة أخرى، وأن مغادرة البروفيسور “إبراهيم غندور” للمفاوضات إلى منصب وزير الخارجية جعلته بعيداً عن الملف الذي له مطلوبات مهمة جداً تتعارض مع مهام وزير الخارجية مثل التفرغ التام لمتابعة التفاوض واستحقاقاته التي تتطلب في بعض الأحيان عقد جلسات حوارية في الداخل والخارج مع شخصيات حكومية ومعارضة ومستقلة.. لذلك رشحت مصادر حزب المؤتمر أن تؤول مهام التفاوض إلى د. “مصطفى عثمان إسماعيل” أشهر وزير خارجية في عهد الإنقاذ، والتفاوض المعني هنا حول المنطقتين فقط.. ودارفور تم وضعها (حاكورة) للسيد “أمين حسن عمر” يفاوض من يشاء ويبعد من يشاء ويسترضي من يشاء بغير حساب.. ود. “مصطفى عثمان” تسعفه خبرة طويلة ممتازة كوزير خارجية.. ظل لسنوات لا يجرح بلسانه أحداً ولا يميل للهتر وفاحش القول السياسي، الشيء الذي أهله لتولي ملف المفاوضات مع جبهة الشرق أو مؤتمر البجا، ومن خلال الوسيط الإريتري والمال العربي اشترى “مصطفى عثمان” أمن السودان من ثغرة البحر ومرتفعات إريتريا باتفاقية خاطبت جذور مشكلة الشرق في التنمية والإعمار.. وأخيراً تم إنصاف الإقليم من حيف وظلم السنين بتعيين المهندس “إبراهيم محمود حامد” مساعداً للرئيس ونائباً لرئيس حزب المؤتمر الوطني.. والآن للشرق ممثلون في رئاسة الجمهورية، “موسى محمد أحمد” و”إبراهيم محمود حامد”، وممثلون أيضاً لدارفور، ولا حظ لكردفان والجزيرة إلا وزارات لا تقيم الأود ولا تغني من جوع للسلطة.
اختيار د. “مصطفى عثمان إسماعيل” لخلافة د. “إبراهيم غندور” في الملف الأكثر تعقيداً، هو خطوة باتجاه الحل إذا وجد الرجل سنداً سياسياً وقراراً مركزياً وتوجهاً صادقاً لحل النزاع الدامي الذي يهدد وحدة ما تبقى من السودان، وينذر بعواصف لا قبل للسودان بها إذا تباطأت خطى الحل.. وليس مهماً من يتولى الملف، لكن مهماً جداً لماذا يتولى الملف؟؟ مع أن الاعتبارات الشخصية في السودان لها آثارها المباشرة.. وغداة إلغاء الحكومة السودانية لاتفاق (نافع- عقار) وإسناد ملف التفاوض للدكتور “كمال عبيد” الذي استكثر على الجنوبيين ومن شايعهم العلاج في المستشفيات الشمالية ولو كان ذلك من خلال حقن مريض يغالب سكرات الموت إمعاناً في كراهيته للجنوبيين وبغضه لهم لأسباب خاصة به.. في تلك الفترة جمعتني زيارة وزير الخارجية “علي كرتي” للقاهرة وافتتاح بناية الجالية السودانية الجديدة وبناية السفارة بعدد من منسوبي الحركة الشعبية من أبناء جبال النوبة وهم قد تظاهروا أمام مبنى السفارة مرددين شعارات مسيئة لبلادهم وسفارتهم، وحينما سألتهم عن التفاوض وفرص تحقيق السلام وبعضهم من أبناء الأحياء التي نشأنا فيها ومنهم زملاء دراسة في كادوقلي الثانوية.. وآخرون من أبناء العمومة والأخوال.. قالوا إن حكومة السودان نقضت عهداً واتفاقاً وقعه د. “نافع علي نافع” الذي كان حينذاك من النافذين في السلطة والقادرين على فعل كل شيء.. فكيف تأتي اليوم بمدير جامعة من غلاة المتطرفين، ويعنون “كمال عبيد”، ويسندون إليه ملف التفاوض ونوقع معه نحن (المغفلين) اتفاقاً مثل اتفاق (نافع- عقار)!!
“مصطفى عثمان” لا ينقصه النفوذ و(الظهر المحمي) في الحزب والدولة، لكن ينقصه القرار السياسي القاضي بالمضي قدماً نحو توقيع اتفاق سلام ينهي الحرب.. إذا لم يصبح السلام والتفاوض قناعة لكل أجهزة الدولة السياسية والعسكرية والأمنية ولم يتخذ المكتب القيادي لحزب المؤتمر الوطني قراراً بالتفاوض من أجل السلام لا التفاوض من أجل التفاوض وشراء الوقت، فإن مهمة د. “مصطفى عثمان” مصيرها الفشل؟؟ وحتى لا يذهب د. “مصطفى” إلى مهمة معروف مصيرها سلفاً، فإن حصوله على قرار من الحكومة بشأن التفاوض ومآلاته أهم من الترتيبات الإجرائية لانعقاد جلسات التفاوض وبعث السيد “أمبيكي” من مرقده الحالي.
{ “مصطفى” البطل.. ومشهد دمى قلبه
الأستاذ “مصطفى عبد العزيز البطل” كاتب أنيق العبارة، يسوق لأفكاره ورؤاه من خلال مزج الهزل بالجد واستدعاء تجاربه في الحياة العامة.. ولغته الرصينة.. كتب في مقالته (وكأن الديمقراطية هي الحل) في صحيفة “السوداني” (الخميس) الماضي مقالاً رصيناً كما هي مقالات “البطل”، وأثار حزمة من القضايا.. لكن ما يعنينا هنا ما ورد في عجز المقال حينما قال: (ثم تأملت المشهد العام في سودان اليوم، كان أول ما صعقني وقدح أعيني مرأى الحشود المتراصة من مركبات التاتشر المكتظة بالقرنوف والملتوف والكلاشنكوف والدوشكا وقد جلس فوقها أجناد من أحبابنا أبناء النوبة والزغاوة والمساليت والفور والوطاويط، وهم يطوفون أرجاء البلاد يتحرون انهيار سلطة المركز وسقوط رايتها ومليشيات مسلحة أخرى لا نعلمها، الله يعلمها، ثم تذكرت الصومال وليبيا واليمن والعراق والسبحة تكر حباتها.. استيقظت عندها من نومي وقلت خير اللهم أجعله خيراً).. تأملات “البطل” في يقظته وأحلامه شيء وحقائق الواقع شيء آخر.. ولو كتب هذا القول كاتب من أهل السلطة في سعي دؤوب للتحرش بالقبائل التي ذكرت في المقال لوصمها بالتمرد ابتغاء مصلحة تعبوية لحشد المناوئين وقتال المتمردين.. لقلنا إنها سيئة تسوء ما وراء الكاتب.. ولكن “البطل” مثقف عميق واسع الاطلاع يفترض أن مثله يقرأ ما يكتبه قبل أن يزفه للناس.. والقبائل حتى ورد ذكرها من نوبة ومساليت وفور ووطاويط ليست هي وحدها التي حملت السلاح في وجه سلطة المركز، ولا تمثل الحركة الشعبية بقيادة “عبد العزيز الحلو” عصبة النوبة كقبيلة، وإن كان أغلب منسوبي الحركة من المقاتلين (نوبة) فإن جماعات أخرى انخرطت هي الأخرى تحمل السلاح في وجه الدولة لسبب أو آخر.. ودون تحريف أو تحيزات فإن أبناء قبيلة الحوازمة وهم يعدّون أنفسهم عرباً وينسبون إلى الشجرة النبوية مثل سائل أهل السودان سعياً وراء تأكيد ما هو غير مؤكد عن عروبة تلك القبائل، حزم بعض أبنائهم السلاح وقاتلوا الدولة، وهم الآن جنود وضباط في الحركة الشعبية.. ربما غشيت عين “البطل” غشاوة حجبت عنه رؤية اللواء “بندر أبو البلولة” أحد أبناء المسيرية ومعه اللواء “حسن حامد” وقتل في أحداث (أبو زبد) المتمرد “رحمة رحومة” والمتمرد “فضيل رحومة”. وقتل في أحداث (قوز دنقو) على أيدي قوات الدعم السريع “محمد البليل” وهو من بلدة (خماس الدونكي) في قلب بادية حمر.. وقد هامت حمرية من قرية (صقع الجمل) بحبيب لها من قرية (خماس) فأنشدت الأغنية الشهرية: (لو ما بخاف كلام الناس بسكن معاك خماس).. وإذا كان الرئيس “البشير” ينسب إلى قبيلة البديرية فإن “ياسر عرمان” من أبناء عمومته.. والمتمرد “إبراهيم الجاك” القيادي السابق في حزب الأمة ومحافظ تلودي هو من الذين رأتهم عينا “البطل” على ظهر سيارات (التاتشر).. والعهد على الراوي سيدي “البطل” أن شركة الـ”تايوتا” اليابانية العملاقة اضطرت العام الحالي مع صيف الحسم إلى جمع سيارات اللاندكروزر (التاتشر) من معارضها في بلدان الخليج وآسيا وأفريقيا للوفاء بطلبات السودانيين من تلك السيارة.. الحكومة تشتري سيارات (التاتشر) خصماً على فاتورة علاج الملاريا ومياه الشرب وسبورة التلاميذ ومقاعدهم، لتقاتل بها بني جلدتها من المتمردين الذين يشتري لهم سيارات اللاندكروزر الداعمون للحرب من دول الإقليم والقارة.. وحتى ننقذ أنفسنا، فحري بـ”البطل عبد العزيز” والكُتّاب الآخرين الذين يسدرون في دربه الدعوة لوقف الحرب.. وحل مشكلة المساليت والنوبة والوطاويط، وسؤالهم عن الأسباب التي حملتهم على ركوب (التاتشر) في الصحارى وبين مفازات الجبال والموت بالمئات في معارك لا تنتهي.. ونسعى معاً من أجل أن تلتئم الجروح.. والبلدان التي لجأ إليها المثقفون والخبرات النادرة من أبناء وطننا من أمثال “عبد العزيز البطل” كانت لديها مشكلات مثل مشكلاتنا وقضايا أعمق من قضايانا، لكن المثقفين والكُتّاب والنخب الحاكمة أصغت لصوت العقل، وانتصر ضمير الخير في دواخلها على منابت الشر، فاختارت طريق التواؤم والمصالحة وتجفيف الدموع بدلاً عن إيغار الصدور بعبارات تجرح ولا تضمد.. ولك محبتي أخي “البطل”.
{ الولاة والقرارات الثورية
أول قرار اتخذه الفريق “عبد الرحيم محمد حسين” والي الخرطوم إعفاء مدير هيئة مياه الولاية وإعادة تعيين مدير الهيئة السابق الذي فصله الوالي د. “عبد الرحمن الخضر” قبل عام من الآن بسبب العطش الذي ضرب الخرطوم.. ولم يجد الوالي حينذاك من علاج لقضية عطش سكان الخرطوم إلا إقالة المدير وتعيين مدير جديد.. وقد تدفقت مياه محطة المنارة على سكان أم درمان ومحطة مياه أبو سعد، لكن الحال كما هو.. وبلغت الأزمة في رمضان الحالي ذروتها بانقطاع المياه عن أحياء ولاية الخرطوم لأيام وليالٍ.. واضطر بعض السكان للتظاهر والاحتجاج، وكعادة الشرطة لم تقصر في واجبها المقدس بفض التظاهرات، وبالتي هي اخشن، لأن في عقيدة الشرطة من يتظاهر ويرفع صوته احتجاجاً هو بالضرورة معادٍ ومواطن غير صالح.. وجاء قرار الفريق “عبد الرحيم” بإعفاء المدير الذي وجده واقفاً على ثغرة الماء والمجيء بالمدير القديم، كأن القضية في مديري المياه!! ودوماً مثل هذه القرارات تجد زخماً إعلامياً.. ويظن العامة من الناس أنها الحل الشافي لمشاكل الخدمات.. وما هي إلا قرارات انفعالية لو نظر والي الخرطوم لمشكلات الخدمات لوجدها عصية وشائكة.. ولا علاقة لها بالمديرين.. ونقص المياه في الشبكات يعود إلى قلة المياه التي تضخها المحطات.. وتهالك شبكة التوزيع.. والانقطاع الدائم للتيار الكهربائي من الأحياء.. وادخار الأغنياء والأثرياء للمياه في صهاريج ذات سعة تخزينية كبيرة وحرمان الفقراء والمساكين من نعمة الماء.. ووالي الخرطوم الفريق “عبد الرحيم محمد حسين” أسند لوزير الصحة مهام نظافة الولاية وترك المعتمدين.. وتلك من القرارات الارتجالية التي درج الولاة الجدد على اتخاذها دون تروٍ.
وفي محاولة لإثبات نظافة وطهر وثورية الولاة الجدد اتخذ بعضهم قرارات بالفصل والطرد من الخدمة لبعض الأمناء العامين في الوزارات..ا لدكتور “محمد طاهر أيلا” أعفى مدير عام المالية وليته أصدر قرار إعفائه فحسب، بل بشع بالرجل في وسائط التواصل الاجتماعي بالحديث عن (تعاقده) براتب شهري يصل إلى (15) ألف جنيه وحوافز تضاهي المرتب، وفي ذلك إدانة للحكومة التي كانت قد تعاقدت مع هذا الموظف، وهي حكومة المؤتمر الوطني السابقة التي (تبشع) بها حكومة المؤتمر الوطني اللاحقة.. ولم يقصر د. “عبد الحميد موسى كاشا” في فصل مدير المالية، والحديث عن الفساد في الندوات والمخاطبات العامة.. فهل السادة الولاة القادمون الجدد هم فعلاً رسل للنزاهة والقيم والفاضلة وتحملهم أخلاقهم وسلوكهم إلى محاربة الفساد؟؟ أم هي محاولة لكسب الجماهير ودغدغة عواطفها بفصل بعض الموظفين بحجة أنهم فاسدون في أنفسهم أو مفسدون لغيرهم؟؟
نجاح الولاة لا يرتبط بالقرارات الثورية التي يصدرونها ولا الطواف على الأسواق والجلوس مع بائعات “الكسرة” و”الشاي” في أمسيات رمضان.. لكن بالمؤسسية في الحكم وتشكيل الحكومات، ومراجعة الأداء دون السعي لتجريم الآخرين ممن سبقوهم في الموقع وإلغاء التعاقدات الخاصة.. وقد كان المهندس “آدم الفكي” والي جنوب دارفور رجل دولة جديراً بالاحترام والتقدير حينما اكتشف أن (70%) من ميزانية الولاية تذهب لإيجار العربات، وأن بعض الدستوريين في الحكومة يركبون عرباتهم الخاصة ويسكنون في بيوتهم، لكن نظير إيجار السيارات والبيوت بمبالغ كبيرة جداً، أصدر قراراً بتكوين لجنة لمراجعة هذه العقودات في هدوء ودون ضوضاء وصخب.. وتلك هي صفات وسمات رجل الدولة الذي ينبغي أن يكون عليه الولاة.. والٍ آخر من أقصى شرق السودان “آدم جماع” في كسلا ركب سيارة “بوكس” وحمل “قفة الخضار” يوم (الجمعة) وطاف على الأسواق لشراء احتياجات بيته من اللحوم والخضر ولم تتبعه الهواتف الذكية لتسجيل صورة “عمر بن عبد العزيز” الجديد وهو يتسوق في كسلا.. ومنهج إدانة أي والٍ جديد لسلفه لا يجد الاحترام والتقدير من الشعب الذي يميز بين الصالح والطالح، ولا شأن له بإدانة أحد.. لكنه يتطلع لتحسين معيشته، وأن يحظى بخدمات المياه والصحة وتحسين بيئة المدن.. وتخفيف غلواء المعيشة التي طحنت الغالبية العظمى من الشعب.