أربعة رمضان
{ لم تتبقَّ إلا الذكرى والعبرة من التاريخ المأساوي لصراع الإسلاميين الذي انتهى بتصدع الحزب لحزبين والحركة الإسلامية إلى شيئين كل منهما أضعف من الآخر .. وانزلق بالوطن نفسه ليصبح وطنين لو لم يوقع المؤتمر الشعبي على مذكرة التفاهم مع الحركة الشعبية بقيادة “جون قرنق”، وتقديم نفسه للغرب كوجه إسلامي غير تقليدي ينبذ الحرب والإرهاب لما هرول المؤتمر الوطني إلى أحضان “نيفاشا” مغمض العينين للتوقيع على اتفاقية لم يقتنع بها نصف قيادات الحزب، لذلك عمدوا على إضعافها وإفشالها وتدبير المكائد لها بل جاء الحزب بأعضاء حكومة بعضهم لم يقرأ حتى بنود الاتفاقية وغير مقتنع بها، لذلك كانوا لأعداء الاتفاقية نصراء وظهراً في السلطة ونفوذاً يحميهم!
{ كان للرابع من رمضان ثغرة تسلل منها شيطان الحرب لدارفور اندلقت الزجاجة وانكسرت وتفرق الشمل وكانت حركة العدل والمساواة التي تحمل السلاح هي ثمرة لصراع الإسلاميين من هم في السلطة يعتبرونها جنيناً خرج من رحم المؤتمر الشعبي، ومن وقف في المعارضة كان يذهب ويفتخر بحركة متمردة قيادتها من الإخوان السابقين وجنودها من عامة المكونات القتالية لحركات دارفور ومع حركة العدل وغيرها من الفصائل التي خرجت من رحم السلطة أصبح دارفور هو إقليم العزاب وجهنم السودان. ولا تزال تبعات حرب دارفور شاخصة في المسرح السياسي… الرئيس لاحقته المحكمة الجنائية لموقفه الأخلاقي من موظفين في حكومته طالتهم تهم بارتكاب جرائم حرب، ولكن الرئيس تصدى للمحكمة الجنائية ونافح عن موظفي حكومته بخلق قومي. .وشجاع ومروءة حتى لو كان ثمن ذلك تمدد الاتهامات لتطاله شخصياً، ولا يعرف بعد إلى أين تنتهي تبعات المحكمة الجنائية التي صنعها السودانيون من سوء تقديرهم وبؤس تدبيرهم.
{كان الرابع من رمضان فاصلاً تاريخياً بين جيل دبر وقدر وصنع الإنقاذ في دهاليز الصمت وجيل حمل البندقية منافحاً عن انقلاب لم يشترك فيه وركب قطاراً لا يعرف إلى أين سيذهب به، كان الرابع من رمضان محطة د. “الترابي” شيخ الحركة الإسلامية وزعيمها من غير منازع الأخير في السلطة. خرج من البرلمان وأصبح سجيناً حراسه تلاميذه. ومع “الترابي” غادر جيل بأكمله السلطة ممن كانوا مخلصين لشيخهم، وذهب “يسين عمر الإمام” حتى مات حسرة وغاب “محمد يوسف محمد” ورحل “موسى حسين ضرار” والذين وقفوا مناهضين للترابي وداعمين لإزاحته من السلطة باعتباره عبئاً ثقيلاً على السودان بمنطق “عبد الباسط سبدرات” و”موسى يعقوب” و”التجاني صالح فضيل” لم يمكثوا طويلاً في واجهة الأحداث جرفتهم مياه التغيير ورياح الشكوك والظنون فأصبح “مكي بلايل” و”أمين بناني” ومن ثم “غازي صلاح الدين” و”مبارك الكودة” منبوذين ومطرودين من رحمة السلطان. وحتى العشرة الذين وقعوا المذكرة التي أطاحت بالشيخ من العرش وجعلت “البشير” حاكماً وحده لا شريك له. هؤلاء العشرة أكلهم السبع بدءاً بـ”حامد محمد علي نورين” الذي ركب مركباً صعباً وخاض معركة ليست معركته فلفظته الجماعة، وأصبح “بهاء الدين حنفي” موظفاً في وزارة “مصطفى عثمان” ولم يتبقَّ اليوم من الذين كتبوا مذكرة العشرة إلا الجنرال “بكري حسن صالح” قابضاً على جمر القضية ومرشحاً لخلافة “البشير”. وإن طالت سنوات حكمه وعاد بروفيسور “إبراهيم أحمد عمر” عودة مفاجئة.. بعد أن ظن الجميع أن جيله قد لزم الجابرة وجلس في الظل وقد تقاعد الجيل الذي جاء من بعده طوعا ً”علي عثمان” و”عثمان خالد مضوي”.. ود. “نافع علي نافع” .. والآن يقود الدولة جيل جديد نصفه معافى من داء الصراعات ومرارات الماضي القريب، جيل يقدم نفسه بلا عقدة شيخ ولا نزعة دينية طاغية .. وجيل يعمل ولا يتحدث. الرابع من رمضان فتحت باب النجومية لتيار الشباب القابض على مفاصل التنظيم الآن والذي ارتقى لمفاصل السلطة، والرابع من رمضان فتحت الأبواب المغلقة في السابق لولوج تيارات شعبية لقلب التنظيم وزعماء عشائر صعدوا لهيئة مجلس الشورى ورياضيين واقتصاديين وتجار أصبحوا يصنعون الأحداث، وقبل ذلك لولا الرابع من رمضان لما أصبح الاتحادي الديمقراطي شريكاً وحزب الأمة حليفاً و”تابيتا بطرس” داعماً لترشيح “البشير”، ولما فتح الخليج ومصر وأجزاء من أفريقيا أبوابها لحكومة السودان بعد أن تخلصت من الأصوليين حسبما يعتقدون!