القيادي السابق بحزب الأمة القومي "عبد الرسول النور" لـ(المجهر)
قضية أبيي مفتعلة.. والآن قيادات “دينكا نقوك” لاجئون
تعيين الولاة من خارج الولاية لن يقدم جديداً
نزاع “المعاليا” و”الرزيقات” لا معنى له.. و”الإنقاذ” أسهمت في الولاءات القبلية
تقصير الظل الإداري كلمة حق أريد بها باطل
انتقد الأستاذ “عبد الرسول النور”، حاكم كردفان الأسبق، تجربة الحكم الفيدرالي في البلاد. ووصف عبارة (تقصير الظل الإداري) التي كانت أبرز مسوغات التوجه للحكم اللا مركزي، بأنها كلمة حق أريد بها باطل، وشدد على ضرورة تقوية الإدارة الأهلية وابتكار أساليب جديدة في إدارتها وعدم تسييسها. وحذر “النور”، في الحوار الذي أجرته معه (المجهر) الولاة المعينين من خطورة من سماهم “كباتن السياسية” (السماسرة) الذين يعملون مع كل والٍ. وطالب باستخدام التمييز الإيجابي في التنمية، عبر إنشاء مصانع في المدن الكبيرة حتى يعود المواطنون إليها بعد أن هجروها وقطنوا المدن وامتهنوا الأعمال الهامشية التي تدر لهم دخلاً أفضل.
ولد الأستاذ عبد الرسول النور عام 1950م بريفي المجلد، وتلقى تعليمه الأولي بالمجلد، والأوسط برجل الفولة، والثانوي بخور طقت والجامعي بجامعة الخرطوم كلية الآداب.. عُين وزيراً ثم حاكماً لكردفان أثناء الديمقراطية الثالثة (1985 ـ 1989م)، وقد التقته (المجهر) وأجرت معه الحوار التالي حول تجربة الحكم الفيدرالي بين يدي تجربة جديدة تقوم على تعيين الولاة بدلاً عن انتخابهم.
حوار- وليد النور
{ كنت حاكماً لإقليم كردفان.. ما تقيمك من خلال تجربتك في فلسفة الحكم اللا مركزي ومستهدفاته التي حدثت آنذاك وما هي محصلة التجربة في مجال توسيع المشاركة وتقصير الظل الإداري وتحقيق التنمية؟
_ الحكم الفيدرالي مطلب أساسي ومهم لإدارة الدولة السودانية لأن النزاع بين المركز والأقاليم نزاع وهمي، والمركز أصبح محلاً للتنمية من حيث توفير الخدمات المائلة في السودان باعتباره مسؤولاً عن التنمية، وبالتالي أخذ حقوقاً مكتسبة من ضمنها استخدام الكهرباء، بجانب توفير الصحة والتعليم.. وبالتالي مطالب المدن تختلف عن مطالب مواطني الأرياف الذين انتظروا التنمية ولما لم تصل إليهم انتقلوا إلى المدن من أجل وضع معيشي أفضل.. ومن هنا ظهر الخلل.
{ إذن كيف للحكومة معالجة الخلل الذي ذكرته؟
_ لا يمكن معالجته إلا عبر الهجرة العكسية من مناطق الكثافة السكانية الجديدة أو المدن الكبيرة إلى الأرياف بتوفير مقومات التنمية التي تجذب الموطنين (الماء، التعليم، الصحة والطرق).. إذا استطاعت الدولة بناء شبكة طرق وتوزيع المصانع الكبيرة في المدن أو رئاسة الولايات أكيد سيعود الناس إلى قراهم وسيتركون المدن التي تريفت ويعودون إلى مناطق الإنتاج، وسيصبحون منتجين بدل مستهلكين.. لكن هذه النقلة تتطلب التمييز الإيجابي.
{ ماذا تقصد بالتمييز الإيجابي؟
_ التمييز الإيجابي تم في عهد الرئيس “عبود” بإنشاء مصانع في أنحاء البلاد كافة، فنجد مصنع ألبان بابنوسة، وتجفيف البصل في كسلا الفاكهة في واو والبلح في كريمة.. حاول لكن الدراسات ما كانت مكتملة وتوجد أخطاء في التنفيذ.
{ ما تقيمك لتجربة الحكم المركزي في عهد “نميري”؟
_ الحكم المركزي يجب أن نمنحه صلاحياته وقوانينه التي تمكنه من القيام بواجباته، فمثلاً الحكم الولائي ثم المركزي الذي يجب أن تتقلص فيه الوزارات الاتحادية إلى (14) فقط.. ومعلوم أن الولاية الفقيرة تأخذ نسبة إيرادات الولايات الغنية، وبهذه الطريقة أصبحت ولاية “جورجيا” في الساحل في الجنوب الشرقي لأمريكا فيها رئاسة البيبسي كولا في العالم ورئاسة الـ(سي أن أن) في العالم، يعني كل السودان كان يحكم مركزياً بتسعة مديريات، يرأسها مدير أو محافظ، ثم جاء الحكم الإقليمي في عهد الرئيس “نميري” في العام 1980م عمل مركزية الأقاليم التي تقوم بتوريد إيراداتها كافة للحكومة الاتحادية، فكانت ميزانية إقليم كردفان (45) مليون جنيه، والحكم الحالي منح الولاية (2%) فقط من دخل البترول، وهذا فيه ظلم للولايات التي هجرها سكانها إلى الخرطوم.. السودان الآن فيه (12) مدينة فقط والخرطوم تحتضن ثلث سكان السودان، أما بقية المدن والريف فلا يوجد فيها سكان.. حتى الشباب الذين كانوا يمارسون مهنة الزراعة تركوها وأصبحوا يمارسون المهن الهامشية في الخرطوم، وتحول من منتج إلى مستهلك.. وإذا أردنا تطبيق الحكم الفيدرالي كاملاً فيجب أن نعود إلى الأقاليم الستة.
نحن تسلمنا ووجدنا بعض قوانين “نميري” موجودة، لكن صلاحياتنا لم تكن أصيلة.. كانت صلاحياتنا مخولة، وبالتالي من أجل بناء نظام فيدرالي يعتمد عليه لابد من سن قانون حتى ينظم علاقة المحلية بالولاية والولاية بالمركز، تكون مربوطة ببعضها، حتى ينمي كل إقليم نفسه ونجعل له السلطة، وبالتالي تحويل الولايات إلى محليات، والمحليات إلى مجالس تنفيذية، حتى لا يكون الحاكم أو الوالي ممثلاً لرئيس الجمهورية بل يربط بينهما القانون.. يحتمل أن يأتي من حزب آخر غير حزب الرئيس.
{ من خلال تجربتك.. ما هي إيجابيات الحكم المحلي في عهد “الإنقاذ”؟
_ “الإنقاذ” ما عندها ولا إيجابية واحدة.
{ لماذا؟
_ لأنها حولت الحكم المحلي إلى قبلي.. مثلاً دارفور كان إقليماً وأحد وحكمه الراحل “عبد النبي” من (البرتي) و(التجاني سيسي) من الفور، وبدأت الحمى منذ تعيين “الطيب المرضي”، والآن قسم لخمس ولايات: وسط دارفور للفور، غرب دارفور للمساليت، جنوب دارفور للهبانية والبني هلبة، شرق دارفور للمعاليا والرزيقات وشمال دارفور للبرتي والزيادية.. والمحليات كل قبيلة لها محلية، وعندنا في ولاية غرب كردفان مجلس ريفي المسيرية.. في عهدي حكمي كان يديره ضابط إداري واحد الآن توجد ثماني محليات تمثل بطون قبيلة “المسيرية”.. لسبب أو لآخر حدثت معارك بين بطون هذه القبائل امتدت وهي سبب النزاعات القبلية بين قبائل الولايات في دارفور وكردفان.
{ ما تقييمك لقضية تعيين الولاة وإلغاء انتخاباتهم من قبل المؤتمر الوطني؟
_ رأيي الشخصي أن ينتخب المواطنون المجلس التشريعي الولائي والمجلس ينتخب الوالي ويعزله.. ولا أؤيد انتخابات مباشرة للوالي من قبل المواطنين هذا خيار ليس موفقاً على الرغم من أنه يمنح المواطنين الاستقلالية، لكن يجب أن ينتخب الوالي من المجلس التشريعي أو الرئيس يعين صاحب الكتلة الأكبر في المجلس التشريعي.. في نظام “نميري” كان يُختار الحاكم ثم تطور إلى كلية تختار الوالي، ونواب الاتحاد الاشتراكي يختارون نواب الإقليم في المجلس الوطني عبر قائمة وتُقدم للرئيس ليختار واحداً منهم وهذا غير صحيح.. يفترض أن ينظم القانون العلاقات بين رئيس الجمهورية وحاكم الإقليم.
{ برأيك.. هل ستقضي التعيينات الجديدة لولاة من خارج الولاية على القبلية التي تفشت؟
_ أبداً.. هذه التعيينات لا يمكن أن تنجح ولا تقدم أي جديد، لأن الولاة معنيون حسب قبائلهم، والقبائل تتصارع في السلطة والأراضي والثروة.
{ إذن ما هو الحل؟
_ الحل أن تأتي الانتخابات عقب نتائج الحوار الوطني حتى تكون هنالك (فرشة) كحد أدنى للوفاق، يتراضى الناس فيها على الوفاق وينتظرون الانتخابات.. الذي كسب يحكم والخاسر ينتظر.. وهكذا دواليك.. والوالي الآن هو ممثل للرئيس في ولايته.
{ لكن الحكم الفيدرالي أريد به تقصير الظل الإداري وأن يحكم أبناء الولايات ولاياتهم؟
_ تقصير الظل كلمة حق أريد بها باطل.. مثلاً ولايات دارفور الخمس كل والٍ له عدد من الدستوريين والتنفيذيين والصرف عليهم سيكون من المركز، وهذا التقسيم قلل الولاء من الوطن إلى المنطقة إلى القبيلة، وهذا أخطر أنواع الولاء.. عندما حدث الهجوم على (أبو كرشولا) لم يخرج ناس الأبيض وعندما هوجمت (أم روابة) انتفضت مدينة الأبيض ولم تخرج ولاية غرب كردفان، وعندما هوجمت (أبو زبد) خرجت جماهير ولاية غرب كردفان وناس الأبيض.. الهجوم كان في منطقة نائية.. زمان عندما هوجمت (حلايب) الناس في دارفور حملوا فؤوسهم وقالوا “لبيك حلايب”.. نجد أن الأحزاب رفعت الولاء من القبيلة إلى الحزب، والطائفة رفعت الولاء إلى طائفة أكبر.. وارد أن تكون هذه الممارسات فيها أخطاء لكن أفضل الولاء أن يكون لحزب واحد لأنه يمتلك جماهير في كسلا والجنينة.. و”الإنقاذ” ساندت الولاء للقبلية.. لكن في رأيي، أن يكون الولاء لحزب واحد أفضل.
{ أنت تؤيد الدعوة إلى دمج الأحزاب؟
_ لا.. أنا لا أؤيد دمج الأحزاب، ومن حق أية مجموعة أن تسجل حزباً سياسياً والفيصل سيكون الانتخابات، ويجب أن يعدل القانون بحيث أي حزب يفشل في كسب (10%) من مقاعد البرلمان يلغى تسجيله ولا يدخل البرلمان.. (الآن الأكراد في تركيا ح يدخلوا البرلمان لأنهم أحرزوا (10%) ولو أحرزوا (12%) سيدخلون (70) نائباً، وإذا أحرزوا (9%) يسقط الـ(70) نائباً ديل).. وأنا في رأيي الشخصي أن شروط الترشح لرئاسة الجمهورية يجب أن تقنن بمزيد من الضوابط غير عدد الأشخاص المزكين، يجب أن يضاف شرط جزائي في حال فشل المرشح في الحصول على نسبة (10%) من الأصوات ويعاقب بالسجن لأنه أضاع وقت الناس حتى يكون للتنافس قوة، ويجب أن لا يطلق لأي شخص فاقد للجماهير أن يضيع وقت الناس.
{ ما تقييمك لنجاح تجربة الحكم الفيدرالي في عهد “الإنقاذ”؟
_ لم يكن هنالك نجاح، لأن “الإنقاذ” لما جاءت السلطة وجدت الحزبية واستبدلتها بالقبيلة وبقي الولاء للقبيلة، وهي (البتحمي الشخص)، توصله لأعلى المناصب.. ولم تقف عند القبيلة.. مثلاً (حمر) طالبوا بولاية، هم قبيلة محترمة وكبيرة وتستحق، (لكن القبيلة التانية ح تطالب بولاية) وحتى خشوم البيوت.. والمسألة (ح تبقى زي الكسر الدائري) لا ينتهي أبداً حتى يصل النزاع في السلطة إلى أبناء الرجل الواحد.. وهذا لا معنى له.
{ هل تسببت الأرض في النزاع بين “المعاليا” و”الرزيقات”؟
_ هذا نزاع لا معنى له.. أولاً الأرض ملك للدولة كيف لقبليتين أن تتقاتلا على أرض ملك للدولة.
{ النزاع بين “أولاد سرور” و”هيبان” كان حول حقل “الرميلة” النفطي؟
_ أولاً هذا الصراع سببه التعويضات، فيجب أن لا يتم التعويض بالمال لأن الأرض لها قوانين.. يفترض أن تقدم خدمات للمنطقة مثل المدارس وخدمات التعليم.
{ لكن الشركات شكت من هجرة السكان إلى أماكن الاكتشاف وتكوين فرقان من أجل التعويض؟
_ السبب عدم التعويض، لأن شركة “شيفرون” الأمريكية عندما بدأت التنقيب لم يحدث هذا.. والمطار الذي تم بنيانه في أرض تعود ملكيتها لجدي، لكننا لم نطالب بتعويض، والشركات تمنح البسطاء تعويضات بسيطة، وأسوأ أنواع التعويضات أنك تمنح المواطن مالاً.. (في مدير شركة بيقول أدوا الفريق دا مليون ودا مائة جنيه).. الدولة يجب أن تكون صارمة.. وفي لقاء مع والي غرب كردفان السابق “أحمد خميس” شكا من عدم استطاعته توصيل أعمدة الكهرباء بسبب التعويضات ولم يجد مساحة لأن كل إنسان احتكر أرضه.
{ كيف يستطيع الولاة المعينون الانتهاء من الصراعات القبلية المسلحة وغير المسلحة؟
_ لن يستطيعوا، لأنهم جزء من الفتنة، لكن أمامهم خيارين الأول إزالة الممارسات السابقة كافة للولاة والجلوس مع الإدارة الأهلية أو الانحياز إلى إحدى الكتل المتصارعة الموجودة، وتبقى المشكلة في محلها.
نأمل أن يجلس الشباب ويدرسوا المشاكل كافة.. ورجال الإدارة الأهلية وأعيان المنطقة أوصيهم بتجنب (كباتن السياسة)، والسماسرة ينتظرون تعيين الشخص حتى يتعاملوا مع والٍ جديد.
{ هل لضعف الإدارة الأهلية دور في ما يحدث الآن؟
_ الإدارة الأهلية أضعفت وأنهكت وسيست وأفقرت ولم تكن قادرة على فعل شيء.
{ كيف يمكن إعادتها إلى مجدها من جديد؟
_ بابتكار نظام جديد، لأن الزمن يتطور ويجب إيجاد أساليب جديدة تتناسب مع المجتمع تكون قليلة التكلفة حتى يستفيد منها.. نظام يكون مبرأ من اختيار الحكام حتى لا يكونوا مثل الصوفية الآن أصبحوا يركبون أفخر العربات.
{ ولكن الزمن تطور فلماذا لا يركبون العربات الفارهة؟
_ الدعوة إلى الإسلام وتعلمه قامت على التقشف وأي مال لم يعرف من أين اكتسبته يدخلك دائرة الشبهة.. الآن بعض الصوفية الحكومة تصرف على خلاويهم وتطعم حيرانهم، وهذه تدخل في باب الرشاوى السياسية.. تقدم لهم من أجل كسب ولائهم.. والدولة تعتقد أنها بكسبهم تكسب أتباعهم.. وأذكر عندما كنا أطفالاً يأتي أشخاص ويقابلون المرشح ويقولون له عندنا (200) صوت للرجال و(100) صوت للنساء، صوت الرجل (10) قروش والمرأة (5) قروش.. أفتكر أنهم حتى في فسادهم كانوا صادقين.. يجمعون الأصوات، وبعد ذلك يدعي المرشح أن البلد مضمونة له.
والدولة تتعامل مع الإدارة الأهلية التي فشلت في حسم الصراع القبلي لأن بعض القبائل تمتلك دبابات.. وهنا أريد التنبيه إلى قضية مهمة، يجب منحها درجة من الأهمية في وسائل الإعلام.. فحتى الآن لم يتم القبض على مرتكبي الجرائم في كل الصراعات القبلية سواء في صراع “المعاليا” و”الرزيقات” أو “الفلاتة” و”السلامة “وحتى الصراع في بطون “المسيرية”.
{ أين تقف قضية أبيي الآن؟
_ هي قضية مفتعلة، والآن كل قيادات “دينكا نقوك” (الكان عندهم حلم) بأن يحكموا الجنوب إبان الشراكة مع الحركة الشعبية وكانوا أكثر من (15) وزير منهم “لوكا بيونج” و”دينق ألور” و”إدوارد لينو”، الآن كلهم لاجئون اختلفوا مع “سلفا كير” ولم يستطيعوا الذهاب إلى النوير، وهم تحت حماية “المسيرية” إلى أن ينجلي الأمر.