"ترباس" خطف الأضواء في الحدود السورية الأردنية!!
تجانى حاج موسى
“جيتو تتطلعوا علينا” “لا جينا نشوف أحوالكم”.. من وين أنت عمي؟.. “أنا من السودان.. تعرفوا؟!” “أيوه” بلد مليح!! خالتي وزوجها وأولادو راحوا لي عندكم!! إيش يعمل عمي.. في الأمم المتحدة؟!!”.. “لا أنا شاعر وكاتب”.. إيش شعر.. وإيش تكتب؟ .. بكتب الغنا وبكتب في الجرنال.. قول لي أغنية كتبتها؟ “ما هي دنيتنا الجميلة.. بي وديانا وصحاريها ونخيلا.. الشمس كل يوم بتشرق.. اصلو ما إتأخر شروقا وفي العشية تسيبنا تغرب روعة سبحان البسوقا.. أربعة فصول في السنة.. بيمروا عبر الأزمنة.. الشتاء، والصيف، وربيع، وخريف.. حلوة؟ “حلوة كتير.. بس دنيتنا ما جميلة”.
الحوار السابق جرى قبل أيام بيني وطفل سوري لم يتجاوز السابعة من عمره في معسكر للاجئين مقام في الحدود الأردنية السورية، والطفل أحد مئات الأطفال الذين ضمهم ذلك المعسكر الذي يسع خمسة آلاف نسمة تحت إشراف منظمة غوث اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.
طفلة صغيرة أخرى أمسكت بطرف قميصي وسألتني في حزن شديد “عمي” بدي أرجع بيتنا؟ متى نرجع بيتنا؟، لحظتها لم أتمالك نفسي أشحت عنها بوجهي وأخرجت منديلي لأمسح دموعي، وقلت لها” قريب ترجعوا بإذن الله”، أعلم أن إجابتي لها أمنية يصعب تحقيقها في عالم أصبح مرجلاً يغلي بالحروب ونيرانها التي قضت وتقضي كل يوم على الأخضر واليابس وإزهاق النفس التي حرم الله أبسط من قتل باعوضة أو ذبابة!!
قصة سفري هذه كانت بدعوة كريمة من شركة (زين) بمبادرة من صديقي الفنان “كمال ترباس”، وكان أمير رحلتنا الأستاذ “عثمان ساتي” أحد مديري الشركة المختص في الترويج والإعلان.. سبقنا إلى “القاهرة” التي عبرناها إلى “الأردن”.. صديقي “ترباس” ومدير أعماله ابنه “صلاح” لم يزورا “الأردن”، لكنها بالنسبة لي كانت المرة الثالثة.. نزلنا بفندق فاخر بالعاصمة “عمان” اسمه “فور سيزونز” أربعة فصول.. وهناك التقينا بعدد من نجوم الغناء تم اختيارهم وصديقي “ترباس” ليؤدي أغنية قصيرة مصورة في المعسكر الذي حدثتكم عنه.
صبيحة اليوم التالي لوصولنا ذهبنا وطاقم من المصورين والمخرجين ومختصين في صناعة الإنتاج البرامجي التلفازي، وبعد مسيرة ساعة ونصف وصلنا المعسكر موقع التصوير، وهناك نصبوا لنا خيمة كبيرة ومدوا موائد الطعام والشراب وأزيز مكيفات الهواء ينداح مبرداً المكان، وهناك خطف “ترباس” الأضواء بزيه المعروف.. بالمناسبة أصر “ترباس” على لبس زيه المعروف غير أن بقية الفنانين والفنانات لبسوا قمصان فنيلة بلون أسود تزينه علامة (زين) الشهيرة.. اتخيلوا كل ذلك الحشد عمل لساعات عديدة لإنتاج أغنية لا يتجاوز زمنها دقيقتين ونصف.. هنا علمت لماذا صُورتنا عبر برامجنا بإذاعاتنا المرئية غير جاذبة.. لأننا لا نولي إنتاجنا الإعلامي الاهتمام من حيث الكلفة المادية ولأننا لا ندرك أن الإنتاج البرامجي أصبح صناعة!! تذكرت تلك المبادرة التي قدم فيها عدد من الفنانين والفنانات العرب أوبريت “الحلم العربي الكبير” والذي شاركت فيه الفنانة الكبيرة “سمية حسن”، والتي قال عنها الموسيقار “حلمي بكر” مؤلف لحن الأوبريت “سمية السودانية غنت حلو”، وحين يتم بث العمل الجديد ستدركون أن صديقي “ترباس” غنى حلو وظهر بشكل مشرف جداً.. بالمناسبة “ترباس” بكى متأثراً وثمن ذلك العمل والمشاركة، وأشدنا بمبادرة شركة (زين) وليتها تبنت مشاريع إبداعية أخرى تبرز الفنون السودانية بشتى ضروبها.. ثلاثة أيام قضيناها بـ”الأردن” الشقيقة وبعاصمتها “عمان”.. عاصمة نظيفة.. طرقاتها واسعة معبدة.. مبانيها أنيقة معظمها شُيد من الحجر الجيري المتوفر في جبالها.. عدد مقدر من السائحين من جنسيات مختلفة التقيناهم.. فالسياحة مصدر مهم من مصادر دخلها كذلك الدخل الذي تدره دور العلاج بها.. ريفها ينعم بالخضرة وأشجار الزيتون على امتداد مروجها.. ثقافة الخضرة واضحة، فالأزهار والورود تطل على رؤوس التلال والجبال. أما مطار “الملكة علياء” يضاهي أجمل مطارات الدنيا.. “متين يكون عندنا مطار زيو؟ صورة الملك الراحل “حسين” بعقاله العربي وبقربه فخامة نجله الملك “عبدالله” تزين الفندق.. بالمناسبة وأنا صبي يافع كنت اقتني صورة للملك “حسين” فأنا من محبيه ومحبتي تأكدت عند زياراتي لـ”الأردن” الشقيقة فقد شيد – يرحمه الله – بنيات أساسية. المائدة الأردنية حافلة بالسلطات المتنوعة والفاكهة والمعجنات والمخبوزات والحلويات الشرقية – بس غالية شوية – للنارجيلة مقاهٍ عديدة يقدمونها بنكهات متعددة.. رحلتنا قصيرة لكنها أثمرت بتأليف أغنية تتحدث عن السلام ونبذ الحرب.. بالمناسبة متى تضع الحرب أوزارها في ربوع الوطن العربي وفي غربنا الحبيب؟ أتمنى أن يذهب كل حامل سلاح ليزور أي معسكر من المعسكرات التي فرغتها الحروب ليضع البندقية.. ويسعى لحل المشكلة بالحوار.. ومتى تحلق طيور السلام في سماء صافية لا تعكرها أبخرة البارود والمدافع؟!