رمضانيات
يختلف المسلمون في كل شيء مذهبياً ينقسمون إلى سنّة وشيعة.. الشيعة طوائف وبيوتات.. والسنّة طرق وجماعات.. ولا يتفق المسلمون على نظام سياسي ولا دستور جامع.. ولا حتى في الشعائر التعبدية تجمعهم.. بعضنا صام رمضان اليوم.. وبعضنا ينتظر رؤية هلال شهر رمضان بالعين المجردة في مناخات تتلبد فيها السماء بالسحب والأتربة والضباب.. ولا يقف المسلمون في صف واحد إلا في الصلاة ويوم الوقوف بعرفة.. لذلك ضعف صفهم وتبعثر شملهم.. وأصبحوا مثالاً للأمة التي فقدت القيادة وتسلل إلى صفها أعداؤها.. ويأتي رمضان هذا العام والدم المسلم يراق في فلسطين بأيدي اليهود.. والدم المسلم يراق في اليمن بأيدي المسلمين.. وتحصد الحرب الأهلية أرواح السوريين في دمشق وحلب وقبر سيدنا “خالد ابن البوليد” يرتجف غضباً وسيفه ملقى على الأرض والعراق أرض الصحابة والصالحين ملوثة بالدم.. والصومال الجريحة تعيش الفوضى وحرب الأعراف والأنساب.. والمذهبيات.. يعود رمضان.. ونحن بالصبر قانعون.. بالحرب قانعون.. بالموت قانعون.. بالمرض صابرون.. عنواننا العالم المسكين.
يعود رمضان ووطنا السودان يئن من وطأة الحرب اللعينة والانقسامات والأمراض.. والحاجة لكل شيء.. وأجزاء واسعة من البلاد فقد فيها الإنسان الإحساس بالطمأنينة.. على نفسه وماله وفلذات أكباده.. نهب في الطرقات وقتل على أساس الهوية المتخيلة.. ومعسكرات نازحين في أطراف المدن.. أطفال تلسعهم الشمس الحارقة وبطونهم خاوية من الطعام.. ونساء يخرجن من الصباح الباكر للأسواق والطرقات بحثاً عن لقمة تسد الرمق.. ورمضان يعود هذا العام ودرجة الحرارة تصل لنحو (45) درجة في ساعات النهار.. يلوذ المسلمون بالمساجد بحثاً عن نسمة هواء تخرج من جوف المكيفات.. وآخرون يتخذون من ظلال الأشجار متكأ واستراحة.. وموظفو الحكومة يمضون ساعات النهار في المكاتب الباردة.. ولا إنتاج في شهر رمضان ولا عطاء.
في المساء يجتمع الناس في الطرقات لتناول إفطار رمضان، ولكن يخرج الفقراء والمساكين وأصحاب الدخول المحدودة ويلوذ الأغنياء بالعمارات السوامق ولا تخرج الأحياء الغنية لتناول الإفطار في الشوارع مثلما يخرج سكان أم ضريوة.. والحاج يوسف والعسيلات.. والشقيلاب.. والحارة (100) والحارة ما بعد الفتح ومدينة البشير.. ويعودون من الطرقات إلى البيوت التي يكسوها الفرح لمشاهدة (أغاني وأغاني) الذي ينقسمون حوله أيضاً.. قادحون ومادحون ثم يتوحد الناس في صلاة التراويح.
عندما تتناول إفطارك اليوم تذكر أن هناك محروماً من الطعام بالقرب منك.. ينظر إليك بالأمل والرجاء والعشم فلا ترمي الطعام الذي يحتاج إليه إنسان مثلك- هو أخوك في الدين- في أكياس القمامة والنفايات.. وتحرم من أجر إطعام بطن جائعة.. تذكر الذين هم في معسكرات البؤس والشقاء.. والذين وجدوا أنفسهم نازحين في وطنهم بسبب حرب ليست حربهم ونزاع فرض عليهم.. وقد تكون أنت أو أنا ممن ينفخ في كير الحرب فلماذا تحرم ضحاياها من لقمة الخبز.. ورطل السكر.. وحبات البلح.. وبقايا الطعام الذي فاض عن حاجتك؟
عاد رمضان وتعود لأجساد المسلمين العافية والصحة من كان مسافراً وأفطر فقد أحيا سنّة.. ومن صام فهو خير له.. ومن كان مريضاً.. كتب الله له الشفاء في الصوم إن كان يعلم.. ويتدبر آيات الله.. وما بين التدبر والتأمل.. والقراءة والحفظ بون شاسع.
صوموا تصحوا.. وتهادوا تحابوا.. وكل عام وأنتم بخير.