إلى الفريق "عبد الرحيم".. قبل بداية (امتحان الخرطوم (3) !!
ملف الصحة هو الملف الثالث في هذه السلسلة، بعد ملفي المواصلات وصحة البيئة والتجميل.
لعلكم جميعاً تعرفون حال مستشفياتنا الحكومية والخاصة في الخرطوم، ولا فرق بين هذه وتلك سوى مستوى نظافة “السيراميك” وقيمة (حضانة المواليد) والسرير بالعناية المكثفة لليلة الواحدة!
لا أطباء اختصاصيون (متفرغون) للمستشفيات الحكومية ولا (الخاصة)، وقد لا يلتقي الأطباء (النواب) والعموميون بالاختصاصي المسؤول عن وحدة متخصصة لعدة أسابيع !!
إذا كانت الأوضاع غير مناسبة من ناحية مالية أو إدارية أو بيئية مع أي طبيب اختصاصي، فلم يظل منسوباً للمستشفى دون أن يأتي لمباشرة عمله .. ودون أن يستقيل ؟!
في مستشفى (ميوت) بمدينة “مدراس” بالهند، يتفرغ كبار اختصاصيي جراحة المخ والأعصاب، الجهاز الهضمي، الجلدية، القلب والعظام (لم يعد هناك اختصاصي عظام، بل اختصاصي لجراحة السلسلة الفقرية، وآخر لمفصل الركبة، وآخر لمفصل الورك ….) يتفرغون مع فريق كامل من الاستشاريين والاختصاصيين ونوابهم وأطباء العموم، مع جيش جرار لا يقل تعداده عن (4) آلاف كادر بشري!!
في السودان أنفقت الدولة ملايين الدولارات على بعثات (التخصص) الخارجية لعدد كبير من الأطباء، غادر معظمهم البلاد بموافقة واعتماد وزارتي الصحة الاتحادية والولائية، للعمل وفق عروض مغرية في المملكة العربية السعودية .
مستشفيات الخرطوم العامة تعاني من نقص حاد في الكادر الطبي من اختصاصيين ونواب، وغرفة العناية التي افتتحتها (ست الشاي) قبل أسابيع، لم تفتتح – عملياً – حتى الآن لعدم وجود كادر طبي!!
وقسم الحوادث بمستشفى بحري الذي بشرنا به الناس، ظل لثلاثة أسابيع بعد (حفل التدشين) الكبير وكرنفالاته مغلقاً (بالضبة والمفتاح)، وأنا أمر به في طريقي صباحاً ومساءً، وعندما سألت علمت أنه لا يوجد دكاترة ولا دكتورات، إلى أن جاء الفرج .. وتم افتتاحه بعد (مدافرة ومعافرة)!
لماذا توافق حكومتنا على (تصدير) كبار الدكاترة وصغارهم إلى الخارج، بينما تشكو مستشفيات العاصمة، دعك من مستشفيات الدمازين والضعين والجنينة والفاشر من نقص الأطباء؟!
أزمة القطاع الصحي في بلادنا بصفة عامة، وخرطومنا بصفة خاصة أزمة إدارة، ونظم واختلال في مفاهيم العمل في هذا الوسط، حيث لا يفترض (البروف) أن من حق المدير الطبي (الشافع) محاسبته وإلزامه بساعات العمل وأيام الدوام!! مع أن ذات الشيء قد يفعله وبخشونة زائدة موظف (خليجي) صغير، ويجد كل التعاون والتقدير!! فمتى كان سلوك الالتزام بواجبات الوظيفة مرتبطاً بحجم المرتب .. بالدولار أو بالريال .. أو بالجنيه .. ما دمت موافقاً ومستمراً في العمل؟!
نحتاج إلى ثورة في هذا القطاع الصحي .. ثورة مفاهيمية قبل أن تكون ثورة لاستجلاب أجهزة ومعدات، وتشييد المزيد من المباني الخالية من الكوادر.
لقد شهد هذا القطاع خلال الفترة الماضية موجة من الأخطاء والاختلالات جديرة بالفحص والتحليل، وكافية لإصدار قرار التغيير بقوة ودون إبطاء أو تردد.
نواصل.