أخيره

خبير حماية الحياة البرية "جلك" يحكي لـ(المجهر) عن ما قبل التحاقه بالحياة البرية

التحقت بالشرطة (من زمن البوليس أبو رداء) والآن الشرطة بخير
“جلك” (أ. ص) كان أخطر لص أيد “نميري” إعدامه ونُفذ فيه
هكذا ألقى (المقاول) جثة عشيقته داخل بئر وعثرنا بيدها على ساعة (مضبوطة)
حوار – محمد أزهري
التحق” محمد حسين جلك” بقوات الشرطة منذ العام (1979) إبان عهد الرئيس الراحل “جعفر نميري” وكان آنذاك في الثامنة عشرة من عمره.. عشق الكاكي وعاصر (البوليس أبو رداء) في عهد مدير عام قوات الشرطة اللواء “عبد الله حسن سالم”.. تلقى تدريبه العسكري بمعسكر الحزام الأخضر جنوب الخرطوم، وعين برتبة جندي بفرعية مباحث بحري كأول عمل ميداني له نسبة لرشاقته ونباهته.. زامل مدير شرطة مباحث ولاية الخرطوم حالياً اللواء “عبد العزيز حسين عوض” وكان آنذاك برتبة الملازم، والفريق “عبد الرحمن حطبة” الذي كان آنذاك برتبة نقيب، ومدير عام قوات الشرطة السابق الفريق “محمد نجيب” وكان في ذلك الوقت برتبة رائد، زاملهم في حقبة الثمانينيات.. وعُرف عمل المباحث في تلك الفترة باعتماده على المجهود الفردي والميداني، لذلك كانت توكل له مهمة المداهمة الاستباقية لسرعته الفائقة في القفز على أسوار المنازل المشتبه بحيازة أصحابها للحشيش، وله عدة طرق يستخلص بها الحشيش أينما خُبئ.
قضى “محمد حسين جلك” بشرطة المباحث نحو أربعة أعوام قبل أن ينتقل إلى شرطة حماية الحياة البرية، التي تدرج فيها حتى وصل إلى رتبة مساعد، وفيها واجه الكثير من المواقف الصعبة والطريفة والمرعبة.. صارع الأسود والنمور، وانتصر في كل المواجهات، لكنه خرج بعجز في أحد أصابع يده بعضة أسد.. لم تخفه تلك المواجهات حتى اشتهر “جلك” بخبرته العالية في ترويض كل الحيوانات التي تهرب من أقفاصها بحديقة حيوانات المقرن آنذاك.. المساعد “جلك” له من القصص ما يشيب له الرأس ويندي له الجبين، تشعرك بأن الرجل لا يستشعر خطر الموت، أو تجعلك تذهب إلى أنه يريد جذب انتباه الآخرين إلى أن يوصلك بغريزته الفدائية أنه يألف الحيوانات ويدرأ خطرها عن الآخرين.
(المجهر) استنطقت الرجل الذي يعمل في صمت بدون كلل أو ملل في حوار اخترنا أن تكون حلقته الأولى عن أشهر القضايا التي أثارت الرأي العام إبان عمله في شرطة مباحث بحري وكان ضمن أتيام البحث فيها.. فلنطالع ماذا قال..
{ أولاً- رمضان مبارك عليك؟
_ الله يبارك فيك، وربنا يقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن ينعم على البلاد بالأمن والاستقرار، وشكراً لصحيفة (المجهر) التي أحبها جداً وأنا واحد من قرائها.
{ المساعد شرطة “محمد حسين جلك” علمت أنك عايشت (البوليس أبو رداء) هل هذا صحيح؟
_ (مبتسماً).. أنا التحقت بالشرطة في العام (1979) وتدربت بمعسكر (غابة الخرطوم) ومحله الآن هو السوق الشعبي الخرطوم، لكن في ذاك الوقت كان عبارة عن “خلاء” تكسوه الأشجار.. وأكملنا التدريب بمعسكر (الحزام الأخضر) جنوب الخرطوم، وكنا فترة المعسكر نرتدي (الرداء)، لكن قبل أن نتخرج بأيام قليلة أصدر الرئيس الراحل “جعفر محمد نميري” قراراً بتغيير الزي من (رداء إلى بنطلون)، لكن تقدر تقول (أنا من زمن البوليس أبو رداء).
{  قبل أن نغوص في عالم الحيوان والحياة البرية.. حدثنا عن أشهر القضايا التي عايشتها وأنت في شرطة مباحث بحري؟
_ حسناً.. في ذاك الوقت وبعد أن تمرسنا في عمل البحث الجنائي كان هناك كثير من القضايا التي هزت الرأي العام، وكانت الشرطة ناجحة فيها بدرجة ممتاز.
{ ما هي أشهر قضية؟
_ من أشهر القضايا الراسخة في ذهني قضية أشهر لص يدعى (أ. ص. أ)، هذا الرجل كان متخصصاً في كسر المحال التجارية والنهب وهو لص محترف ومتمرس يقوم بعمل غريب جداً قبل وبعد تنفيذه للسرقات.
{ ما هو هذا الشيء الغريب؟
_ هذا الرجل كان يصطحب معه مجموعة وهو يمثل زعيمهم يجتمعون في منزل بمنطقة مايو يتناولون الخمر ويستهدفون المحال التجارية الكبرى.. والشيء الغريب هو أن ما يتحصل عليه من السرقات ينفق أغلبه على الفقراء والمساكين.
{ هل قام بسرقات شهيرة؟
_ نعم.. اللص (أ. ص) نفذ أغرب وأشهر سرقة في تلك الفترة حيرت أصحاب المحال التجارية بأم درمان قبل أن تحير أفراد الشرطة، وذلك للحيلة الذكية التي استخدمها حتى أكمل عمليته بنجاح.
{ كيف نفذها؟
_ تلقينا بلاغاً بأن السوق الحر بأم درمان قد تعرض لأغرب عملية سرقة، ولأن عمل المباحث كان عاماً ذهبنا بقوة إلى السوق، وفور وصولنا لم نجد أية كسور في (الدكاكين) المسروقة وكان التجار تظهر على ملامحهم علامات الاستغراب، وتبين لنا أنه استولى على كمية كبيرة من البضائع ومن خلال التقصي اكتشفنا أنه حضر إلى السوق في يوم السرقة صباحاً قبل التجار وأحضر معه (طبل) طبق الأصل لـ(الطبل) التي يستخدمها التجار وظل يراقبهم وأحداً تلو الآخر وأي منهم يقوم بفتح (طبل بوابته) يأتي اللص خفية ويستبدلها بطبلة يملك مفتاحها حتى غطى عدداً كبيراً من (الدكاكين) وأخذ ينتظر هو ورفاقه حتى أغلق التجار (دكاكينهم) وانصرفوا إلى منازلهم، وفي الساعات الأولى من الصباح أتى بعربته التي كان يستخدمها في السرقات وفتح (الطبل) بكل سهولة واستولى على كميات كبيرة من البضائع، وعندما حضر التجار في صباح اليوم التالي وحاولوا فتح (الطبل) فشلوا جميعاً قبل أن يعلموا أنها استبدلت.
{ كيف تحصلتم على هذه المعلومات.. وكيف وقع اللص الخطير في قبضتكم؟
_ هذه السرقة تعدّ من السرقات الكبيرة، لذلك وضعنا لها تيماً خاصاً كنت أنا ضمنه، ومن واقع الطريقة التي نفذت بها السرقة اشتبهنا في أن يكون مرتكبها (أ. ص) ولم يخب اشتباهنا، وشرعنا في البحث عنه حيث تحصلنا على معلومات تفيد بأنه عقب تنفيذه لأية سرقة يختبئ هو ورفاقه بمنزل رجل مشهور في (مايو)، فتتبعنا تلك المعلومات حتى أرشدتنا المصادر إلى المنزل، ورغم علمنا بأن اللص المطلوب يجيد القفز على أسوار المنازل ويمتاز بسرعة جنونية داهمنا المنزل وكان آنذاك قائدنا برتبة ملازم وهو أول من اقتحم المنزل، وبمجرد رؤيته للص أمسك به جيداً لكن الأخير عض الملازم في يده وأفلت منه ومارس هوايته المحببة متسوراً المنازل أمام أعيننا، لكننا اتصلنا بقوة أخرى كانت ترابط بالمنطقة ترصدته بعد أن أخبرناهم  باتجاهه، ولسوء حظه جاء مهرولاً بالقرب منهم فوقع في قبضتهم دون مقاومة، ومن هناك اقتيد إلى قسم الشرطة ودون في مواجهته بلاغ، وكانت له سوابق عديدة شكل بها إزعاجاً للسلطات آنذاك، حيث أقر بسرقة السوق الحر وكشف لنا عن كيفية استبداله لـ(الطبل) وكيف وزع المسروقات على بعض الفقراء والمساكين وبعضها لرفقائه وآخر لمصلحته الشخصية.
{ كيف تمت محاكمته؟
_ هذا اللص قدم للمحكمة ببحري التي أصدر قاضيها حكماً بالإعدام في مواجهته نسبة لتورطه في سرقات حدية، وهذا القرار رفع للرئيس “نميري” وأيده.
{ هل انتهت أسطورة هذه اللص بحبل المشنقة؟
_ نعم.. عقب تأييد “نميري” لقرار إعدامه نفذت فيه عقوبة الإعدام شنقاً حتى الموت، وانتهت حياة أشهر لص نهب وكسر ليلي في تلك الفترة.
{ إبان عملك بالمباحث.. هل واجهتك جريمة قتل غامضة؟
_ نعم.. واجهتنا جريمة قتل غامضة جداً ومعقدة وكانت بمثابة الاختبار الحقيقي لنا في العمل بالبحث الجنائي، لكن بتوفيق من الله واجتهادنا استطعنا الوصول إلى القاتل وألقينا القبض عليه.
{ أين كانت الجريمة.. وما هوية القاتل والمقتول؟
_ الجريمة شهدها أحد أحياء شمال بحري والقاتل كان يعمل (مقاول بناء) ويقيم في ذلك الحي، وكانت له علاقة عاطفية مع فتاة تقيم بحي وسط بحري، وفي يوم الجريمة حضر إلى منزلها واصطحبها معه إلى منزله شمال بحري بواسطة عربة (مرسيدس) كانت مشهورة بـ(عيون جراد)، وفور وصوله أعطى خفير منزله مبلغاً من المال وأمره بأن يغادر إلى أهله بولاية الجزيرة، وقد فعل الخفير، وبعدها قتل (المقاول) الفتاة خنقاً، وتخلص منها بإلقاء جثتها داخل بئر المنزل حتى تحللت.
{ كيف توصلتم إلى هذه المعلومة؟
_ أسرة الفتاة أبلغت عن فقدانها، وظللنا نبحث عنها لمدة شهر كاملاً حتى توصلنا إلى أول خيط من أحد مواطني الحي الذي ارتكبت فيه الجريمة مفيداً باختفاء خفير المنزل منذ فترة، وقال إنه رأى صاحب المنزل وقد أحضر معه فتاة ولم تخرج في ذلك اليوم، وبعد أن أرشدنا إلى المنزل اقتحمناه، وفور دخولنا شممنا رائحة كريهة تنبعث من البئر فذهبنا ناحيته، وهنا كانت المفاجأة المذهلة ظهرت لنا جثة الفتاة متحللة لكن ملامح وجهها واضحة وكانت ترتدي ساعة (أم درمان) وجدناها (شغالة ومظبوطة كمان).
{ هل توصلتم إلى القاتل؟
_ بالتأكيد توصلنا إليه بعد جهد كبير وعمل مضنٍ، وذلك بعد أن توصلنا إلى مكان الخفير وألقينا عليه القبض، ومن خلال التحقيق معه، أرشدنا إلى القاتل الذي ألقينا عليه القبض بمنزل وسط بحري وكان يعيش حياته عادية وكأنه لم يرتكب جريمة قتل.
{ كيف تمت محاكمته؟
_ قدم المتهم للمحكمة تحت طائلة القتل العمد، لكن أسرة الفتاة تنازلت عن حقها في القصاص وقبلت بالدية، وحكم عليه بالسجن في الحق العام.
}} في الحلقة القادمة.. نواصل سرد قصص ومغامرات المساعد “محمد حسين جلك” مع الأسود والنمور والسامنزي.. وكيف كسر الأسد أصبعه.. ثم كيف ورطه زميله وأغلق عليه قفصاً برفقة الأسد.. وكيف تصرف لينجو… والكثير المثير.

مشاركة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة المجهر السياسي السودانية