القيادي وعضو البرلمان "محمد أحمد الطاهر "أبو كلابيش" لـ(المجهر):
“نميري” منع وزراءه ومساعديه عن (شرب العرقي ولعب الورق واستباحة الجمال)
أنا أسميها انتفاضة شعبية.. وهي انقلاب (مايو) ضد (مايو)
دخلت مجلس الشعب الثاني عبر الجودية ولم أدخل الثالث بسبب اتهام باطل
يحمل وداً كبيراً للرئيس الراحل “جعفر”محمد نميري”، يغضب عندما تذكر سيرته بسوء.. قال: (دخلت مجلس الشعب الثاني عبر الجودية وخرجت من الثالث باتهام باطل)، ورفض أن يستن سنّة يتبعها كل برلماني خسر السباق الانتخابي، استنكر تسمية انتفاضة (رجب/أبريل)، وقال إن ما حدث انقلاب من داخل ثورة مايو بقيادة “سوار الذهب”، وكشف عن دعم الرئيس “نميري” لتطبيق الشريعة ،وقال للجنة الصياغة (أنا ما عاوز حاجة مدغمسة يا شريعة ،أو لا شريعة إسلامية).. أقسم إنه كان قريباً من “نميري” لكن لم يشاهد الكرسي الذي يكون بجانبه، وقال إن “نميري” كتب لوزرائه ومساعديه بأن يمتنعوا عن ثلاث (شرب العرقي، ولعب الورق، واستباحة الجمال)، الذي يستطيع، يجيب بنعم، والذي لا يستطيع عليه تقديم استقالته.
حوار – وليد النور
{ كيف ومتى دخلت البرلمان لأول مرة؟
_ أولاً أنا لم انتم إلى أي حزب من الأحزاب السياسية قبل دخولي البرلمان، وكنت عائداً من المملكة المتحدة بعد أن (حضّرت) في اللغة الإنجليزية، وتم تعيني معلماً للغة الإنجليزية بمدرسة الدلنج الثانوية بنات، وجاءني وفد من أهلي في أواخر العام 1974 بـ(اللواري) وبرفقتهم الأخ “جبر الله خمسين”، وهو قاضٍ مقيم في كادوقلي، وطلبوا مني أن أترشح لمجلس الشعب الثاني، لكنني رفضت ذلك بحجة أنني لم أمارس السياسة في حياتي قط حينها، فأغضبهم الأمر ورفضوا حتى شرب الماء ورجعوا غاضبين.. ثم عادوا للمرة الثانية ،وبنفس الصورة ومعهم “جبر الله خمسين” وكذلك والدي- له الرحمة- الذي طلب مني ،وأقسم عليّ قسماً مغلظاً، أن أرشح نفسي.
{ هل كان والدك عضواً في الاتحاد الاشتراكي؟
_ لا أبداً، لم يكن في الاتحاد الاشتراكي ،ولا أنا.. وترشحت للانتخابات، وكانت الدائرة تمتد من شمال دارفور حتى الأبيض، ومطلوب فوز خمسة أشخاص من الـ(100) المرشحين، وفزنا نحن خمسة من المنطقة، وجئنا ممثلين في البرلمان الذي كان في موقع المجلس التشريعي لولاية الخرطوم، حالياً، وبعد ذلك جاء مجلس الشعب الثالث.
{ المسؤولون عن حملتك الانتخابية أقروا بأنهم قدموا رشاوى، واستبعدت من الدائرة؟
_ نعم.. فعلاً، حدثت مشكلة كبيرة في الترشيح، وأنا لم أدخل المجلس، ووصلت القضية إلى القضاء.
{ إذا أنت لم تقدم الرشوة.. لماذا قال أعضاء حملتك الانتخابية ذلك؟
_ في الحقيقة، بعض الناس من غير علمي ذهبوا إلى المحكمة ،وفتحوا بلاغات على أنفسهم، بأنهم قدمت لهم رشوة، فحاولت إقناعهم بأن الحكاية لن تنفع وانتهت. لأن الفرق بيني وبين المرشح الآخر في الدائرة الجغرافية حوالي (72) صوتاً لكن الجماعة، تأثروا ، وقالوا إنهم قدمت لهم الرشوة، ووصلت القضية إلى القضاء وكسبت أنا في المرة الأولى، وفي الثانية خسرت، وفي الثالثة كسبت، وكان لديّ (17) محامياً بقيادة الشيخ “أحمد إبراهيم الطاهر”، و”صديق تلودي” و”عبد الله أحمد مهدي” وآخرون كثر، والمرشح الآخر السيد “الضو محمد الضو” ،أحضر من المحامين عمنا “محمد يوسف محمد” و”علي عثمان محمد طه”، والقضية وصلت حتى الخرطوم.. وبالمناسبة دخلت بعض الآراء ، وأوحي إليّ أنه إذا كان القضية (اتحكمت) بهذه الصورة فمن الصعوبة أن يسقط أي شخص في الانتخابات مستقبلاً. لذلك تركت القضية بعد نصيحة من رجل أعزه جداً، بأن هذه الحكاية لو (اتحكمت) ستصبح سابقة، فاقتنعت وسافرت منتدباً من وزارة التعليم إلى سلطنة عمان وقضيت بها سنة واحدة ، ورجعت، وحل مجلس الشعب الثالث ودخلت انتخابات مجلس الشعب الرابع ،وأصبحت عضواً فيه.
{ مجلس الشعب الرابع ،تم فيه إلغاء الرياضة الجماهيرية؟
_ صحيح، بدأ العمل الجاد في إلغاء الرياضة الجماهيرية، واستمر فيها النقاش حتى وقت متأخر من الليل ،وأجيز بالإجماع لأن الجلسة عندما تكون قانونية بعد ذلك لو انسحب أي عدد تستمر قانونية، وأنا كنت ضد هذا الأمر، وبعد فترة كتبت طلباً وأُعدته، ووقف معي عدد كبير من الأعضاء وأعيدت الفرق كما كانت.
{ ما هي الأشياء التي ظلت عالقة في ذهنك من برلمان الشعب الرابع؟
_ من الأشياء التي أذكرها تماماً أن في سنة 1976 وهذا أعدّه رداً لما يقال عن تطبيق الشريعة في عهد الرئيس “نميري”، الذي بدأ بأشياء أساسية في القيادة الرشيدة، أتذكر في عام 76 كتب “نميري” خطاباً لشاغلي المناصب التنفيذية والتشريعية كافة ،ووقع عليه بيده شخصياً، وطلب من كل أعوانه بالمستويات السياسية والإدارية كافة، أن يكفوا عن ثلاثة أشياء (شرب العرقي، ولعب الورق، واستباحة الجمال).. إذا كنت تستطيع أن تتجاوز هذه الأشياء الثلاثة فرد بالإيجاب، وردك يعدّ قسماً وعهداً بينك وبين الرئيس، وإذا لم تستطع أن تترك واحدة من الأشياء الثلاثة ،لأي سبب من الأسباب، أو عدم اقتناع منك أرجو أن تكتب استقالتك، وطالب بالرد عاجلاً، فرد الجميع عدا شخص واحد، كتب استقالته.. هذه كانت البداية للعام 1976.. وجاءت المرحلة الثانية، وكانت لاحقة ، وهي قفل بيوت الدعارة، وهذا تم وأجيز بواسطة البرلمان، الذي وضع جدولاً لكل محافظ من المحافظات ،لترتيب أوضاع للناس وتصنيفها بزمن ومحدد.
{ كيف ومتى تم تطبيق الشريعة الإسلامية؟
_ تطبيق الشريعة تم في اجتماع القيادة المركزية، الذي انعقد بقاعة الصداقة، وقسمت فيه الكتلة البرلمانية إلى عدة لجان من بينها اللجنة القانونية، وفي اليوم الأخير عرضت لجنة الصياغة التوصيات، وكانت التوصية المتعلقة بتطبيق الشريعة الإسلامية ،ليست واضحة ووردت حمالة للمعاني، وتقول ليست الشريعة الإسلامية هي التشريع، لكن قد تكون جزءاً منه.. لكن الرئيس “نميري”، قال: يا جماعة أرجو أن تكون التوصية واضحة أريد منكم شيئاً واحداً حتى لا يقول الناس ، إن نميري جاب ناس اتونس معاهم داخل القصر ثلاثة أيام، وعمل شريعة إسلامية.. أريدكم أن تأتوا أنتم كمسؤولين أمام أنفسكم وأمام الله والشعب السوداني، أن تأتوا بتوصية واضحة إما ان تكون هناك شريعة، أو لا تكون هنالك شريعة.. لكن هذا الكلام غير مقبول.. وسبقت ذلك إراقة الخمر بواسطة الرئيس شخصياً، وقفل البارات.
{ من هم أعضاء اللجنة؟
_ اللجنة في القصر، وكانت فيها الأخت “بدرية سليمان” و”عوض الجيد” و”النيل أبو قرون”، وفعلاً رفعوا الجلسة إلى اليوم التالي، وتم التداول والاتفاق، واتخذ القرار بالإجماع على إعلان تطبيق الشريعة الإسلامية، ومن يقول إن “نميري” وحده أعلن الشريعة فهو غير صادق، لأن ذلك تم بواسطة كل القوى السياسية ،المشاركة في الاتحاد الاشتراكي، وبعد ذلك جاءت محاكم العدالة الناجزة واستمر التطبيق مع اختلاف بعض الآراء، لكن المهم كان هو تطبيق الشريعة الإسلامية دون (شق ولا طق)، واستمرت الأمور لفترة، وبعد ذلك حدث الانقلاب.
{ الانتفاضة الشعبية (ثورة رجب/أبريل)؟
– أنا أسميه انقلاباً على (مايو) من داخل (مايو)، لأنها كانت مكونة من خمس فئات هي (الموظفون، العمال، الرأسمالية الوطنية، والمثقفون والقوات النظامية).. والذي حدث هو أن القوات النظامية هي التي قامت بالانقلاب بقيادة “سوار الذهب”.
{ بل الجيش انحاز للشعب؟
_ لولا انحياز الجيش، المواطنون حتى الآن في عهد (الإنقاذ) خرجوا كم مرة؟ حتى البيان الذي خرج من القيادة العامة، يقول انفراط عقد الأمن.. عقد الأمن من المسؤول عنه؟ أليست هي القوات النظامية؟!
{ هل كان “نميري” دكتاتوراً في قراراته؟
_ أنا اعترافي مبنى على أشياء كثيرة لا داعي لذكرها الآن.. والذين تحدثوا عن (مايو) وعن دكتاتورية “جعفر نميري” ، أنا أعتقد أن هذا الحديث غير صحيح، وأعطيك حادثة واحدة من الأشياء الكثيرة التي تحدث، فبعد أن ذهب أخونا، رحمه الله ، “الرشيد الطاهر” لمجلس الوزراء ، وعين “أبو القاسم هاشم” عضواً في البرلمان وأتينا في اجتماع الهيئة البرلمانية، في الاتحادي الاشتراكي برئاسة المرحوم “إبراهيم علي التوم”، الرئيس “نميري” كان حاضراً ، وبدأت الترشيحات . الرئيس رشح “أبو القاسم هاشم” ليكون رئيس المجلس، وزكاه بأشياء كثيرة جداً.
{ ما حقيقة الكرسي الفارغ الذي كان بجانب الرئيس “نميري”؟
_ أنا عملت معه لأكثر من (15) عاماً لم أشاهد ذلك، وما يتداول في هذا الشأن محض افتراء.